بعد كشف الوقائع الجديدة هل يعتذر الرئيس الفرنسي عن اتهامه للإسلام بالإرهاب؟

المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين

بعد أن تم كشف المستور في حادثة أفيجنون في فرنسا، وثبت أن الذي قام بها أحد أعضاء اليمين المتطرف الفرنسي وهو يصرخ ألله أكبر وكررها عدة مرات أثناء إطلاق النار على ضحاياه، بقصد إلصاق التهمة بالمسلمين وأتباع الدين الإسلامي. كما كشف أن الذي أطلق النار على كاهن الكنيسة في مدينة ليون الفرنسية هو زوج سيدة كانت على علاقة مع الكاهن. وفي الحالتين سارع السيد ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية راعية حقوق الإنسان إلى اتهام الإرهاب الإسلامي. وبتسرع شديد قامت بغلق المساجد دون انتظار أي تحقيق.

وفي أقل من شهر اتهم الرئيس الفرنسي الإسلام بالإرهاب، وتفوه بألفاظ تعبر عن فوقية وعنصرية واستعلاء من حاكم يفترض فيه أنه متزن ولا يطلق الألفاظ على عواهنها، ويتحقق من الفعل ونسبته إلى أهله مرتكبه وفاعله. فهل يتراجع الرئيس الفرنسي ويعتذر على الملأ عن اتهامه بعد كشف الحقائق أم سيكتفي بالصمت وإطلاق ألفاظ عائمة غائمة كما فعلت جريدة لوموند الفرنسية حينما نشرت الوقائع الجديدة المكتشفة بخبر صغير في إحدى زوايا الجريدة. ونتسائل بدورنا لم هذا التسرع والتحامل على الإسلام وأتباعه دون عن غيره من الأديان؟

ففي حادث الرسم الكاريكاتوري ومجلة شارل أبيدو أبدى الرئيس الفرنسي تأييدا لما اسماه بحرية الرأي والتعبير وحق المجلة في النشر المكرر رغم الإساءة البالغة لنبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، ولجمهور المسلمين المؤمنين. وفي ذات السياق حاول الرئيس الفرنسي أن يقدم اعتذارا ملتبسا حول تلك الكلمات. لكنه ما لبث أن قال بملء فيه بعد حادثة فينا في النمسا أن ذلك هو إرهاب إسلامي. وقطعا سبقه لهذا الوصف نتنياهو وترامب وتكرره وسائل الميديا العالمية من صحافة وتلفزة وإذاعة، وأخذت وسائل التواصل الإجتماعي تكراره أيضا.

الملاحظ أنه لا يقال على الإطلاق ولا يجرؤ أحد أن يقول إرهاب يهودي أو يصف فعلا يهوديا بذلك الوصف وإلا اتهم باللاسامية، حتى الصهيونية اعتبرت كالكارثة لا يجوز المساس بها. كذلك لايستعمل اصطلاح إرهاب مسيحي على الإطلاق. بينما يشيع هذا الوصف عن قصد واضح إذا كان الفاعل مسلما ولو أنه غير ملتزم بتعاليم الإسلام. ومن الجلي أن هذا تشويها مقصودا للإسلام وقيمه، فكثير من الأفعال التي توسم بالإرهابية يقوم بها نفر من المسيحيين واليهود دون أن تلصق بهم تهمة ألإرهاب.

السيد ماكرون هو رئيس الجمهورية الفرنسية وهو شخص منتخب ويتولى أعلى منصب في الدولة الفرنسية. ومدينة ستراسبورغ الفرنسية تحتوي اشهر معهد لحقوق الإنسان في أوروبا. لذا عليه أن يزن كلماته في ميزان دقيق من الذهب قبل التفوه بها ونطقها. ويجب عليه استشارة مستشاريه في قضية جدلية سياسية غير قانونية كاستعمال مصطلح الإرهاب ووصف ربع العالم بهذا الوصف القميء.

رغم أن القرآن الكريم لم يأت على هذه الكلمة ضمن الوصف الحديث، ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المعطل الأول لوضع تعريف لاصطلاح الإرهاب في ثمانينيات القرن الفائت أيام الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، إلا أن المحافظين الجدد وإسرائيل بدءا في الترويج لهذا الإصطلاح رغم ما فيه من مغالطات وتشويه للحقائق تحت ستار حقوق الإنسان وتحديدا ما يسمى حرية الرأي والتعبير.

ابتداء نقرر أن الإنسان أعظم مخلوق على سطح الأرض، وقد حباه الله بميزتين هما العقل والقدرة على التعبير، ومن خلاله تعمر الأرض وبعقله تعلى كلمة الله، فالفكر يمثل الجانب الروحي والمعنوي في الإنسان. وهذا هو الأمر الأساسي الذي تفرد به الإنسان عن الحيوان من خلال الفلاسفة والأنبياء والحكماء والخطباء والأولياء.

الحرية الفكرية ومنها حرية الرأي وحرية التعبير حرية أساسية للإنسان تجعله يلعب دورا مميزا من خلال جو من التبادلية بين المفكرين والبشر، والتأثير المتبادل والتفكير الحر، مكمنه الإدراك الواعي ومبعثه الإختيار المضبوط، وهي وسيلة وليست غاية تهدف إلى الإرتقاء بالمجتمع وتطويره واختيار الصالح العام عن وعي ومعرفة وإدراك، فالكلمات وعاء المعاني.

شهدت الحضارات القديمة والأديان التوحيدية مظاهر متعددة لحرية الفكر، ففي البدء كانت الكلمة. ولما كان الإسلام هو المستهدف في كلام السيد ماكرون الراغب في لبس دور نابليون من جديد نورد له آيات كريمات حول حرية الرأي والتعبير. يقول تعالى ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” ( آل عمران 104). وفي آية أخرى ” والذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ” ( الحج 41). وفي موقع آخر قال سبحانه وجل شأنه ” وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” ( الجاثية 13 ) . بل هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوبة تدعو للتفكير والتعقل والتعلم وإعمال العقل.

هذه الحريات ليست مطلقة، وحينما شرعتها إعلانات الحقوق ومواثيقها، قررت إلى جانبها عدة ضمانات وقيود من أجل حسن تطبيقها. ونظرة بسيطة على المادتين 18، 19 من ميثاق الحقوق المدنية والسياسية ومقابلهما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، نجد أن هذين النصين عامران بالقيود المفروضة على ممارسة حرية الفكر والتعبير. وهذه القيود تحد من استعمال هذه الحريات كحرية التعبير عن الرأي. وكأن المشرع الدولي والدساتير المحلية أرادت القول إذا ما استعملت أيها الإنسان حرية التعبير عن الرأي فعليك أن تراعي القيود التالية مثل حماية السلامة العامة والحفاظ على النظام العام واحترام الآداب العامة وحقوق الغير وحرياتهم الأساسية وسمعتهم وحماية الأمن القومي والصحة العامة. وضمانة للعدالة، يجب أن يقرر هذه القيود القانون وتقتضيها الضرورة في مجتمع ديموقراطي وضمان السلطة القضائية واحترام الخصوصية.

ويجب أن نشير إلى أن حقوق الإنسان لسد منافذ الكراهية والتحريض عليها رأت أن تحظر الدعوة للحرب وللكراهة القومية أو العرقية أو الدينية أو أية دعوات تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.

وقد قررت المحاكم تأييد هذا النهج في التعبير عن حرية الرأي مع الفارق عن حرية الرأي بشكل مجرد. بل ذهبت أعلى محكمة أوروبية لحقوق الإنسان التي ليس لها مثيل في دول العالم أجمع، إلى أن الإستخفاف بالعقائد الدينية وبالأنبياء ليست من قبيل حرية التعبير عن الرأي. وجاء ذلك بصدد قرار محكمة نمساوية على كل المستويات وتايد من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأن احترام العقائد ومبادىء الدين يشكلان أساس الحرية الدينية وحرية التعبير عن الرأي. وقبل ذلك كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في عام 1996 قد اصدرت قرارا يدين فيه التعصب الديني الذي يشكل إهانة للبشرية. وتلاه قرارات تمنع ازدراء الأديان وسيرة الأنبياء.

ولا يهم في تطبيق حرية التعبير عن الراي يا سيد ماكرون أن تكون الدولة علمانية أو دينية. فالحق في حرية التعبير عن الرأي ليست مطلقة بل محددة بقيودها. وعليه قضت المحكمة الأوروبية ان إهانة الرسول الكريم لا تغطيها حرية التعبير عن الراي التي تدافع عنها يا سيد ماكرون بدون التبين عن كنهها. وقررت أن التشهير بالنبي العربي فيه تجاوز للنقاش الموضوعي ويثير استياء غير مبررا لدى المسلمين ويعرض السلم الديني للخطر.

غريب أمر السيد ماكرون يصف فعل فينا وليون بأنه إرهاب إسلامي، بينما تعاقب القوانين الفرنسية على جرائم كثيرة اساسها العصابات المسلحة بناء على الأمور السياسية والأمن القومي الفرنسي والنظام العام الفرنسي. مغالطات وتناقضات وددنا أن لايقع فيها رئيس فرنسا ولكنها السياسة وأحلام الماضي الإستعماري الذي ما انفك يداعب كثيرا من المفكرين الغربيين ولا ينسون وصول الجيش العثماني ابواب فينا ولا الجيش المسلم جنوب فرنسا.

يجب أن يفيق الغرب على أن الإسلام ليس عدوا للحضارة، وقد انتشر بالإقناع وليس بالسيف وبقوة الحجة وهو الدين الأكثر انتشارا في العالم اجمع هذه الأيام. ومن لديه شك ليرجع للفقيه أوغسطين في تبريره للحرب العادلة فكفانا فذلكات يا سيد ماكرون، فالدين لله والوطن للجميع. ويجب أن يسود العالم التسامح واحترام القيم الدينية لجميع الديانات ورموزها وكتبها، وعدم إطلاق الأوصاف الشاملة التي تسيء للأخلاق وقيم التسامح أولا وأخيرا. لسانك لا تذكر به عورة امرىء فكلك عورات وللناس أعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى