بالحبر الأبيض.. أرشفة لأيام رمادية
بقلم: هدى عبدالحر
(بالحبر الأبيض) هو عنوان كتاب جديد للصحفي والإعلامي والأديب علي جبّار عطية، صدر نهاية عام 2022 عن مؤسّسة ثائر العصامي للطباعة والنشر ، بحوالي 308 صفحة من القطع الكبير وبغلاف جميل دال .وهو جزء من ذكرياته وسيرته في العمل الصحفي التي تمتدّ لأكثر من ثلاثة عقود.
والعنوان -كما يبدو لي- إشارة ذكيّة منه وتلميح إلى عبارة :(بالشمع الأحمر) التي تقال عادة عند غلق محلٍ أو بيتٍ مُتنازع عليه ..إذ أراد منها إنّ البوح سيكون ناصعا وإنّه لا إغلاق على عرائش الذاكرة ودهاليزها ولا أسرار يمكن أن تخفى أو تُطمس، هنا بوح أبيض عن أيام بألوان كثيرة لعلّ منها الأسود أن لم يكن لونها الدائم.
وقد دوّن المؤلف على الغلاف آراء بعض الكتّاب حول تجربته السيريّة منهم (عبدالرزاق الربيعي وأديب كمال الدين والقاص محمد حياوي والدكتور رعد الحلي و ربيع عامر صالح وغيرهم).
وهذه التدوينات أشبه بثريات إضافية تنير للمتلقي طريقه وهو يلج في مسارب الكتب وفصوله الكثيرة المتعدّدة من دون أن تجعل القراءة منحازة أو موجهة نحو ضفة ما بقرارات مسبقة أو تحرضه على الإعجاب من دون إنصاف أو موضوعية .
فقد قال أديب كمال الدين يصف: (تجربة مكتوبة برشاقة وعذوبة وصدق) بينما قال القاص والروائي محمد حياوي: (هي انثيالات عذبة وموغلة في التذكر شهدتُ بعض فصولها.. أنت أحد الضمائر الحيّة لجيلنا الصاخب كم أسعدتني كتابتك ،ونثرت على صدري نثيثا ناعما من الذكريات اللذيذة).
في حين قال الدكتور رعد صادق الحلي: (قلمك يمنحنا كلّ مرّة قصصا مألوفة جدا ولكنه يحوّلها إلى قصةٍ نادرةٍ في أهميتها وموعظتها).
الكتاب الذي بين أيدينا إذن هو في (السيرة الصحفية) . وهي لا تفترق أو تبتعد عن التاريخ الحقيقي للصحافة العراقية فضلا عن تشابكها مع الحياة الثقافية والأديبة لذا تأتي أهمية هذه الكتاب ولاسيّما وهو يؤرخ لفترة مبهمة لنا نحن الجيل الجديد كانت فيها الصحافة ترزح تحت ضغط قمعي هائل ، فبسرد فني ناضج ولغة سلسلة لا تشوبها شائبة وصدق نادر وأسلوب رشيق ضمن بين طياته النكتة والطرفة والخاطرة أرّخ لتلك الأيام ، وقد انماز الكتاب بعنواناته الجذابة التي منها : بلوة ابتلينا، عصر الغلمان ، يوم ملثم في رأس شارع أصلع ، حواسم الصحافة ، ورطة اللحية ، بـأخطاء الزعماء وزعماء الأخطاء).
ومن الأشياء التي تُحسب للكاتبِ هي إنّه كان يطرح المقالات في صفحته في الفيس بوك ثمّ يدوّن أهم التعليقات التي كانت بمثابة رجع للصدى أو ردّة الفعل للجمهور إذ يدلو كل منهم بدلوه اتجاه الموضوع وهذه الطريقة المبتكرة هي واحدة من بوابات الجمال في (بالحبر الأبيض) إذ ثمّة تفاعل بين الكاتب وجمهوره ، تفاعل أنتج رؤى جديدة تضاف للكتاب ومحتواه وجعلت القارئ يشعر بوجوده داخل الكتاب ، لا مجرّد متلقٍ عابر بل (ناص) فعّال له رأيه ووجوده.
وقد عرض فيه معاناة الصحفي النزيه في زمن الحصار وما بعد الحصار ومعاناته من ظلم واضطهاد وتهميش وغيرها ..إذ عمل علي جبّار عطية في الصحافة بشكل منتظم منذ العام 1992وبعدها عمل في كثير من المطبوعات داخل العراق في فترة التسعينيات مما يجعل شهادته هذه مهمة وتعطي صورة لتلك الفترة .ومن الجدير بالذكر إنه من مواليد بغداد 1963حصل على البكالوريوس في قسم المحاسبة العام 1988، صدر له كتاب (أشرعة سومرية ..حوارات في الشعر والمسرح مع عبد الرزاق الربيعي) عام 2021 م ..كما نشر فصولا ومقالات من كتب أعدها للطبع ومنها كتابه (وجوه في ذاكرة الأرض ..حوارات) و(مقاربات في المشهد الروائي ..قراءات) و(من كهف الأسئلة إلى جمرات المعرفة ..مقالات).
وأخيرا أنا مع الدكتور ناصر أبو عون عندما قال في جريدة مقاله الاسبوعي (أدعو كليات الإعلام العراقيّة بتقريره في المنهاج الدراسيّ، ليقتدي به طلابها قيميا وأسلوبيا إذا ما خطّت لهم يد القدر في شارع الصحافة سبيلا).
* نُشر في جريدة الصباح بعددها(٥٦٢٣) الصادر يوم الثلاثاء الموافق ٢٠٢٣/٢/٢٨م
https://alsabaah.iq/uploads/public_files/2023-02/5623.pdf