الزلازل في بلاد الشام بالعصر المملوكي
د. إسلام إسماعيل أبوزيد – عضو اتحاد المؤرخين العرب
تعد الكوارث الطبيعية من أخطر ما تتعرض له المجتمعات البشرية في حقبة العصر الاسلامي،لما كان لها من آثار سلبية كبيرة،ونتائج فتاكة قد تؤدي إلى تدمير الحياة البشرية وهلاكها،وتشل نموها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي،لتأثر الحياة العامة في مصر بالعوامل الطبيعية والبشرية المسببة لهذه الكوارث الطبيعية،وما لها من عواقب على الواقع المعيش،لذلك كان لموضوع الزلازل من سنة (648- 923هـ/ 1250- 1517م) آثار سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشام،وقد كان للزلازل تأثير مباشر في أحداث تغيرات في الشام في العصر المملوكي.
ونقف في مقالنا علي عدد من الهزات الزلزالية التي تناولها العلماء,ففي ليلة ( 6 ربيع الثاني 658 هـ= 20 مارس-آذار 1260 م) حدثت زلزلة في دمشق،أدت إلى إثارة الفزع بين الناس([1]) وفي شهر(ربيع الثاني=فبراير-شباط 1261 م) حدثت زلازل في المناطق المحيطة بمدينة عكا ،ويذكر المؤرخون أن سبع جزر خُسف بها بالقرب من الشواطئ المقابلة للمدينة ([2]). وفي سنة ( 660 ه= 1261 م) حدثت زلازل شديدة في بلاد الشام ومصر والعراق وبلاد الروم، وكان أشد المناطق المتضررة من هذه الزلزلة في بلاد الشام دمشق وصفد والكرك والشوبك([3]).
يذكر حمد([4]) نقلاً عن اليونيني([5]) أن زلازل ضربت بلاد الشام سنة 662 هـ= 1264 م)،ولم أجد ما يدل على ذلك، وإنما ذكر اليونيني أن الزلازل حدثت في القاهرة فقط، فقد قال” في يوم الثلاثاء العشرين من ربيع الآخر- 22 فبراير-شباط 1264 م- جاءت بالقاهرة زلزلة عظيمة جداً([6]).
ذكر غوانمة([7])وحمد([8]) أن الزلازل ضربت بلاد الشام في (صفر672 هـ= 1273 م)وأحال الاثنان على المقريزي والسيوطي والعجلوني، وهذا ليس دقيقاً، لأنه لايوجد ذكر عند هؤلاء المؤرخين لمثل هذه الزلزلة، بل إن التفاصيل التي أوردها-غوانمة- هي تفاصيل زلازل سنة( 692 هـ = 1293 م)([9]). وذكر الغنيم أن تاريخ هذه الزلازل جاء محرفاً في الكتاب المطبوع من (كشف الصلصلة) إلى سنة( 672 ه= 1273 م)([10])، ولعل ذلك هو سبب اختلاط الأمر على الباحثين السابق ذكرهما.
ذكر اليافعي أن زلزلة حدثت في دمشق في (شعبان 683 هـ=أكتوبر-تشرين ثاني 1284 م)، وذكر أنه نقل ذلك عن الذهبي وأنه-أي الذهبي- نعت في كتابه هذه الزلزلة بأنها(الزيادة)، وأنه يعتقد عدم صواب هذا وأن صوابه الزلزلة، قال اليافعي:” في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل هكذا هو الزيادة في الأصل الذي وقفت عليه من الذهبي،وما يظهرلي معنى صحيح، ولعله الزلزلة، والله أعلم، فخربت البيوت وانطمت الأنهار([11]).
ولكن كلام اليافعي يناقضه ما ورد عند الذهبي الذي يؤكد هذا التعبير-الزيادة- والذي يستعمله المؤرخون بمعنى الفيضانات أو السيول المترتبة عليها، قال الذهبي:” وفي شعبان ليلة الرابع والعشرين منه نصف الليل كانت الزيادة العظمى، توالت الرعود والبروق، وأرسلت السماء عزاليها([12])، وجاء سيل هائل، وطلع الماء فوق جسر باب الفرج قامة وأكثر، واشتد الأمر، وغرق شيء كثير من الخيل والجمال وبني آدم، وذهب للمصريين شيء كثير، وافتقروا، وراحت خيمهم وأثقالهم”([13])، وقال أيضاً:” في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل وكان عسكر مصر نازلاً بالوادي”([14]). وقد ذكر الغنيم هذا السيل على أنه حدث زلزالي كان في عام ( 683 ه= 1284 م) معتمداً في نقل معلوماته على اليافعي، وهذا غير دقيق كما سلف ذكره([15]).
وفي شهر محرم ( 686 ه=مارس-آذار 1287 م) حدثت زلازل عظيمة في بلاد الشام، وصفها ابن عبد الظاهر بقوله: “فقدر الله أن زلازل في شهر المحرم من هذه السنة كثرت وفي (الحصون أثرت،…، وكانت زلازل عظيمة شديدة.([16]) وكان أشد المناطق المتضررة جراء هذه الزلازل مدينة صفد وحمص واللاذقية. ففي ( 15 محرم 686 ه= 2مارس-آذار 1287 م) ضربت الزلازل مدينة صفد، وفي ( 21 محرم= 8مارس- آذار) ضربت الزلازل مدينة حمص بحيث “كاد يأتي على محو آثارها”، وفي (ليلة السبت ( 5 صفر= 21 مارس- آذار) “جاءت زلزلة عظيمة في جهة اللاذقية([17]).
وفي شهر(صفر 692 ه=يناير-كانون ثاني 1293 م) حدثت زلزلة في بلاد الشام، وتركزت في غزة والرملة ، وقاقون ([18])، واللد ([19])، والكرك، وكان أشدها تأثيراً الزلزلة التي حدثت في الكرك، و الرملة وغزة. ذكر حمد ([20]) أن زلزلة ضربت مدينة دمشق في يوم السبت ( 1ربيع الثاني 699 ه= 25 ديسمبر-كانون الأول 1299 م)، واعتمد في ذلك على رواية للمقريزي، ولكن هذا الكلام غير دقيق.
المراجع:
[1] )) المقريزي،السلوك،ج1, ص513.
[2]) ابن أيبك،كنز الدرر، 8،ص 85 ؛المقريزي، السلوك،ج 1،ص 5
[3] )) ابن كثير،البداية والنهاية،ج 13 ،ص 272
[4] )) القلقشندي، مآثر الأناقة في معالم الخلافة،ج 1،ص 219
[5]) ) الزلازل في بلاد الشام،ص 47
[6]) ) المقريزي،السلوك،ج 2،ص 6
[7] )) الزلازل في بلاد الشام،ص47
[8] )) العجلوني،تحريك،ص 104
[9]) ) المقريزي،السلوك،ج 2،ص 239
[10]) ) السيوطي،كشف،لوحة 23 أ؛ العجلوني،تحريك،ص 104
[11]) ) سجل الزلازل،ص156
[12]) ). (يقال أرسلت السماء عزاليها انهمرت بالمطر)مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط ،ج 2 ،ص 104
[13] )) تاريخ الإسلام،ج 51 ،ص
[14]) ) مرآة الجنان،ج 4، ص 198
[15]) ) سجل الزلازل،ص183
[16]) ) تشريف الأيام والعصور،ص 15
[17]) ) تشريف الأيام والعصور،ص51 1
[18]) ) بعد القاف الثانية واو ساكنة ونون: حصن بفلسطين قرب الرملة وقيل: هو من عمل قيسارية من. ساحل الشام)ياقوت الحموي،معجم البلدان،ج 4،ص 3
[19]) ) قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين) ياقوت الحموي،معجم البلدان،ج 5،ص 17
[20]) ) أثر الكوارث،ص30