أدب

حكايات من بلاد ليست على الخارطة

خالد جمعة | فلسطين 

قالَ ناجٍ من المذبحةْ:
طيورٌ أبابيلٌ ومقولاتٌ بأنيابٍ خشْخَشَتْ في أوَّلِ النُّعاسِ، انكسَرَ القنديلُ والحُلْمُ الذي لم يبدأ، رأيتُ أماني تسيلُ من فتحةٍ أحدثَها سيفٌ لا يُرى في قبّعةِ النَّهرِ، رأيتُ أرواحاً تتخثَّرُ قبلَ أن تقولَ كلامَها الأخيرْ، وأولاداً مزركشينَ بالنّومِ القسريِّ في ذراعين من خشبْ، وسقطَ على وجهي شلالٌ من المشاعرِ الملوّنةِ بالحِدادْ، رأيتُ عمىً وبلابلَ سوداء بصوتٍ ميكانيكيٍّ لا حزنَ فيهِ ولا فَرَحْ، زحفتُ بين جثثِ النومِ والموتِ كدودةٍ خائفةْ.
*
روايةُ عاشقٍ فقَدَ حبيبتهُ:
بحثتُ حتى عن رائحتِها بين الكواكبِ المحروقةِ جوارَ النبعِ، لو كانت في المدى لأجابتْ كأي غزالةٍ بغريزةِ الأمومةِ، حينَ جاؤوا تسبِقُهم ذائقةٌ من كراهيةٍ لجمالٍ من وجعْ، بحثوا عن كلِّ عاشِقةٍ بينَ الرملِ والهواء، لملموا ما سالَ من الحبِّ في أكياسٍ من جِلودِ الضحايا، لكنّها لم تكنْ هناكَ برائحتِها الطاغيةْ، كانت خلاصةَ الندى وخلاصة الصبحِ وخلاصةَ الأسئلةِ وخلاصةَ النارِ والماء، أرادوها خيطاً في ثوبٍ وأرادتْ أن تكونَ ذاتَها، اختَفَتْ، فاختفيتُ.
*
روايةُ أمٍّ لم يعُدْ لأمومَتِها مبرِّرٌ:
لماذا أعطيتَني هذا القلبَ يا ربُّ؟ ولماذا عليَّ أن أحسَّ جوعَ وردةٍ إلى نحلةٍ، وشوقَ الشجرِ إلى الفصولِ، وحنينَ الناياتِ إلى الشفاهِ، وانكسارَ القلوبِ في مفازات العشقِ؟
كلّما اختفَتْ نبتةٌ من غابةِ البلادِ قلّتْ أمومتي سطرينْ، كتابي لم يعدْ غيرَ خوفٍ منمَّقٍ من عذابٍ لا يبدو في المدى، وأعرفُ جيّداً أنَّ غيابَ العشبِ يعني غيابَ الفَراشِ، وغيابَ الفَراشِ يعني غيابَ اللونِ وغيابَ اللونِ يعني غيابَ قوسِ قُزَحْ وأن غيابَ القوسِ يعني غيابَ المطرِ وأنَّ غيابَ المطرِ يعني موتَ النَّهرِ وأن موتَ النهرِ يعني كلَّ غيابٍ في كتابِ الشِّعرِ، لماذا أعطيتَني هذا القلبَ يا ربُّ؟
*
روايةُ عالمِ جُغرافيا:
أما لماذا لا تمْلُكُ بلادَنا موقِعاً على الخارِطةْ، فبلادُنا حكايةٌ، والحكايا لا تتبعُ الخرائطَ، والخرائطُ لا تعترِفُ بالحكايا، والبلادُ سفحٌ من عاطفةٍ على الحلمِ، والعواطفُ لا توضَعُ في الخرائطِ.
*
روايةُ جنديٍّ:
أنا لا أضحكُ، لا أبكي، أنا جنديٌّ فلماذا عليَّ أن أحضِرَ قلبي معي إلى المعركة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى