أدب

فوضى ملهمة

بقلم: د. فوزية البدواوية

كان أكثر ما يزعج أمي هو منظر الكتب المبعثرة في كل زوايا غرفتي تقريبا، على طاولة المكتب، تحت السرير، وفوقه… في خزانات الملابس وأي مكان آخر، كانت ترى أن عدم اصطفاف الكتب في مكان واحد يجعل منّي فتاة مهملة ويجعل من غرفتي مكانا غير مرتّب، هذه أمي التي تملك فوبيا النظافة أو الأتاكسوفوبيا (ربما كأغلب الأمهات) كانت تنصحني بأن أرتب الكتب كأن تكون مصطفّة بجانب حائط ما، أو على أدراج المكتبة فقط، وكان شعور الفوضى بالنسبة لي مُلهما للغاية…. يشعرني بالأهميّة، بأنني مشغولة حقّا، وبأنني لست فارغة، أنا أعمل شيئا، هناك شيء يتصف بالديناميكية لا الجمود في حياتي، وهذا ما أبحث عنه دائما، أن أعيش جوّا من الفوضى الذي أشعر من خلاله أنني في معمعة العمل، هذا الجوّ يوّلد ضغطا في داخلي لأن أكتب، فأنا لا أكتب إلا عندما أكون في زحمة انشغالي، هنا أشعر بلذة الانتصار حين أسترق وقتا ولحظات أخيرة حتى تلفظ الحروف أنفاسها على الورق، أحب اعتصار الحروف، أحبها أن تأتي جيّاشة بالمشاعر، عميقة بالمعنى، مشبعة بالألم، تتلوى من الوجع.. هنا أحبها أكثر. وربما هنا يحبها القارئ أكثر، هل تظنون أن القارئ يحتاج منّي أن أكتب له عن شخصيات مثالية، وعقله مشبع بالسوداوية؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى