أدب

مع الرسالة 25 لقمر عبد الرحمن

همسات: زياد جيوسي

أولا – النص رسالةٌ إلى أسيرة

يؤلمني صوتي!
والكلمات عصافير تمدُّ أجنحتها فوق الأسوار لتحطَّ على الأهدابِ
والحبُّ يبدأ من فلسطين، يبدأ من الجمال المختلط بالعتابِ
كيف أبدأ؟ والوعودُ ترتدي الكذبَ، والعذابُ خلف كلّ الأبوابِ
يؤلمني صوتي!
وما يهوّن الأمرَ أنّ العروبةَ في شكلي وحضوري وثيابي
ما يصعّب الأمرَ أنّي مصابةٌ بعروبة الخناجر والحِراب
ضاع العرب منذ زمنٍ طويل، وأضحت العباءاتُ خصلةً يتيمةً للأعراب
يا أسيرةً، يا شمس الدّروب، يا شروقًا يَجلدُه الغروب
لا تخافي؛ فلقد جُبلتِ من هذي البلاد يا سيّدة المنافي
لن تنفع تيجان الظّلم في الأرض؟ لن تنفع؟
هم في عتمة القاع، ينامون على رماد الأطفال
وأنت نجمةٌ بيدك السّماء، إذا فتحت عينيك
النّور يجري.. كأنّك القمر وغيرك الظّلال
يجرحني الهواء الطّلق يا أسيرةً
يجرحني الهواء الطّلق كلّما تذكرت الأغلال
ما كنت أعرف أنّ في الصّحراء قلعةً
حتّى أتيت إليها قسرًا، فصاح الرّمل: كلّا !
إنّ الله لا يرضى لك ذلّا!
فتحرّري تحرّري من قيود الأسر
بالقلمِ
بالعلمِ
بالحلمِ..بأيّ شيء اختلقي حلّا
ومزّقي عنك الظّلمَ،
وقولي
: كلّا..
كلّا..
كلّا..!

ثانيا – همسة زياد جيوسي

في هذه الرسالة تنقلنا قمر بمخاطبتها للأسيرة بعدما خاطبت الأسير، وكون قمر أنثى تتألم من البداية في رسالتها فتهمس: “يؤلمني صوتي”، وطبعا هي لا تخاطب أسيرة محددة بل كل الأسيرات كما لم تخاطب أسير محدد بل كل الأسرى الأبطال، ومباشرة تنتقل لوصف الكلمات التي ستخاطب بها الأسيرة فـ “الكلمات عصافير”، والعصافير تحلق وهنا وبهذا الوصف المجازي فالعصافير ” تمدُّ أجنحتها فوق الأسوار لتحطَّ على الأهدابِ”، وهنا ابداع لغوي آخر، فالكلمات تسمع بالأذن ولكنها هنا ومن خلال عزلة الأسيرات عن العالم الخارجي فالشوق للكلمات يجعلها فرح يحط على الأهداب، وهذا يصور بشكل فني حجم معاناة الأسيرات وعزلتهن خلف القضبان بعيدا عن الشمس، بسبب حبهن للوطن وما قدمن له لأن “الحب يبدأ من فلسطين” حب ومعاناة حيث “العذابُ خلف كلّ الأبوابِ” ولكنه حب ” يبدأ من الجمال المختلط بالعتابِ”، فلذا تصرخ قمر: “يؤلمني صوتي”.
قمر تسكنها عروبتها “العروبةَ في شكلي وحضوري وثيابي” ولكن ما يؤلمها أنه قد “ضاع العرب منذ زمنٍ طويل” بعدما تخلوا عن “عروبة الخناجر والحِراب”، ولم يتبقى لهم من عروبتهم إلا أنه قد “أضحت العباءاتُ خصلةً يتيمةً للأعراب”، فلا تمتلك إلا أن تخاطب الأسيرة التي ترى أنها: ” شمس الدّروب، يا شروقًا يَجلدُه الغروب” بالقول لها وشد أزرها: ” لا تخافي؛ فلقد جُبلتِ من هذي البلاد يا سيّدة المنافي”، فلا تخافي فـ “لن تنفع تيجان الظّلم في الأرض”، والظُلام والمحتلين ” هم في عتمة القاع، ينامون على رماد الأطفال”، بينما أنت ورغم حجبك خلف القضبان وحراب الجند والأسلاك الشائكة “أنت نجمةٌ بيدك السّماء، إذا فتحت عينيك.. النّور يجري.. كأنّك القمر وغيرك الظّلال”.
ومن المقدمة فالمخاطبة تنقلنا قمر لنهاية النص وما تشعر وتحس به فتهمس للأسيرة: ” يجرحني الهواء الطّلق يا أسيرةً”، فكيف بالهواء الطلق والنقي أن يجرح؟ فتجيبنا قمر بالقول: ” يجرحني الهواء الطّلق كلّما تذكرت الأغلال” ولم تكن تعرف أن قلاع السجون والمعتقلات في الصحراء: “ما كنت أعرف أنّ في الصّحراء قلعةً” وأوضحت أنها عرفت بقولها: ” أتيت إليها قسرًا”، فصاح رمل الصحراء: “إنّ الله لا يرضى لك ذلّا!” و”صاح الرّمل: كلّا !”، وناشدت قمر الأسيرة بالقول: ” تحرّري تحرّري من قيود الأسر، بالقلمِ، بالعلم،ِ بالحلم، بأيّ شيء اختلقي حلّا، ومزّقي عنك الظّلمَ، وقولي: كلا، كلا، كلا”.
فالشاعرة قمر بنصها/ رسالتها تكمل مسيرتها التي بدأتها منذ سنوات طويلة لمتابعة شؤون الأسرى والأسيرات وخاصة المبدعين منهم والمرضى، رغما عن كل المضايقات التي تعرضت لها عبر هذا الزمن المعتم، فكانت قمرا منيرا للأسرى لم تستسلم ولم تكل ولم تمل، فمن الاذاعة الى اليوتيوب والنص والنشر تواصل المسيرة، وستبقى قمر هي قمر في ليل الأسرى الى أن ينالوا الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى