سياسة

مانعة الصواعق السياسية بإسرائيل تصعيد التناقضات مع الفلسطينيين

نتنياهو يسوق إسرائيل إلى الفاشية أو الحرب الأهلية

سعيد مضيه | فلسطين

الصراع الدائر بين العلمانيين واليمين المتطرف يوشك أن يدخل إسرائيل في مأزق يفضي الى حرب أهلية. يحلل بروفيسور التاريخ المتقاعد ، لورنس ديفيدسون مشاكل المجتمع الإسرائيلي وتناقضاته المستعصية على الحل . للخروج من المأزق عمل نتنياهو ب ” حكمة قديمة سداها . ’ إذا تورطت في مشاكل داخلية يصعب ايجاد حلول لها ، فابدأ بحرب لتفرض وحدة الداخل‘؛ وهذا بالضبط ما حاول نتنياهو وائتلافه اليميني عمله؛ إنه درب بسيط وواضح مع الأخذ بالحسبان ان الفلسطينيين هم على الدوام الصبي الذي يجلده الإسرائيليون. والمدهش ان الصحافة يبدو انها لا تقر بالخديعة”. ناقش ديفيدسون مشكلة الصهيونية في مقالة نشرها بتاريخ 24 أيار / مايو الجاري وخرج بنتيجة ان الصهيونية وصلت نقطة انفجار التناقضات التي واظبت على تأجيل حلولها. يقول الباحث:

حان الوقت لتوجيه السؤال ، الى اي مدى تعتبر إسرائيل مستقرة؟ هل من الممكن ان يشكل اليهود من سكان إسرائيل مجتمعا غير مستقر بالوراثة بسبب الانقسامات المتجذرة بعمق؟ وهل هذه الانقسامات متجذرة بعمق يتعذر تصالحه؟ فكما طرح القضية للويد غرين، الأكاديمي الراحل، في مقالته المنشورة حديثا على ديلي بيست، “ضغائن عمرها عقود متتالية تحولت حاليا الى معارك سياسية منزلقة.التضادات بالعالم القديم باتت الآن تلعب دورا يُعتقد انه مكة تتحدث العبرية بتقنية عالية”.
لم يلاحظوا في الغرب احتمال تفجر هذه المظاهرات بسبب تاكيد الصهيونية الدائم خطر إزالة إسرائيل على ايدي الفلسطينيين ؛ يصدف أن يجد المراقبون ان تصميم الصهاينة على طرد الشعب الفلسطيني جميعه هو الذي سمح لهم تأجيل مجابهة مشاكلهم الداخلية .
والآن فجأة حان زمن دفع ثمن التأخير في حل التنا قضات؛ رغم محاولات الائتلاف اليميني المتشكل مؤخرا تاجيل المشاكل البينية عن طريق تعميق معاناة اهالي غزة ، فلربما حانت لحظة الانهيار الصهيوني ؛ التعبير المتسارع لهذه المشاكل البيْنية ، وإحداها حشدت عشرات الآلاف من العلمانيين،إذ نزلت الطبقة العليا للأشكينازيين اليهود الى الشوارع يتظاهرون، اندفعوا بحراك بدفع جهود الحكومة اليمينية لتدمير الوضع المستقل للمحاكم العبرية- والمحكمةالعليا عى وجه الخصوص. سبب دفع هذه الحركة للمزيد من الاحتجاجات ان الأمور حين تمس ثقافة إسرائيل اليهودية ، ومن خلالها الثقافة اليهودية فإن الدولة تغدو معرضة للخطر.حاليا ينظر لمحاكم إسرائيل معقل المجتمع العلماني. تدمير المعقل يُفقد مناعة الحريات المدنية لليهود الإسرائيليين [ مصادرة حرية الفلسطينيين بتواطؤ القضاء الإسرائيلي] امام الضغوطات الدينية الرجعية.هنا بعض القضايا الخاضعة لتأثيرات أحكام المحاكم اليهودية الإسرائيلية بأسلوب ليبرالي: 1) من هو اليهودي؟ المحكمة اعترفت بشرعية كل من اليهودية المحافظة والإصلاحية ( والأخيرة تشكل اضخم تجمعات اليهود بالولايات المتحدة )، وكل تغيير يتم بإشرافهما يعتبر مشروعا. يرى الأرثوذوكس المتطرفون ( الحريديم ) في ذلك تحديا مباشرا لنفوذهم على “يهودية “دولة إسرائيل؛ وهم يصرون على ان يهوديتهم هي الشكل الوحيد المشروع 2) اي انشطة تجارية يتوجب السماح بها يوم السبت لليهود؟ هل يتوجب فتح المحلات التجارية ؟ هل يتوجب تحرك الباصات ؟ متى تتحرك، وإن سمح لها، هل يتوجب عليها ( وعلى جميع المرافق العامة الأخرى) إجراء عزل جندري؟ 3) هل يتوجب إعفاء الرجال من الطائفة المتطرفة من الخدمة العسكرية الإجبارية ؟ أحيانا أصدت المحاكم أحكاما مناهضة للإعفاء التام للطائفة الأرثوذكسية المتطرفة. والى أي مدى يتوجب تقديم الأموال العامة لمساعدة الجماعات المتطرفة من الذكور الذين لا يخدمون ولا يعملون ( فقط يدرسون التوراة ) في إطار الاقتصاد القومي؟ ضمن إطار الإعفاء من الخدمة بالجيش والعمل بالاقتصاد يرى الكثيرون من الإسرائيليين انهم طفيليات.[ صادق الكنيست في الأيام الأخيرة على تقديم الأموال للحريديم وإعفائهم من الخدمة العسكرية وذلك للمحافظة على ائتلاف الحكم].
ان هذا ، بالطبع، نصف المشكلة فقط؛ الحريديم يعتبرون أنفسهم اليهود الوحيدون “الحقيقيون”، ولذا ينظر الى كفاحهم للحفاظ على حقوقهم وتوسيعها كفاحا من اجل الحفاظ على يهودية إسرائيل بالذات. في ظل هذه الـأوضاع ينظر الى القضاة الإسرائيلييين ممن يميلون لدعم العلمانية “قضاة شريرين”، وقراراتهم “لاسامية “؛ وينظر اليهم هراطقة، وكذلك الذين عملوا من أجل هيمنة الحياة العلمانية في إسرائيل.
مباشرة إثر تشكيل حكومة بينيت- لابيد المتهمة بالميل نحو اليسار(2021-2022)بدأت المفاوضات للبحث عن تحالف سياسي بين الأحزاب ل الدينية والعلمانية لليمين الإسرائيلي؛ يجب ملاحظة انه يوجد يمين علماني وهو مشكل معظمه من يهود سفارديين قوميين ومراقبين أصلهم من غير أوروبا. يشكل السيفارديون الكثير من القوة الانتخابية لحزب الليكود، حزب نتنياهو. هدف هذا الائتلاف اليميني تشكيل حكومة ائتلافية تؤكد “ألطبيعة الاستثنائية لليهودية داخل دولة إسرائيل”. تلك ” الطبيعة” ينبغي ان تنسجم مع المذهب الديني الأرثوذكسي.”
أسفرت المفاوضات عن نجاح ، وأدت الى تشكيل الحكومة اليمينية الحالية بقيادة نتنياهو. ان التحرك السريع لهذه الحكومة نحو تطبيق صهيونيتها الدينية في قانون، بداية من خلال ” إصلاح ” القضاء الإسرائيلي، وكان ان اطلقت مواجهة مع التيار العلماني الساخط والخائف الذي يبدوبمقدوره وراغب في إغلاق اقتصاد البلاد قبل ان تمضي مع الخطط الدينية اليمينية؛ مظاهرات العلمانيين هذه اغضبت بدورها على الأقل بعض الناخبين ممن ساعدوا على وضع الحكومة في سدة الحكم- “اناس تغدوا حد التخمة بكونهم من الخارج ، حتى بعد أن كسبوا اللعبة الديمقراطية . التوتر الناجم عن ” الاعتراف بأنكم قد تكونون حزبا حاكما ، لكن بدون ان تحكموا ” قد ادى الى مظاهرات مضادة نظمتها أحزاب اليمين. بذا تشكلت بيئة مجابهة أبرزت على السطح الخلافات اليهودية داخل دولة إسرائيل.
كل هذا كان كافيا لوضع رئيس الدولة ، اسحق هيرتزوغ، في حرج شديد؛ فبعد اقتراحه في أواسط آذاربصدد تسوية في شأن القضاء ورفضه من قبل نتنياهو وحكومته اليمينية، حذر هيرتزوغ ” إسرائيل في شباك ازمة عميقة، وكل من يفكر ان حربا أهلية حقيقية للحياة البشرية تقف عند خط لا تصله الأحداث أبله . المازق في المتناول”؛ تحس بهذا “المأزق ” عندما تترجم عبارة ” الحرب الأهلية ” الى العبرية، تأتي “حرب الإخوة” ، والحدود دوما هشة وكما طرحتها مقالة نشرت في الشرق الأوسط ، “بالنسبة للعديد من الإسرائيليين هذا الإحساس بالأخوة تلاشى وعلى المكشوف استبدل بالكراهية والازدراء والرعب الصريح.”
هذه الحالة المضطربة لا تستطيع ان تساعد الاقتصاد الإسرائيلي، بل تقوضه. نتيجة نرى نذرها في تخفيض قيمة الشيكل في أسواق العملة ، وتخفيض وتائر الائتمان في البلاد، وتسببت في هبوط قيم الممتلكات وعدم الاستقرار بالبورصة الإسرائيلية. هناك علامات على هرب كل من الودائع البنكية والبيزنيس خارج البلاد.
والأسوأ من ذلك ، لبلد يتخيل نفسه تحت خطر دائم، تم استعداء حاد لعناصر الاحتياط العسكري عن طريق تصرفات الحكومة وتهدد برفض الخدمة تحت النظام الجديد.هذه التهديدات وضعت نتنياهو في حرج شديد، مثل هيرتزوغ؛ في خطاب موجه الى الأمة يوم 28 آذار 2023 أعلن نتنياهو، “دولة إسرائيل لا تستطيع البقاء بدون الجيش ، والجيش لا يستطيع البقاء مع رفض الخدمة… رفض الخدمة هي نهاية بلدنا؛ لذا أطلب من رؤساء أجهزة الأمن ومن الجيش ان يعارضوا بقوة ظاهرة رفض الخدمة ، وليس احتواءها ، وليس تفهمها، وعدم قبولها – بل وضع حد لها”. مع انتهاء كلمته اظهر نتنياهو انه استبدل احتمال التسوية بمفهوم الحوار الفارغ. “انني – بصفتي رئيس الحكومة – سوف اجد وقتا للحوار”. ثم أتبع الإعلان بأننا ” نصر على الحاجة لإجراء التغييرات الضرورية على القضاء … مسيرتناعادلة . واليوم تقر الأغلبية العظمى من الجمهوربضرورة التعجيل بالإصلاح الديمقراطي للنظام القضائي. سوف لن نسمح لأي كان ان يسرق من الشعب اختياره الحر؛ في حين لن نتخلى عن الدرب الذي انتخبنا من اجله ” . إذن فعلى اي شيء يدور الحوار؟
حكمة قديمة سداها . ’ إذا تورطت في مشاكل داخلية يصعب ايجاد حلول لها ، فابدأ بحرب لتفرض وحدة الداخل‘؛ وهذا بالضبط ما حاول نتنياهو وائتلافه اليميني عمله؛ إنه درب بسيط وواضح مع الأخذ بالحسبان ان الفلسطينيين هم على الدوام الصبي الذي يجلده الإسرائيليون. والمدهش ان الصحافة يبدو انها لا تقر بالخديعة.

ابحث في غوغل عن فرضية الانحراف عبر الحرب وستجد اعظم إقرار بهذه المناورة على مواقع اليسار”بالخارج”: 1) في مقالة على الاشتراكي الدولي حول استفزاز إسرائيل للفلسطينيين ، ” كما حسبها نتنياهو بدون شك حين بدأ العملية العسكرية ضد غزة وقع قادة المعارضة في ارتباك … برهنوا على وحدتهم … مع حكومة نتنياهو واليمين المتطرف ، قبل كل شيء في ما يتعلق باضطهاد الشعب الفلسطيني”.2) جاء على الشبكة المشتركة الإسرائيلية- الفلسطينية + 972 ، ” كان فقط مجرد وقت قبل أن يتجمع اليهود في إسرائيل- وقد تدهوروا اجتماعيا، وتشرذموا سياسيا ، وغرقوا اقتصاديا وتورطوا دبلوماسيا- حول القاسم المشترك، الذي في ظله يمكنهم جميعا ان يتعانقوا: ذبح الفلسطينيين في غزة”. 3) كذلك ،من جديد، جريدة هآرتس الليبرالية، التي عبرت قبل قليل عن قلقها من التصويت الوشيك بالكنيست على تحويل مبالغ كبيرة من أموال الموازنة الى الجماعات الأرثوكسية المتطرفة، دعت الى تجديد المظاهرات.” يجب ان لا نذعن لنتنياهو وحكومته الكارثية او نلف. يجب ان تتواصل الاحتجاجات وحتى تشتد” .
المشكلة مع تحويل الانتباه للتهديد الخارجي انه لا ينجح في الظروف الراهنة؛ وذلك لسبب وحيد ” خطر ” الفلسطينيين ينظر اليه ماثلا في كل الفصول ؛ والأهم من ذلك بغض النظر عن ذلك الخطر فإن وحدة ائتلاف نتنياهو تتطلب عملية لا تهدأ لتحقيق مطالب المتدينين بشكل قوانين جديدة. في ظل هذه الظروف فالتناقضات بين المتدينين والعلمانيين يجب ان تقارب في الحال نقطة الكسر . فكروا بهذا الأسلوب: 1) القوانين الجديدة المتصورة تهدد في الحال ثقافة إسرائيل العلمانية بينما في ذات الوقت ، 2) توحد الائتلاف اليميني الحاكم. ان تجديد سيرورة إقرار هذه القوانين وشيك الحدوث ، وهكذا بعض تنوعات “حرب الإخوة” في إسرائيل. عودة الى العام 2016 عبّر رئيس الموساد السايق ، تامير برادو عن الرأي بأن ” الخطر الداخلي يجب ان يقلقنا اكثر من التهديد الخارجي”. وأتبع هذا القول بنبوءة، ” إن مضىّ مجتمع منقسم أبعد من نقطة معينة بإمكانكم ان تنتهوا ، بظروف حادة بظاهرة مثل الحرب الأهلية . ولأسفي فالمسافة [ الى ان نصل تلك النقطة ] تتقلص. اخشى اننا ماضون في نفس الاتجاه”. ربما وصل الصهاينة الآن تلك النقطة المعينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى