أدب

أطروحتي

بقلم: موزة المعمرية | عُمان

شخصيات القصة

سلمان: كاتب أفلام ناجح, في الثلاثون من عمره, نحيل الجسد, طويل القامة, عادي ملامح الوجه.
بيان: بنت من بنات أفكار الكاتب, فتاة جميلة متناسقة الجسد والوزن والطول, بيضاء البشرة, سوداء الشعر المسترسل والمتوسط الطول, دائمة ارتداء اللون الأبيض ذو القماش الشيفون الفضفاض واسع الأكمام.
سلمان الصغير: طفل صغير ذو عشر سنوات بريء ملامح الوجه.
سلمان الشاب: شاب في العشرون من عمره.
الأب القاسي: جسيم, أصلع, خشن الصوت, بشع المنظر.
الأم: امرأة مسكينة مغلوب على أمرها, نحيلة الجسد وقصيرة القامة.
محمد: صديق سلمان الوحيد والمتفهم لوضعه المرضي الحرج.

ملخص القصة

تحكي القصة الاجتماعية حكاية كاتب أفلام وروايات ناجح اسمه “سلمان” هو يعاني من الوسواس القهري, لقد عانى سلمان الكثير في حياته الطفولية من والده القاسي, يكبر سلمان ليصبح شابا ناجحا في مجال الكتابة ولكنه فاشلا في العيش كحياة طبيعية كغيرة من الشباب الآخرون, يتعرض سلمان في حياته للشتات ما بين الواقع المرير الذي يعيشه وبين مخيلات عقله وبين ماضيه الطفولي وقسوة والده عليه وبين بنت أفكاره التي يترجمها على الورق كنص, الوسواس القهري يجعله يكره حياته ولذلك يقرر بعدها من أن ينتحر حتى يتخلص من كل ما هو فيه, يقصد البحر الذي لطالما كان يخشاه ويخشى أمواجه والدخول فيه لينتحر غرقا فيه, ولكن بنت من بنات أفكاره تشغله قليلا من الغرق في مياه البحر حتى يتمكن صديقة محمد من اللحاق به وإنقاذه وإعادته للحياة, ولكن سلمان حتى وإن عاد للحياة مرة أخرى فلن يستطيع من أن يحيى الحياة كأي شاب طبيعي بسبب ما يعانيه من الوسواس القهري الحاد.

“أحيانا يتحتم علينا من أن نواجه جميع مخاوفنا التي تعترينا, ربما قد ننجح, وربما قد لا نفعل, ولكن كل ما علينا هو المحاولة, المحاولة وحسب”

هو نائم كالملاك على سريرة, المكان مظلم ولكن هناك إنارة بسيطة صادرة من تلك “اللمبة” الملتصقة بالجدار الأيسر من الغرفة التي لا تحوي سوى سرير بسيط, مرآة متصلة ببعض الأدراج, خزانة ملابس, أدراج ثلاثة في الزاوية بالقرب من الباب, ولكن ما به الطفل؟ هل يرى مناما مزعجا؟ أجل هو كذلك, إنه مرتعب مما يراه في منامه المخيف
(منام)
يرى سلمان بأن والده يجره من شعره وهو يقترب به من البحر, يدخل أكثر في المياه, ثم يُغرق الطفل الصغير في مياه البحر وهو يقول له
الأب : يجب عليك من أن تتصرف كالرجال, وليس كالأطفال الصغار الجبناء الذين يتصرفون كالفتيات الناعمات!
سلمان وهو تحت مياه البحر يحاول من أن يتنفس فلا يستطيع, فمياه البحر المالحة لا تحمل بين طيات أمواجها الأكسجين, يُخرج الأب ابنه المسكين من مياه البحر حتى يقول له
الأب القاسي : هل فهمت ما أخبرتك به؟
سلمان وهو يتنفس بصعوبة تامة ويحاول من أن يستنشق الهواء الذي يملأ المكان حوله, كان كمن يود من أن يستنشق جميع الهواء المتواجد حوله, أو أن يخشى من أن لا يكفيه الهواء, أما الأب القاسي فلم يكفه ما فعله بابنه لا, بل أعاده لتلك المياه مرة أخرى.
ينهض الطفل ذو العشر سنوات من نومه فزعا وهو ينظر السقف ويلهث, هو يشعر بالعطش الشديد الآن, ينزل من على السرير ليمشي على بلاط الغرفة حافي القدمين, يتجه للباب فيفتحه ويخرج متناسيا لغلق الباب بالكامل, ينزل الطفل من على عتبات الدرج, هو بين الصاحي والنائم فلازالت عينيه لم تصحوا بعد من نعاسهما, يتجه للمطبخ ليسكب له كوب ماء, يشرب حتى يرتوي, يضع الكأس على الطاولة, يستدير ليغادر المطبخ ثم يتوقف ليعود ويملأ كأس الماء ليحمله معه للغرفة فعله يحتاج للماء في أوقات الليل المتبقية منه.
فجأة يُسمع صرخة امرأة تُدوي المكان, يفزع الطفل مع جحوظ عينيه من الصرخة, يهرع لعتبة باب المطبخ ينظر من طرف بسيط للمكان فلا يرى أحدا, يُسرع للطاولة ليأخذ كأس الماء ثم يخرج في توتر وخوف شديدين, ولكنه عندما يمر من حول غرفة والديه يتوقف وهو لايزال يسمع صوت صراخ والدته من آلام الضرب التي تحصل عليها من يدي زوجها القاسيتين, صوت الأب الخشن يُريع الطفل فيسقط كأس الماء من يده لتتطاير شظاياه على البلاط, الطفل ينظر بقايا الكأس ثم ينظر لباب غرفة والديه, صوت الأب قد توقف ولكن الأم لازالت تبكي بشدة وتتألم, يجري الطفل سلمان بسرعة الجري على عتبات الدرج, يتعثر بإحدى الدرجات ويسقط, ثم ينهض ليكمل جريه بسرعة حتى لا يخرج ذاك الوحش من الغرفة فيراه.
يقترب سلمان من باب غرفته, يدفعه بكلتا يديه ثم يوصده, ولكن لا قفل للباب وهو يرغب بأن يصد الباب بأي شيء لأنه يعلم بأن الوحش قادم له لا محالة, ينظر حوله في ارتباك تام, ثم يرى الأدراج, يحاول دفعها للباب فلا يستطيع, يُفرغ الأدراج مما تحوي وهم ثلاثة أدراج, ثم يدفع بالجزء المتبقي للباب, يُعيد الأدراج لمكانهن الطبيعي, يتجه للحائط ليجلس على الأرضية وظهره ملتصق بالجدار ولكنه ينظر الباب بهلع وخوف شديدين, يضم يديه على رجليه, هو يلهث بشدة.
صوت أرجل رجل قوي شديد تصعد الدرج, تقترب من باب الغرفة, تُحرك قفل الباب, تحاول دفع الباب ولكن دونما جدوى فالباب قد صُد بالأدراج
صوت الرجل الخشن : سلمان! سلمان! افتح الباب أيها اللعين! افتحه أيها الوقح!
يضطجع سلمان على البلاط وهو ينظر الباب بهلعه, ينكمش على نفسه وهو يلهث.
يستيقظ سلمان الكبير إثر سقوطه من على السرير على البلاط, هو يلهث بشدة وكله خوف, ينظر حوله وهو يستند على الدرج الأيمن من السرير, يتخذ نفس جلسته وهو طفل صغير, يضم رجليه ويديه عليهما, ينظر باب الغرفة الموصد والمقفل بستة أقفال متراصة, ينهض من جلسته ليقترب من الباب يعد الأقفال وهو يلمسهم بيده اليمنى
سلمان : واحد, اثنين, ثلاثة, أربعة, خمسة, ستة, ستة, ستة, ستة
يستند على الباب وهو يتنفس وكأن الروح قد عادت إليه من جديد, يتجه لسريرة ليستلقي عليه ثم يُغمض عينيه, فجأة يفتح عينيه ثم ينزل من على السرير ليتجه لكمبيوتره المحمول, يفتحه ويبدأ بالكتابة
“ذات يومٍ من الأيام ذهب ليسأل الطفل الصغير والدته التي كانت مشغولة بشكل هستيري من أن تنهي طعام الغداء في الوقت المحدد وقبل أن يصل زوجها المتوحش
الولد الصغير : أمي
الأم دونما أن تنتبه لابنها وهي مشغولة بتقطيع السلطة : ماذا هنالك يا سلمان؟
سلمان : لماذا تصمتين؟ إنكِ تعانين الأمرين منه, لماذا تصمتين؟!
الأم في خوف : أصمت! لا تتفوه بمثل هذا الحديث أمام والدك, سيقتلك!
سلمان : إنه يقتلكِ أنتِ كل يوم, بل كل ليلة دونما أن تفعلين أي شيء
الأم بانكسار تام : هو قدري يا بني, وقد رضيت به
“هو قدري وقد رضيت به” هذه هي الجملة التي تفوهت بها الأم لابنها, تركها الابن الضعيف مكسورا, فهو لا يقوى على تغير شيء أو مساعدة والدته التي تعاني أكثر منه”
في يوم من الأيام جلس سلمان على الكنبة بعدما رتبها وتأكد من أنها نظيفة تماما, فتح التلفاز وبدأ بمشاهدة المهرجان الذي لم يستطع من أن يحضره ليستلم جائزته بسبب عدم مقدرته من مخالطة الناس, بكى سلمان ثم سمع صوت فتاة تقول له
صوت بيان فقط دون ظهورها : لماذا لم تذهب لتحضر المهرجان بنفسك وتستلم جائزتك دون صديقك محمد؟
سلمان وهو يمسح دموعه : لا أستطيع, وأنتي تعرفين ذلك جيدا, لا أستطيع
بيان : وإلى متى ستظل على هذا الحال المرير؟
سلمان يطأطئ الرأس في الأرض : لا أعلم, لا أعلم, ها أنتِ ذا ترين بأني آخذ الدواء ساعة بساعة ولكن لا جدوى تُرجى منه, سأذهب لأكتب, الكتابة هي الشيء الوحيد الذي يُنسيني مرارة ما أعانيه في حياتي
دائما ما يقصد سلمان كمبيوتره المحمول يكتب فيه ويكتب دونما كلل أو ملل, ويحدث ذلك فقد عندما يستمع لصوت بيان, بيان هي الفتاة الوحيدة التي سمح بدخولها لحياته.
يكتب سلمان في الكمبيوتر وهو يقول في نفسه
“كان منكمشا على نفسه في تلك الزاوية من الغرفة المظلمة, كان خائفا جدا بل مرتعبا, وفجأة سمع صوت الرفش صادرا من حديقة المنزل, نهض وقصد نافذة غرفته فهاله ما رأى”
صوت بيان : ماذا رأى؟
سلمان يتوقف عن الكتابة ثم يقول لبيان
سلمان : رآه هو, وهو يحفر القبر, ويدفنها
بيان : تقصد…
سلمان : بالضبط, قتلها ودفنها بالحديقة
بيان : يال القسوة!
سلمان : بل إنه الإجرام ذاته!
بيان : وهو ماذا فعل؟
سلمان : من؟
بيان : الطفل سلمان
يدق جرس الباب
بيان : هذا أكيد
سلمان : محمد, وقد أحضر لي جائزتي
يقف سلمان ليتحرك نحو الباب ويفتح أقفاله مع العد, يتحرك بخطواته المترددة للباب الرئيسي ثم يفتح أقفاله ويفتح الباب, يدخل محمد
محمد : تفضل يا أروع كاتب!
سلمان ببعض التردد من أن يأخذ الجائزة من يد محمد, ثم يأخذها
سلمان : شكرا
محمد : لا أصدق ما أسمع, هل من المعقول من أن تشكرني! سأغادر الآن وغدا إن شاء الله سيكون لنا لقاءا جديدا
سلمان : إن شاء الله
يخرج محمد فيوصد سلمان الباب جيدا مع قفل الأقفال, ينظر للجائزة بتمعن ثم يذهب بسرعة يقصد الغرفة, يرمي بالجائزة على السرير, يتحرك بخطواته يقصد الحمام ثم يتراجع ليعود, يفتح الدرج ويأخذ منشفة ويقترب من الجائزة ينظفها بالمنشفة بشكل هستيري
بيان تضع يدها على يد سلمان : كفى
يترك سلمان الجائزة
سلمان : لكن يجب علي من أن أغسل يدي جيدا
يقصد الحمام بسرعة, ويفتح صنبور الماء, يأخذ الصابونة ليدعك بها يديه, يدعك ويدعك ويدعك ولا يكفه ذلك, هو مستمر ولم يتوقف ولا يرغب بالتوقف, تسقط الصابونة من يديه على بلاط الحمام, ينظر للصابونة من عُلي, يجثوا حولها حيث يود التقاطها ثم يمتنع وسط بكاء وتوتر فقد تجرثمت الصابونة من وجهة نظره, يظل يبكي كالطفل.
سلمان لا يشبه باقي الرجال الطبيعيين, هو رجل مختلف عنهم جميعا, ولذلك هو لا يستطيع من أن يتعامل مع بيان كأي رجل يتعامل مع الأنثى التي يحبها, ولذلك تجادلا كثيرا وبحده حول هذا الأمر
بيان : لا يجب عليك من أن تتهرب مني كما تفعل دوما
سلمان وهو يدور ويقضم أظافر يده اليمنى : ولكني لا أتهرب منكِ, لا أفعل ذلك مطلقا
بيان تقترب منه تنظره : إذا توقف وانظرني كما يفعل أي رجل مع زوجته
سلمان يبتعد عنها ثم يقف دونما النظر لها, هو ينظر للأسفل, لطرف ثوبها الأبيض
سلمان : لا
بيان : لا! لأني متجرثمة الآن أليس كذلك؟!
سلمان : لا ليس, لا, لا
يقصد سلمان غرفته بسرعة ويوصد الباب, يقفله ثم يستند عليه, بعد بُرهة يسمع هو صوت قفل باب المنزل, يفتح بسرعة الأقفال ويفتح الباب ثم يخرج, ينظر حوله في أرجاء المكان عن بيان فلا يجدها, يقصد باب المنزل فينظره فيجده مقفل بأقفاله الستة
سلمان وهو يقضم أظافره : بيان, بيان
لا رد من بيان فهي غير موجودة, يقول سلمان
سلمان : تركتني, لقد تركتني! فليكن, لا توجد مشكلة لدي بهذا الشأن
يقصد غرفته ثم يقترب من الكمبيوتر المحمول يرغب بالكتابة فلا تأتيه الأفكار, فبيان التي كانت تلهمه الأفكار غير موجودة في الوقت الحالي, يضع يديه على رأسه في ارتباك تام ثم ينهض ويظل يدور في الغرفة
سلمان : لقد ذهبت وتركتني لوحدي وهي تعلم جيدا بأني لا أستطيع الكتابة إلا وهي متواجدة معي! لا تأتيني الأفكار إلا بوجودها هي!
يقصد الحمام, يفتح دش الماء ثم يسمع خطوات مشي في الغرفة, يستدير خلفه بسرعة في خوف شديد, يقترب من عتبة الباب وينظر من طرف بسيط, ثم يستجمع قواه ويخرج من الحمام لينظر لشرفة الغرفة لبيان التي تقف في الشرفة وذاك الهواء يُطاير لها شعرها الحريري وفستانها, يديها على سياج الشرفة وهي تنظر السماء
يبتسم ثم يقول : أهذه أنتي!
بيان دونما الاستدارة له : وهل توقعت أحدا غيري!
سلمان : مستحيل, مستحيل أن أتوقع أي أحد غيرك
تستدير بيان لتنظره بابتسامتها العذبة ثم تقترب من السرير وتستلقي عليه
سلمان بارتباك : أناااا .. سأكتب
يتجه سلمان للمقعد ليجلس عليه ثم يبدأ بالكتابة في الكمبيوتر المحمول حيث تُراقص أصابعه المفاتيح وسط أنغام جميلة تُترجم ككلمات وجمل, كان يكتب كالآتي:

“استجمع الطفل الصغير قواه وأخذ بالنظر لما يفعله والده المتوحش, كان يراه يحفر قبرا, ولكنه كان يتساءل بعقله الطفولي, تُرى لمن القبر؟ لي؟ ولكني لا أستحق بأن أدفن حيا! لا أستحق مثل هذا العقاب القاسي! أخذ الطفل الصغير يسأل ويسأل ويسأل نفسه عدة أسئلة دونما أن يعرف لهن جوابا, وبعد أن حفر الأب القبر دخل للمنزل, ظن الطفل الصغير حينها بأنه دخل ليأتي له هو حتى يأخذه فيدفنه حيا في القبر كما فعل بإغراقه حيا في مياه البحر المالحة, جلس الطفل المسكين على ذاك البلاط البارد ملتصقا بالجدار وهو ينظر باب الغرفة في خوف شديد, ولكن انتظاره طال ولم يأتِ ذاك الوحش له, نهض الطفل من جلسته وأخذ بالنظر من النافذة فرأى والده قد وضع جثمانا في القبر وبدأ دفنه بالتراب, تراجع الطفل المذهول للخلف بخطواته وهو يتساءل إن لم يكن قد دفنني أنا! فمن يدفن؟!
اقترب بسرعة من الأدراج وبدأ بسحبها واحدا تلو الآخر ثم أزاح حاملة الأدراج وفتح الباب وخرج من الغرفة بسرعة ونزل من على عتبات الدرج وقصد غرفة والديه, توقف قليلا لأنه رأى باب الغرفة مفتوحا وليس موصدا, اقترب من الباب شيئا فشيئا في خوف, دفعه ودخل, كانت الغرفة مظلمة ولم يكن يستطيع من رؤية شيء, أشعل الضوء وإذ به يرى كل شيء في الغرفة قد تبعثر في أرجاء المكان, بحث عن والدته فلم يجدها, بحث عنها في الحمام وكذلك لم يجدها, بدأ الطفل الصغير يبكي بكاءا مكتوما, هو الآن بات يعرف بأن القبر قد حُفر لوالدته وليس له, وقد دُفنت فيه.
خرج من الغرفة وهو يجري وصعد الدرج ثم قصد غرفته ودخلها, أعاد الأدراج مكانها حتى تصد باب الغرفة, قصد النافذة وهو يبكي لينظر من خلالها, لقد أتم والده الدفن وساوى بالأرض حتى لا يكتشف أي أحد بأن هنا قبرا موجودا في الحديقة, قصد الطفل المسكين السرير واضطجع عليه ثم انكمش في خوف وهلع شديدين ممزوجان بالحرمان والوحدة”
صوت بيان الهادئ : أنغام حلوة
سلمان وهو لايزال يكتب : همه؟
بيان : عندما تلامس أصابعك مفاتيح الكمبيوتر ينتج عن هذا التلامس أنغام جميلة
يبتسم سلمان
بيان : سلمان
سلمان : عينيه
بيان : أريد أن نخرج معا للحديقة
يتوقف سلمان عن الكتابة في توتر مما سمع من بيان
سلمان : الحديقة؟ وبالليل!
بيان تقترب منه لتهمس في أذنه اليمنى : أجمل
تمد يدها اليمنى له : تعال معي, أطعني, مرة واحدة فقط في العمر
سلمان يخشى بطبيعته الخروج ولا يحب ذلك, وخصوصا في الليل, الليل بالنسبة له خوف وظلمة يرعبانه, ولكنه لم يستطع من أن يمانع طلب بيان, فهو يخشى من فقدانها مرة أخرى أيضا
مسكت يده اليسرى وخرجا من الغرفة ثم من المنزل بأسره, كان ينظرها وحسب, كان كالمسحور في تلك اللحظة, توقفا في الحديقة, جلسا معا على العشب الأخضر, استلقت بيان ثم استلقى هو بجوارها وهو ينظرها بسرور تام, أراد النهوض فأجبرته هي بالمكوث لجوارها
بيان : الليلة فقط
سلمان : ولكن, ولكن الأرض …
بيان : أنظر إلى السماء, ما أجملها وأجمل قمرها ونجومها!
ينهض سلمان وبسرعة من استلقائه ويهرع للمنزل وهو يقول : علي أن أستحم فقط تجرثمت من هذه الأرض, تجرثمت
بيان : سلمان, سلمان عُد
في الحمام وبين كل نوبة النظافة التي كانت تعتري سلمان في تلك اللحظة, جلس في الحوض المغمور بالماء وأغطس نفسه فيه, بقي على ذاك الحال ولكن صوت مناداة بيان له جعله ينهض, أخذ باستنشاق الهواء كالطفل الحديث الولادة.
أخذ بعدها بالكتابة في كمبيوتره المحمول متناسيا لكل شيء, اقتربت بيان منه لتنظر ما كتب فقالت له
بيان : لم يعجبني المشهد, دموي كثيرا
سلمان : ولكن .. هذا ما حدث بالفعل
بيان : ليس كل شيء حقيقي علينا من أن نكتبه بحذافيره, افتح المجال لخيالك, ولتقطف من ثمار بستانه
يظل سلمان يفكر وهو ينظر الكمبيوتر المحمول مع حك ذقنه ثم يبدأ بالكتابة, تمر الساعات دونما أن ينتبه سلمان لمرورهن, ولكن صوت بيان جعله ينتبه فهو لم يأخذ دواءه للآن
بيان : سلمان, تعال خذ دواءك, لقد تأخرت كثيرا عليه
ينهض سلمان من جلوسه على الكرسي ويتجه للدرج الذي يكون بجوار السرير الأيمن, يفتحه ويُخرج الدواء, يضع في يده حبة, اثنتان, ثلاث أما الرابعة فتسقط منه على الأرض
يجثي سلمان حولها ينظرها : أوه لا, لا, لقد تجرثمت, وهذه آخر حبه!
سلمان في ارتباك شديد الآن فهو لا يستطيع من أن يلتقط الحبة الرابعة التي سقطت منه من على الأرض ولا يستطيع من أن يأخذ دواءه الباقي لأنه غير مكتمل دون الحبة الرابعة, ينزوي في زاوية من الغرفة وهو ينظر الحبة الرابعة في شتات مع بعض البكاء المكتوم.
تمر الساعات على سلمان ويظهر نور الصباح وهو بذات الجلسة, هو في حالة هستيريه جدا لأنه لم يتناول دواءه في الموعد المحدد له, يدق جرس الباب
سلمان : ما الذي يريده مني؟ لماذا دائما ما يلاحقني! لماذا لا يتركني بحالي ويخرج من هنا!
يضرب بيديه على رأسه ثم ينهض وفي ذهنه يدور أمر ما, يقترب من الطاولة ليأخذ مفاتيح السيارة ويضعها في جيب قميصه الأيمن, يتجه للباب ويفتح أقفاله ثم يفتحه ويخرج, ينظر لباب المنزل ثم يتجه له, يفتح أقفاله ثم يفتح الباب وما إن يفتحه يهجم على الطارق بضربه
سلمان : لالالالالا, لالالالالالا, دعني وشأني, دعني وشأنييييييي
محمد يتحاشى ضربات سلمان المختلة وهو يقول : سلمان, سلمان اهدأ قليلا
يترك سلمان محمد ويغادر وهو بحالة هستيريا تامة, يقترب من سيارته ويفتحها بيديه المرتجفتين, يصعد وينطلق بالسيارة بينما محمد يتبعه بسرعة بسيارته
سلمان يضحك بشكل هستيري : وأخيرا سأتخلص منه, ههههههه
يقصد سلمان بسيارته البحر, يتوقف على شاطئ البحر ويترجل من السيارة متناسيا إغلاق بابها, يمشي بخطواته لمياه البحر التي لطالما كان يخشاها, يتردد قليلا قبل الدخول ولكنه يتمالك نفسه ويدخل ثم يدخل حتى يتعمق أكثر في المياه ثم يشده سماع صوت بيان التي تقول له
بيان : سلمان, سلمان
يلتفت سلمان لينظر للشاطئ حيث تقف بيان هناك, تمد بيان يدها اليمنى لسلمان
بيان : عُد إلي, تعال, إن غرقت أغرق معك, وإن مت أموت معك, تعال, خذ بيدي, لنحيا معا, هناك بين طيات الأوراق وأسطرها أنا أكون فلا تقتلني, أنا أحتاج لك لتكملني, تعال وأكمل أطروحتي
يجري محمد متجاوزا لبيان ويدخل مياه البحر حتى يصل لسلمان الذي بدأ يغرق, ينتشل محمد سلمان من المياه المالحة ويخرجه منها, يضجعه هناك على رمال البحر في تعب شديد ممزوج بالخوف بينما سلمان يأخذ بالنظر للسماء وهو يرتجف ويقول : بيان, بيان
وفي المستشفى حيث أقل محمد سلمان, ينظر سلمان لأضواء المستشفى السقفية ثم ينظر بعدها للممرضة التي تقول له
الممرضة : كن معنا, لا تتخلى عن حياتك, سيكون كل شيء على ما يرام, لا تقلق
سلمان بين الصاحي والغائب يرى الممرضة بيان فينطق قائلا : بيان, سأكمل الأطروحة, سأكملها
ومرت الأيام ليعود سلمان لمنزله معافى, لم تعد حياته سليمة دونما مرض الوسواس القهري لا, فهو لايزال يعاني منه وسيظل, هو فقط عاد لمنزله ليُكمل روايته التي بدأها, يجلس على المقعد ويفتح الكمبيوتر المحمول ويبدأ بالكتابة فيه بعينين جادتي النظر مع ابتسامة مرسومة على محياه.
“مرت الأيام بأسابيعها وأشهرها والطفل الصغير المسكين يعيش في وحدته وحرمانه, بينما الأب القاسي كان قد نشر بين الناس بأن زوجته قد هربت منه تاركة ابنها الوحيد مع رجلٍ آخر, لم يكتفِ بضربه وتعذيبه وقتله ودفنه لها دونما غُسلٍ أو كفن لا, بل أشاع بأنها فاحشة زانية, أي إنسان يمتلك كل هذا الفكر الشيطاني؟! بل العمل الشيطاني؟! لقد فاق هذا الرجل المتوحش فكر الشياطين بأسرهم وأفعالهم.
الطفل المسكين أُجبر على أن يُكمل حياته مع والده فلا مكان له يقصده ولا مهرب من والده المتوحش, أصبح هو يقوم بجميع الأعمال التي كانت والدته تقوم بها, هو يُعد الطعام وينظف المنزل ويرتبه ويغسل الأطباق عدا الملابس, الملابس هي الشيء الوحيد الذي كان يتكفل والده القاسي بفعله لأنه ومن وجهة نظره يقول بأن سلمان لا يُجيد تنظيفهن.
كان سلمان يفكر كثيرا بقتل والده, ولكنه لايزال صغيرا على ذلك ولن تقوى يديه الضعيفتين على فعل ذلك, قرر من أن يفكر بالسم, ولكنه تراجع فالشرطة ستعلم بالأمر وسيحبسونه في الإصلاحية حتى يكبر, لذلك قرر بأن يؤجل قتل والده حتى يكبر, قرر من أن يُكمل حياته ودراسته حتى يتخرج من المدرسة ثم من الجامعة.
مرت السنوات على سلمان الصغير حتى كبر وأصبح في سن العشرون عاما, لم يتغير شيء فو لايزال يتحمل ضرب والده له وشتمه وتصغيره والسخرية منه هذا بالإضافة لتجويعه, كانت سياسة الوالد القاسي هي التجويع إن لم يعجبه تصرف قد فعله سلمان مسبقا, بقي سلمان يتقلب على الفراش طوال الليل من شدة الجوع, فمن ذا الذي يستطيع النوم بمعدة فارغة!
قرر الخروج من الغرفة في منتصف الليل ليقصد المطبخ فعل والده يكن نائما في هذا الوقت, تسلل كالسارق بين ممرات المنزل ثم نزل من على الدرج حافي القدمين حتى لا يُسمع صوت وقع نعاله, مر من أمام غرفة والده ثم قصد المطبخ بهدوء تام.
دخل المطبخ وأخذ بالبحث عن الطعام فلم يجد, نظر بعدها للقمامة فقصدها وفتحها وفوجئ بالطعام المرمي بها, كل هذا فقط حتى لا يأكل سلمان الطعام! أراد سلمان من أن يبكي ساعتها ولكنه تمالك نفسه
كان يقول في نفسه في تلك اللحظة : حسبي الله ونعم الوكيل! حتى اليهودي لا يفعل ذلك بابنه!
وفجأة سمع صوت والده يقول وهو يقف على عتبة باب المطبخ
الوالد : هل تبحث عن طعام؟
التفت سلمان ينظر والده بذهوله
الوالد : ماذا؟ هل رأيت شبحا؟ كنت أعلم بأنك ستأتي ها هنا في الليل المتأخر لتبحث عن طعام, لذلك رميت بالطعام المتبقي في القمامة, إن أردت فكله منها, هيا
سلمان : سأذهب لأخلد للنوم
الوالد : فلتفعل ذلك, ولكن قبلها عليك من أن تأكل الطعام من القمامة, ألست جائعا!
ظل سلمان ينظر والده بذهول تام بينما الأب اقترب من القمامة ووضعها على الطاولة بين مرأى ابنه
الوالد : هيا, كُل
سلمان : لستُ بحاجة للطعام, لستُ قطا أو كلبا حتى آكل من القمامة
الوالد : ومن قال لك بأنك أفضل حالا منهم؟! هيا كُل
سلمان : لن أفعل ذلك
يصفع الأب القاسي ابنه الشاب صفعة قوية على وجهه حتى يتسبب بجرح في خد سلمان الأيمن من فعل الخاتم الذي يرتديه والده
الوالد : كُل, وإلا أحرقتك بالماء الساخن, إما هذا, وإما ذاك
لم يجد سلمان مهربا من عذاب والده, إما طعام القمامة وإما الحرق بالماء الساخن, كم رغب سلمان من أن يقتل والده في تلك اللحظة حتى يتخلص من كل قيوده تلك, نفذ مطلب والده وأكل من القمامة قليلا
الوالد : كُلهُ كله, ألست جائعا!
اضطر سلمان من أن يأكل جميع الطعام, ثم سمح له والده من أن يقصد غرفته بعد أن أتم المهمة, سلمان وما إن وصل لغرفته قصد بسرعة الحمام وبدأ باستفراغ جميع ما أكله في قرف تام, وبعد أن نظف نفسه نظر لنفسه في المرآة بعينيه الجادتي النظر وفي خلده يدور أمر ما أصر سلمان على تنفيذه, ولكن ما هو هذا الأمر يا تُرى؟!
في يوم من الأيام وبعد الانتهاء من تناول الغداء وكعادته الوالد يقصد الشرفة ليحتسي كوب الشاي الأحمر هناك, ولكن سلمان كان قد خطط ودبر لأمرٍ ما, اقترب من والده من خلفه وهو يرتدي القفازات البيضاء, كان الأب واقفا في الشرفة يُطل ببصره للأسفل ولكنه لم يكن ليعلم بأن يدي سلمان ستأتيه من خلفه لتدفعه بقوة حتى يختل توازنه ويسقط من الأعلى للأسفل, وبذلك كتب سلمان نهاية والده الظالم القاسي أخيرا.
قصد غرفته ووضع القفازات في مخدة نومه بين كثافة القطن ثم أغلقها بالسحاب واستلقى على السرير ونام في سلام وتلك الابتسامة مرسومة على محياه, لقد تخلص أخيرا من قيود والده وقسوته التي لم تكن لتنتهي مطلقا.
بطبيعة الحال الشرطة لم تكتشف ما حدث مع الوالد, وسجلت الحادثة بأنها قضاء وقدر, فقد اختل توازن الرجل وسقط من الأعلى للأسفل, بينما سلمان استطاع من أن يكمل حياته بأريحية تامة حتى وإن كان يفتقد لوالدته.
صوت بيان : إذا أنت قاتل؟!
سلمان يتوقف عن الكتابة : ألم يكن هو قاتل أيضا!
بيان : ولكن أنت .. كان يجب عليك من أن تسلك طريقا آخر لا أن تكون مثله تماما!
سلمان : هذا ما حدث, وكان يجب من أن يحدث منذ زمنٍ طويل
بيان : يا إلهي! يا إلهي! لا أصدق ما قرأت عيناي وما سمعت أذناي!
سلمان لم يُعر بيان انتباها بل أكمل كتابته وظل على ذلك الحال مطولا حتى كتب كلمة “النهاية” هنا قد أنهى سلمان كتابته للرواية أخيرا, ولكن ماذا عن بيان؟ هي غير راضية عن كتابة سلمان بل إنها غير راضية عما فعل سلمان بوالده.
بدأ بالبحث عنها في أرجاء المنزل ولم يجدها سوى هناك, في الشرفة التي سقط منها والد سلمان, كانت تضع يديها على سياج الشرفة وهي تُطل ببصرها للأسفل بينما سلمان كان ينظرها بعينيه الجادتي النظر وهو يقترب منها وما إن اقترب حتى قال لها
سلمان : فيم وقوفكِ هنا؟
بيان : أردت أن أرى العلو الذي رميت والدك منه
سلمان : عليكِ من أن تنسي, فما حدث قد حدث وولى, كان يجب من أن يحدث ما حدث, قسوته وجبروته وطغيانه وظلمة هم من أجبروني على أن أفعل ذلك
بيان : أنت قاتل
سلمان : اصمتي
بيان : قاتل
سلمان : اصمتي
بيان : أنت قاتل سلمان, قاتل
وفي لحظة غضب شديدة من سلمان اقترب من بيان وأخذ بخناقها ثم رماها من فوق السياج وسط صراخها عليه
بيان : سلماااااااان
سلمان : لقد تخلصتُ منها أخيرا, لم تكن لتصمت مطلقا وهذا ما كان يُثير جنوني فعلا
قصد سلمان بعدها غرفته ودخلها ثم أوصد أقفالها الستة, اقترب بعدها من سريره واستلقى عليه ثم أخذ بالنظر لسقف الغرفة بسرور تام, وفجأة سمع صوت بيان
بيان : هل ظننت بأنك قد تخلصت مني!
نهض سلمان من استلقائه في توتر ممزوج ببعض الخوف بينما بيان كانت تضحك
سلمان ابتسم ثم عاد ليستلقي على السرير بسرور ثم قال :
سلمان : أنتِ مجرد فكرة, تأتين عندما أرغب أنا بذلك وتختفين عندما أريد أيضا, هذا أمر متعارف عليه
اقتربت بيان منه لتقول له وهي تجلس بجواره على السرير
بيان : قد شفعتُ لك ما فعلته بي, لقد تذكرتُ والدتكَ المسكينة وكيف قتلها و…
نهض سلمان وهو يقول : أمي!
نزل من على السرير واتجه للباب وفتح الأقفال الستة ثم فتح الباب وخرج, بعدها خرج من المنزل ثم اقترب من قبر والدته في الحديقة, أخذ دلو الماء وأخذ بسقاية شتلات الورد التي نمت في ذاك المكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى