الحب والحلم في ” أفكار وأحاسيس أنثى “

زياد جيوسي | عَمّان

   عبر 81 صفحة من القطع المتوسط باحت الكاتبة الأردنية والناشطة الاجتماعية فاديا أحمد الحريرات بما جادت به روحها، في كتاب حمل تصنيف “خواطر” وسبق لي أن أشرت في مقال سابق أن الخاطرة يعتبرها معظم النقاد نص هجين يمازج بين النثر والشعر، والخواطر نصوص تعبر عما يجول بالخاطر ويتم تفريغها مكتوبة وعادة تخضع للتدقيق والتغيير قبل النشر، والخاطرة كبعض من الأساليب الأدبية لم تحظَ بالاهتمام كثيرا من النقاد بعكس الاساليب الأخرى كالقصة والرواية والشعر، واعتبر البعض اللجوء لكتابة الخواطر وسيلة للهروب من النقد الأدبي، كون الخاطرة كأسلوب للكتابة تضيع بين النثر والشعر رغم انها عرفت منذ اوائل القرن العشرين، والقليل من اهتموا بنقد الخاطرة او وضع القواعد لها، والبعض اعتبرها ليس أكثر من انفعال وقتي وليد لحظته تم التعبير عنها بكلمات مكتوبة بتأثرات وجدانية، ولا توجد لها قواعد محددة فقد تكون قصيرة او متوسطة أو طويلة. 

   غلاف بتصميم بسيط نصفه العلوي يحمل اسم الكتاب والكاتبة وتصنيف الكتاب بلون زهري غامق، والنصف السفلي وجه لامرأة في حالة تأمل على خلفية من اللون الأخضر الفاتح جدا، بدأت كتابها بإهداء إلى القراء ومقدمة طويلة نسبيا ليست أكثر من الحديث عن سيرتها الذاتية، وصفت فيها نفسها أنها أنثى متمردة وجادة وعصامية أيضا، وأيضا وجهت بها النصائح والوصايا للآخرين بشكل لم يخلُ من ابراز الذات وصيغة الأمر التي تكررت بالمخاطبة من خلال تكرار كلمة “كن” في بدايات الفقرات ولو استخدمت “ولتكن” لكانت أخف وطأة على نفس المتلقي، إضافة أن هذه البداية لم تكن موفقة للتعبير عن محتوى الكتاب، فالخواطر فيه ليست سيرة ذاتية وليست رحلة حياة، بل بوح وجداني لأحاسيس ومشاعر، وكان الأجدر أن تكون المقدمة مختصرة معبرة عن سبب البوح بهذه الخواطر. 

   الخواطر والتي وردت بدون عناوين أو ترقيم بأعلاها، وكان الأجدر ترقيمها حتى لا تتداخل فيما يقرأه القارئ، فالبكاد يتم تمييز التقديم من الخواطر اللاحقة، وتتداخل الخواطر التي كتبت بأسلوب بسيط وكلمات سهلة ابتعدت عن التعقيد واختيار الألفاظ المفخمة، وهي لم تخلُ من جلد الذات وهذه ما نراه في الخاطرة الأولى التي تبدأها بالقول: “أتعجب من البشر..” وتنهيها بالقول: “فنحن نستحق الألم الذي يعتصر قلوبنا الرقيقة لأنها اساءت الاختيار وسلكت الطريق الخطأ”.  

   في المقابل نجد حجم كبير من بوح الحب والعشق لشخص آخر واضح أنه ابتعد بالرحيل، وهذا يتكرر باستمرار في ثنايا هذه الخواطر، مثل قولها: “وأجمل ما في وجودي يا حياتي أنت”، حيث تواصل الكاتبة بوح هذه المشاعر الوجدانية عبر دفتي الكتاب بعبارات معبرة عن الروح والمشاعر الكبيرة فيها، حيث تقول: “نعم أحبك لأنك الملاك الوحيد الذي فاز بعرش قلبي”، وفي عبارة أخرى تقول: “أنت فيتامين قلبي”، واعتقد أن كلمة “فيتامين” جاءت ثقيلة على النص اضافة أنها غير عربية ولم تضعها بين قوسين، وواضح في كل نصوص الكتاب أن “بوصلتها” بإتجاه واحد هو ذلك الشخص الذي تخاطبه، الذي يرافقها في الصحو والمنام: “عند نومي لا تفارقني طيوفك”، وكونها تخاطب شخص محدد فكان الأجدر أن تقول “طيفك” بصيغة المفرد، فالطيف هو الروح وهي واحدة وليست مجموعة أرواح وأطياف في شخص واحد، هذا الشخص الذي تعتبره سرا تخفيه عن الآخرين فتقول: “فأنت سري الذي لا ولن ينتهي من أعماقي”، ويبقى السؤال: هل يمكن أن يستمر الحب للأبد رغم رحيل الآخر؟ وهذا سؤال على عباراتها: “هو حب لن يتكرر لأنه استوطن قلبي للأبد”، “لأنك الحب الأبدي والعشق الأزلي” وأنا اعتقد انه لا يوجد حب يستوطن القلب للأبد وخاصة برحيل الآخر، فهذه طبيعة النفس البشرية، فالانسان يبدأ ينسى تدريجيا وتبدأ نبضات القلب تنبض لآخر من جديد. 

   الحديث عن الذات يتكرر في الكتاب فتقول: “عالم يحترق بأنوثتي الطاغية”، ونرى في نص آخر: “إن روحي الطاهرة تعشقك وتتنفس هواءك”، وفي عبارة أخرى: “لا أقبل الانهزام.. فأنا لا استسلم”، ونرى مديح الذات بوصف روحها بـ “الطاهرة” والأجدر ان يصفها بذلك من يعرفها أو المخاطب، وتصف نفسها: “إمرأة شامخة لا تيأس أبدا”، وفي نفس الوقت نجد شكواها من الرجال الذي ينظرون للمرأة كما: “جسد بلا روح”، وتكمل: “يا معشر الرجال انها أنثى بعقل وروح وفكر وقبل كل هذا هي انسانة”، ولكنها في نفس الوقت تقول: “الأنوثة سحر وجمال يطغيان.. يذوب بها معشر الرجال”، فمن بين شكواها من الرجال تجد لهم المبرر ايضا.  

    أيضا يلاحظ في وصفها للآخر الذي تكتب اليه انها تسقط عليه اوصاف رائعة جدا وكأنه ملاك آت من السماء، حيث تقول: “فأنت منبع الحب لهذه الأزهار”، “أنت وحدك زهرتي الجميلة”، وتخاطبه: “جميلا تشبه القمر”، وتقول ايضا: “لأنك بالنسبة لي الطاقة التي أستمد منها ايجابيتي”، وتطلب منه: “تعال واجتاحني من شفاهي ودع تكرار أنفاسك على عنقي”، وتهمس له أيضا بكم كبير من الأحاسيس والمشاعر فتقول: “لو تعلم كم هي لوعتي لأحضانك”، وتهمس له: “فأنا دائما بانتظارك”، “أحبك بجنون يا أغلى ما في هذا الكون”، وتطلب منه باستمرار ان لا يفارقها روحا ولا جسدا: “عندما تنوي قطافي فلا تتردد”، “أقطفنيي من أعماقي”، وتهمس برغبتها: “ترتوي أرواحنا الجميلة من ماء عذب”، وتهمس أيضا: “وأنسى حتى كلي بين ذراعيك”، وأيضا تبوح برغباتها: “الا تأتي لتطفئ نار اشتياقي”، وتخاطبه بالقول: “أنت مصدر الهامي”، وتخاطب القراء: “الا ليت تعلمون مدى عشقي له”، وتشبه جماله وحضوره بخاطرتين بسيدنا يوسف: “شخص بصورة يوسفية الجمال”، “وحضورك اليوسفي”، وفي ثلاثة من الخواطر نجد الكلام على لسان ذلك الشخص حين يقول لها: “كوني امرأة خطرة تتمردين بأنوثتك”، وفي خاطرة أخرى يقول لها: “ستكونين الأجمل والأسمى والأروع بكل حالاتك يا حبيبتي”، ونلاحظ انه في خاطرة واحدة تصفه بأنه صديقها فتقول: “أما آن الأوان يا صديقي؟”، وفي خاطرة أخرى تتساءل: “اتساءل من أنتَ؟ أصدقا أنت من تستحق أفكاري وأحاسيسي”. 

   وفي الكتاب نجد أراء وأفكار للكاتبة مثل قولها بعبارة انقلها بكل الاخطاء الطباعية والاملائية فيها: “فلترتقوا أفكاركم اتجاه المرأه التي هي البنية الأساسية لبناء الأجيال القادمة ونصف المجتمع”، وواضح في الكتاب الاحساس الديني فهي تلجأ له في عدة مواضع منها كمثال: “رفقا بالقوارير”، وايضا نرى نظرتها لشمولية الحب: “فهو ليس للحبيب فقط لا بل هو للرفيق والقريب والبعيد يولد بنا طاقات ايجابية”، ورغبتها بالانعزال وحب الليل واللجوء للسهر وحيدة فتقول: “استشعر هدوئه ورومانسيته الرائعة بعيدا عن تطفلات البشر”، ونشعر باغترابها عن المجتمع بقولها: “أمشي حافية القدمين في عالم غريب بعيد عن كل هؤلاء البشر”، وفي نفس الوقت تدعو الجميع للضحكة والابتسامة فهي ترى: “لنضحك دائما فهي مصدر قوتنا وإرادتنا” وترى ايضا ان الطاقة الايجابية من الابتسامة: “يستمد الجميع من ابتسامتنا التي تنبع من أعماقنا”، وهي مؤمنة بالتفاؤل والطموح: “لنعيش بالتفاصيل الصغيرة التي ترسمها طموحاتنا”، وتؤمن بالحياة: “فالحياة نعيشها مرة واحدة مع بزوغ فجر جديد وأمل جديد”. 

   الكتاب حافل بالأحاسيس والمشاعر الجميلة والعواطف الجياشة، تجعل القارئ يعيش لحظات من جمال وتحليق للروح، يعيش فضاءات المشاعر الإنسانية والحب والعشق والرغبات المكبوتة والحلم، ورغم جمالية روح الكاتبة وحروفها التي أمتعتني، إلا اني اجد لزاما عليّ ومن باب الأمانة الأدبية أن اهمس للكاتبة: المولود الأول من مسيرة الكتابة وتأليف الكتب يحتاج الى اهتمام كبير، فهو الأساس الذي يتم البناء عليه، وأي بناء على اساس غير متين لن يسمح بقوة البناء والاستمرارية، لقد تم التعجل بالنشر ولعله بسبب الفرحة بالمولود الأول، فالكتاب كان بحاجة لتدقيق لغوي واملائي وهناك أخطاء عديدة تناثرت بين جنبات الكتاب، وأيضا أخطاء طباعية أخرى كان يجب الانتباه لها، وكان من المهم الانتباه لوضع اشارات الترقيم، فنادرا ان نجد الفاصلة والنقطة بين الفقرات مما جعل العبارات تتداخل مع بعضها، إضافة ومن زاوية فنية كان يجب أن تنسق الصفحات بشكل أفضل، واختيار لون غير الأبيض للطباعة، فهو لون متعب لعيون القراء لانعكاس الضوء عليه. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى