العرب الدروز في ال-48 وطوفان الأقصى!.. وقفات على المفارق
سعيد نفّاع| محام ونائب سابق
الأمين العام للاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين- الكرمل 48
الوقفة الأولى… مع الدروز والتعدّدية و”حلف الدمّ”
الغريب العجيب أنّ كلّ من يتناول الدروز بمقال أو خبر أو مداخلة أو بحث، ومهما اختلف الموضوع والزمكان، يأخذ بهم كوحدة واحدة بدائيّة:”راع ورعيّة”. الدروز (يا عمّي!) مثل غيرهم من المجموعات البشريّة فيهم التعدّدية:وطنيّا وسياسيّا واجتماعيّا وحتّى فكريّا.
ما وراء وقفاتي هذه هو كثرة التناول إعلاميّا وتحليليّا على خلفيّة الحرب الجارية اليوم على غزّة ونتائجها “الدرزيّة”؛ سقوط ستّة قتلى، ومن الكثرة هذه، مثالًا لا حصرًا، تقرير لصحافيّة محليّة ومراسلة لل- بي بي سي نُشر أواخر كانون الأوّل 2023 في مجلّة “المجلّة” الصادرة في لندن، تكتب فيه في السياق: “هذا … مدخل لنقاش متواصل في أطياف الطائفة وتشتد حدّته مع كلّ حرب أو جولة تصعيد تخوضها إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة حول جدوى “حلف الدم” الذي أعلنته الطائفة مع إسرائيل ويعني ترابط المصير …”
الطائفة (هكذا) أعلنت حلف الدم؟!
يعني الشيخ فرهود فرهود والمئات من رفاقه الذين تصدّوا لسياسة المؤسّسة وأزلامها العرب ومنذ اليوم الأوّل لبدء المخطّط ضد الدروز وعانوا الأمرّين، هم من معلني حلف الدمّ؟! أم أنّهم ليسوا من الطائفة؟!
سأعود في وقفة لاحقة لموضوع “حلف الدمّ” هذا وأطرافه. وأمّا الآن فإلى “الطائفة” والتعدّديّة؛ الدروز في إسرائيل فيهم أقليّة كبيرة من “قيادات” دينيّة ودنيويّة مدعومة إعلاميّا وماديّا وسياسيّا من المؤسّسة، وهي ضاجّة بحكم ذلك ومسيطرة على المشهد الإعلاميّ الإسرائيلي دون أيّ توازن لأنّ الإعلام “العربي” ينجر من عرقوبه وراءهم؛ جهالة أو غرضيّة. وفيهم صفّ وطنيّ عروبيّ كبير ولكنّه يمثّل نسبة قليلة نسبيّا. ولكنّ الأهم أن أكثريّتهم أبعد ما تكون عن المؤسّسة وهي صامتة خوفًا على لقمة عيشها، ولنا في نتائج انتخابات الكنيست البيّنة الصاعقة، إذ أنّ أكثريّة الدروز ومنذ عقدين تقريبًا لا يشاركون فيها رغم “فخّ” المرشّحين الدروز.
الوقفة الثانية… مع التزاوجغير الشرعيّ بين الإعلام العبريّ والعربيّ!”
ما أن طاف الطوفان الحمساوي واستُلّت السيوف الإسرائيليّة حتّى طفاواستُلّ معها الدروز وتجنيدهم. “القيادات” الدرزيّة الموالية للمؤسّسة الإسرائيليّة وأتباعها (الأقليّة الضاجّة) خرجت عن طورها إرضاء للمؤسّسة وآليّتُها المجنّدون الدروز والضحايا منهم (6 وليس 60 يا بعض الإعلام اللبناني)، ووجدتها هذه الأقليّة الضاجّة فرصة ملائمة لتحسين مواقعها ومصالحها وزيادة الفُتات وسط تصفيق حاد من قطاعات يهوديّة سياسيّة وإعلاميّة وشعبيّة أحيانًا واسعة.
وأمّا القوى المناوئة لسياسة المؤسّسة فكان حالهاوكأنّ على رؤوسها وقف الطير، خَشية أو لخمة.
ولكن تكملة للصورة، تنافست الأصوات العربيّة الإعلاميّة؛ مرئيّات ومعلّقيها (الجزيرة والدويري و%35 من فرقة جولاني دروز)، وورقيّات وكتبتها (المجلّة الصادرة في لندن والصحافيّة شيرين يونس و%80 نسبة التجنيد عند الدروز)، وإلكترونيّات وحدّث ولا حرج!
فاحترنا من وين نمسكك يا قرعة!
كتاب “العرب الدروز 48 وحجارة الرحى” كتابّ دراسيّ أصدرته مؤخّرًا تناول الحالة الدرزيّة في ال-48 بين حجري الرحى؛ اليهود من ناحية والعرب غير الدروز من الأخرى. أن تستلّ المؤسّسة القضيّة والتجنيد في مركزها خنجرًا تغمده في ظهر شعبنا الفلسطينيّ وأمتنا العربيّة والإسلاميّة أمر يمكن أن يُبلع وإن على مضضٍ، ولكن ورغم عشرات الدراسات الأكاديميّة التي تناولت هذه القضيّة وما زال يصرّ نفرٌ من الكتبة العرب أن يحرّض “كلّما دقّ الكوز في الجرّة” مستغلًا قضية التجنيد الإجباري المفروضة على الدروز قسرًا متجاهلًا الوقائع عن جهل أو عداوة مع القراءة أو عن قصد خبيث ينضح طائفيّة، فهذا لا يفهم فكم بالحري أن يبُلع.
الوقفة الثالثة… مع أكثر من %50 من الملزمين بالخدمة من الدروز لا يتجنّدون.
عدد الدروز عام 1948م كان 13,172 نسمة من فلسطينيّي البقاء ال- 156,000نسمة، أي %8.4. وعددهم اليوم 123,000 نسمة، أي ما يعادل %7. (الرقم الذي تتداوله وسائل الإعلام؛ 150,000 يشمل 27,000 هم سكّان الجولان السوريّين والذين لا يسري عليهم قانون التجنيد الإجباري كون غالبيّتهمالساحقة لا يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة، وهذا الرقم استعملته الصحافيّة شيرين يونس ابنة “هالبلاد”القريبة من المصادر والوقائع في المجلّة أعلاه).
تكتب الصحافيّة في مقالها أعلاه أنّ نسبة المجنّدين من أبناء الطائفة نحو %80 ويُستشفّ من الصياغة وكأنّ مصدرها “الباحث الحقوقيّ” مرزوق الحلبي مع أنّي أستبعد ذلك وأعزوه إلى سوء في النصّ. بغضّ النظر، هذا القول عمى بصر وبصيرة يحتار المرء كيف “يبلعه”. فمن أين لها أو له هذا الرقم؟! اللّهم إلّا إذا كانت مصادرهما الأبواق الدرزيّة من أزلام المؤسّسة وبعض الصحافيّين الببغاويّين عربًا ويهودًا!
زميل الصحافيّة يونس الصحافي وديع عواودة بحكم موقعه محرّرا حينها لجريدة “حديث الناس”، نقل عام 2009عن مؤتمر هرتسليّا للشؤون الاستراتيجيّة في دورته الثامنة بحثًا حول ميزان المناعة القوميّة في إسرائيل الآتي:
“المصادر العسكريّة رفضت بشكل منهجيّ وما زالت الإفصاح عن معطيات في هذا الشأن (نسبة التجنيد عند الدروز) في حين أنها تفصح عن معطيات بين اليهود والتي حسبها وصلت نسبة الشباب اليهود المتهربين من الخدمة 28.5% والشابات 44%.”
ويتابع عواودة: خلص المؤتمر إلى أن هنالك تراجعا في ميزان المناعة القوميّة والوطنيّة الإسرائيليّة في إسرائيل بشكل عام، وفيما يخص العرب الدروز خلص إلى:
“وردا على سؤال كم تحب إسرائيل وتفتخر بها انخفضت علامة المواطنين العرب الدروز بحسب ميزان المناعة القوميّة من 2.4 نقطة من 6 نقاط عام 2007 إلى 1.4 نقطة من 6 في العام 2008 بينما كانت عام 2003م 4.9 نقطة. ويقول القيّمون أن وطنيّة (الإسرائيليّة) الدروز انخفضت لأدنى معدلاتها منذ بدء الاستطلاعات عام 1990.
وينوه أولئك أن نسبة المتجندين الدروز تنخفض لأقل من 50% من مجمل الملزمين بالخدمة العسكريّة محذرين من مخاطر فقدانهم وخسارتهم”.
ويضيف: المناعة القوميّة،هي مصطلح يعني قدرة الأفراد والمجتمع ضمن صراع متواصل على مواجهة تحديات ومخاطر والاحتفاظ والتشبث بمعتقدات ومفاهيم أساسيّة تبني، مجتمعة، نسيجهم الاجتماعي الجماعيّ، وهو معطى متغيّر ويمكن قياسه باستطلاعات وأبحاث.
الوطنيّة الإسرائيليّة: لها مركبات عديدة منها الفخر بالانتماء واعتبار العيش بالدولة جيدا وابتياع منتوجات وطنيّة والاستعداد للتضحية.”
فما رأيك يا شيرين ويا مجلّة المجلّة؟!
الوقفة الرابعة… مع 63.9% من الدروز ضدّ التجنيد الإجباري!
“افتتح أمس 7.4.09 في قاعة “هيخت ” في جامعة حيفا يوما دراسيا تحت عنوان ” الدروز في إسرائيل قضايا مركزيّة ونظرة مستقبليّة” دعت إليه الجامعة والمركز اليهودي العربي ومركز التعدديّة الثقافيّة وبمشاركة الجمعيّة لدعم الديموقراطيّة في الوسط العربي.
جاء الافتتاح بعرض نتائج استطلاع هو الأول من نوعه قام به قسم الاستشارة والاستطلاعات في الجامعة لصالح مركز التعددية الحضاريّة والدراسات التربويّة في الجامعة.
المسؤولية العلمية على الاستطلاع هي للبروفيسور ماجد الحاج نائب رئيس وعميد قسم الأبحاث في الجامعة ود.نهاد علي قسم علم الاجتماع والانتروبولوجيا في الجامعة، وقام البروفيسور حاج والدكتور عليّ بعرض نتائج الاستطلاع في الجلسة، والتي شارك فيها بمداخلات كل من رئيس الجامعة البروفيسور أهرون بن زئيف والسيد صالح فارس رئيس منتدى السلطات المحليّة والبروفيسور فيصل عزايزة رئيس المركز اليهودي في الجامعة والبروفيسور قيس فرو قسم الشرق الأوسط.
هذا الاستطلاع أُقيم في شهري أيار وحزيران عام 2008،بحيث تم الاتصال ب-405 مواطنين دروز من 18 قرية ومدينة درزية.
نتائج الاستطلاع كانت مثيرة للغاية، وجاءت على النحو التالي:
47.8% من المشاركين في الاستطلاع قالوا ان العلاقة بين الدروز وبين الدولة غير جيدة بالمرة، أو غير جيدة.
73.2% من المشاركين قالوا ان وضع الدروز في اسرائيل أسوأ من وضع سائر العرب في الدولة(46.7% قالوا ان الوضع غير مختلف و26.5% قالوا ان الوضع أسوأ).
و83.3% قالوا ان وضع الدروز أسوأ بكثير نسبة لوضع اليهود.
عندما سئل المشاركون عن الأسباب الرئيسية التي أدّت للمشاكل في العلاقات بين الدروز والسلطة، عددوا أربعة مركبات هامة، وهي:
مصادرة الأراضي،البطالة،الخرائط الهيكلية وأحداث البقيعة (الصدّام الدموي مع الشرطة أواخر عام 2007).
90.1% من المشتركين قالوا إن مصادرة الاراضي تؤثر سلبًا على العلاقات، 75.2% تحدثوا عن تأثيرالبطالة،70.2% ذكروا احداث البقيعة و68.5% ذكروا مشاكل الخرائط الهيكلية.
أظهر المشاركون استياءهم شبه التام من وضع التربية والتعليم لدى الطائفة الدرزية.
أما بالنسبة لمسألة التجنيد الإجباري لدى الدروز، فظهرت نتائج مفاجئة:
فقط 36.1% يؤيدون التجنيد الإجباري، بينما 46.6% قالوا إنه يجب جعل التجنيد تطوعيًا و17.3% قالوا إنه يجب ابطال والغاء التجنيد كليًا.
اما بالنسبة للهوية فجاء الرد على السؤال: ما مدى أهمية الهويات التاليّة عندك:
فاتضح أن 81.4% أعطوا مدى أهميّة لانتمائهم المذهبي. و-64.4% أعطوا مدى أهمية لانتمائهم العربيّ.و- 58.9% أعطوا مدى أهميّة لانتمائهم للجنسيّة. و-32.7% أعطوا مدى أهميّة لانتمائهم الفلسطيني.
فيما يخص التواصل:41% رأوا أن حرية التواصل مع الأهل في الدول العربيّة إيجابيا. 32% رأوا أن لا تأثير لذلك لا سلبا ولا إيجابا و-27.2% رأوا لذلك تأثيرا سلبيّا.
اما في الإطار الاجتماعي:فقال 86.6% انه يحق للنساء الدرزيات الحصول على الميراث.95.5% مع عمل المرأة داخل القرية، 81% مع حصول المرأة على رخصة قيادة، و69% مستعدون للتصويت لامرأة لرئاسة مجلس محلي.”
فما رأي شيرين يونس ومجلّة المجلّة اللندنيّة؟!
الوقفة الخامسة… مع حلّ الكتيبة الدرزيّة و-%49 نسبة التجنيد؟!
طالعنا المحلّل العسكري في الجزيرة اللواء “فايز الدويري” إثباتًا لنظريّته أنّ إسرائيل لا تكشف عن الرقم الحقيقي لقتلاها في غزّة بالكثير من الاستنتاجات،وهو ومصداقيّته ومصداقيّة الجزيرة شأنهما. ومن استنتاجاته أن إسرائيل تدفع لأهالي القتلى “العرب والدروز” بلغته حتّى يتستّروا على أبنائهم القتلى وفي هذا ومصداقيّته هو حرّ، ولكن أن يصل به الأمر، كي يدعم نظريّته، أن يدّعي أنّ %35 من فرقة جولاني هم من الدروز فلا يُمكن عزاء ذلك إلى جهل وإنّما إلى تحريض مبيّت مغرض أرعن.
كتبت في آب 2015 في وقفات حول الموضوع، كانت الوقفة الرابعة… “مع حدا ناوي يفهم ويستوعب عاد؟!”وجاء فيها: “… عندما ثارت ثورة زلم السلطة على إعلان القائد الأعلى للجيش أيزنكوط قبل أشهر على نيّة الجيش حلّ الكتيبة الدرزيّة، خرج علينا الناطق ببيان وزلمه بتعقيبات “تزوبعت” الدنيا بعدهما، فكتبتُ على الفيسبوك حينها الآتي وأعيده في وقفتي هذه لعلاقته بالموضوع:
“إذا كان في خير في زوبعة الفوج الدرزي في الجيش فهو هذا…
روج أزلام السلطة أن نسبة المتجندين بين الدروز فوق ال-%80 وطبعا الإعلام العبري معيّد…ولكن المصيبة أن الإعلام العربيّ ببعض صحافييه يجتر وراءه…
الناطق الرسمي باسم الجيش اللي “الله” ما قدر يطلع منه معطيات “بِقّها” المرة، وقال إن تعداد الفوج (الدرزي) 400 عنصر وهنالك 2300 عنصر في وحدات أخرى… ماشي وبدنا نمشي معاه ونحلف في حياته إنّه أرقامه صح…
تعداد صف ال-12 في بيت جن 207 طلاب وخليه يا عمي من هذا الجيل مش عمال يتعلم 23 فقط يعني مجموع أبناء الجيل 230 منهم بنات (معفيات من الخدمة) النصف… يبقى 115 في بلد سكانها قرابة ال-11 ألف نسمة يعني عند كل الدروز في 115 شاب لكل 10 آلاف مواطن ضرب 12 (عدد الدروز 120 ألف) يعني يساوي (=) 1380 شاب في سن التجنيد ضرب أربعة أجيال (المتزامنة خدمتهم الخدمة الإجبارية 3 سنوات) = 5520 نفر.
قديش معطيات الجيش؟!
400+2300= 2700 (وصدق الله العظيم !!!!) احسبوها:
2700 على 5520 = %49 (وين ال%84 وال%87%) ؟!
ناوي حدا عاد يفهم ويستوعب ؟!”
هذا عدا عن أن النتائج حسب معطيات البيان الأخير أعلاه مختلفة، يعني الجماعة يخبطون خبط عشواء في مواجهة حقيقة تعدّي نسبة الرفض عند الشباب الدروز ال-%50 ومن زمان …
الوقفة السادسة…ومرّة أخرى مع “حلف الدّم”!
افتتحت السيّدة شيرين يونس تقريرها الآنف: “منذ بداية الحرب على قطاع غزة وحتى كتابة هذه السطور، فقدت الطائفة العربية الدرزية في إسرائيل ستة من أبنائها المجندين في الجيش الإسرائيلي في معارك قطاع غزة وعند الحدود مع لبنان، بعضهم كان قد وصل إلى رتب عسكرية متقدمة في وحدات الجيش القتالية.هذه المعلومة هي مدخل لنقاش متواصل في أطياف الطائفة وتشتد حدته مع كل حرب أو جولة تصعيد تخوضها إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة حول جدوى “حلف الدم” الذي أعلنته الطائفة مع إسرائيل ويعني ترابط المصير”.
والردّ إضافة لما جاء في الوقفة الأول عن التعميم:”حلف الدم” هو مصطلح بدائي أخذ له على مرّ التاريخ صيغتين أو شكلين لعقده، الأولى كان أن يجرح الزعيمين أذرعهما أو راحة يديهما ويتصافحان علنا فيختلط دمهما أو أن تتفق قبيلتين أن “تأكلا وتحطا في الدم” بمعنى أن تتشاركا في الثأر وفي الديّة.
أمّا في سياقنا تفتق الأمر من ذهنيّة رجال المخابرات المستعربين ولقّنوه لأزلامهم بين العرب الدروز وعلى خلفيّة رفع الإعفاء عن الدروز من الخدمة الإجباريّة الذي كان ساريا عليهم كما بقيّة الأقليّة العربيّة حتى عام 1956 وإجبار شبابهم منذها وبقوة القانون بالخدمة العسكريّة أسوة بالشباب اليهود والشركس.
تكرّس هذا الشعار البدائي خصوصا لاحقا في مآتم الجنود الدروز الذين سقطوا في العمليات العسكريّة كشعار “تجاريّ” لأزلام السلطة المنتفعين “مراكزيّا” ووظائفيّا، لكنه اتخذ زخما بين هؤلاء ردّا على حركات الرفض عند الدروز والتي انطلقت منذ أن رُفع الإعفاء عام 1956 وعاشت مدّا وجزرا إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وكان ازدياد استعمال هذا الشعار على يد زبانية السلطة يتناسب طرديّا مع ازدياد زخم حركات الرفض.
في مرحلة معيّنة وعندما بدأت تُذوّتُ عند العامة السياسة التمييزيّة للسلطة وسقطت معادلة الحقوق المربوطة في الواجبات صرتَ تسمع حتى من مثل هؤلاء: “نحن لا نريد حلف دم نريد حلف حياة، بمعنى نريد حقوقنا اليوميّة” بعد أن رأوا وسريعا أن هذا الشعار الفارغ والبدائي ما هو إلا ورقة تين استعملت تغطية لسياسة السلطة تجاههم في سلب أراضيهم والتمييز ضدّهم تماما كما بقيّة العرب إن لم يكن أكثر.
لكن المهم والذي غاب أو على الأصح غُيّب عن الناس العاديين هو الخبث الذي يختبئ خلف هذا الشعار وتكريسه. غُيّب عن بالهم ورغم الجهد الذي بذله الوطنيون العرب الدروز، أنّ ما يكمن وراءه هو محاولة غرس اعتقاد بين النشء الدرزيّ أنّ لهم ثأرا عند بقيّة شرائح أبناء شعبهم وهم مستهدفون بدمائهم تماما كما اليهود ومن عدو واحد يطلب دماءهم ولذا فخدمتهم في الجيش هي حفاظا على دمائهم، وبحكم الاستهداف المشترك لا بدّ من عهد دفاع مشترك فاختير له هذا الاسم وليد ذهنيّة “مستعربيّة” تجاه أناس بسطاء فلاحين وعطفا على الحقيقة أن عدد هؤلاء الفلاحين لم يصل حينها إلى أكثر من 16,000 نسمة ولا يوجد بينهم إلا ما لا يربو على أصابع اليد الواحدة متعلمين فأخذ مثل هذا الشعار منهم مأخذا.
بعد أن صرتَ تكاد لا تسمعه وقد سقط سقوطا مدويّا ولم يعد يردده سوى بعض حركات تعمل المؤسسة مؤخرا على إبقائها حيّة بتنفس اصطناعيّ كالحركة التي تسمى “الدرزيّة الصهيونيّة” الليكوديّة والحركة الجديدة الليبرمانيّة “الشبيبة الدرزيّة” لتحاول أن ترمم “حلف الدم” المزعوم بين الدروز واليهود وتُستثمر فيها لهذا الهدف إمكانيات هائلة.
قبل مدّة وعلى أثر لقاء للموقع أدناه مع طلاب مدرسة ثانويّة عربيّة درزيّة في الكنيست وطرح قضيّة رفض الخدمة العسكريّة الإجباريّة، أرسلت واحدة من هذه الحركات المسخ شكوى لرئاسة الكنيست محتجة أن الموقع أدناه حرّض الطلاب ضد “حلف الدم بين الشعب الدرزيّ والشعب اليهوديّ” …هكذا!
لا شكّ أنّ هذه المحاولات المحمومة لإحياء هذا الشعار البدائيّ، وهو رميم، عائد إلى نتائج الاستطلاعات العلميّة التي نُشرت مؤخرا عن مؤتمر هرتسليا وبحثه عن مستوى الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الشباب ومن ضمنهم الشباب العرب الدروز، والذي بيّن أن شعور العرب الدروز ب-“الوطنيّة الإسرائيليّة” تراجع في العقد الأخير إلى 1.6 درجة من أصل 6 درجات وأنها المرّة الأولى التي يتعدى عدد المتهربين الدروز من الخدمة العسكريّة أل-%50. والتي نُشرت عن الدراسة التي أجرتها جامعة حيفا والتي بيّنت فيما بيّنت أنّ %63.7 من الدروز لا يؤيدون الخدمة الإجباريّة وقرابة نفس النسبة منهم يرون بانتمائهم العربيّ مركبا من هويتهم.
هذه الوقائع تحتّم على الحركات الوطنيّة بين العرب الدروز والحركات الوطنيّة العربيّة بشكل عام الارتقاء إلى مستوى المعطيات، إن كانت فعلا تريد لهذه الشريحة أن تعود من التيه الذي عانته على مدى عقود بسبب سياسة سلطويّة، وإهمال من قبل بقيّة الأقليّة العربيّة.
فالمعطيات أعلاه هي تعبير عن موقف وليس بالضرورة ممارسة هذا الموقف فالممارسة خاضعة لعوامل أخرى أقوى وهي لقمة العيش، ولكن إذا لاقى هذا الموقف دعما فحتما سيتحوّل إلى ممارسة وهذه مهمّة وطنيّة عليا لقلع الأسافين المدقوقة في وحدتنا ضمان بقائنا الأول وشكل هذا البقاء.
الوقفة الأخيرة… مع التخبيص والعيب!
في وقفاتي أعلاه من آب 2015 كتبت: “الوقفة الخامسة… مع اقتراح للناطق وزُلمُه.أليس عيبا عليكم هذا التخبيص؟! كيف تقبلون على أنفسكم تسويد وجه أكثر جيش أخلاقي في العالم بهكذا معطيات؟! هذه لا نقبل لكم إياها؟!
وفي وقفتي الأخيرة هنا أقول: اقتراحي أعلاه للناطق العسكري وزلمه يصحّ للمعلّقين والكتبة العرب مع بعض تصرّف: أليس عيبًا عليكم هذا التخبيص؟! كيف تقبلون على أنفسكم تسويد وجوهكم بهذا الجهل عداوة ما القراءة والمتابعة و\أو التحريض ولا فلاق إن كان المنبع جهلًا أو غرضًا؟!