مقال

مشروعية الزواج في ضوء الفكر الإنساني

د. محمد الأصمعي محروس
أستاذ متفرغ بكلية التربية – جامعة سوهاج
moh-asmay@hotmail.com

حرصت الشريعة الإسلامية على إبراز عددٍ من الأفكار المجتمعية الطيبة، والتي تتألف بها قلوب الأزواج، منها: التأكيد على أن صلة الزوجية هي صلة الجزء بكله، والكل بجزئه، فالأصل أن يَحْمِلَ كلٌّ منهما الآخر ويُكَمِّله ويسكن إليه، حيث يقول الله سبحانه وتعالي: بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (سورة الروم، أية 21)، ويقول سبحانه وتعالي: بسم الله الرحمن الرحيم (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ( سورة الأعراف ، أية 189) .
وقد شاءَت إرادة اللهَ سبحانهُ وتعالي حينَ خلقَ أوَّلَ البشرَ – آدم عليهِ السلام – أن يجعلَ معهُ شريكاً، فكانَ هذا الشريك هي زوجتهُ -حوّاء- التي خلقها الله من ضلع زوجها آدم عليهِ السلام، ودلالة هذا الخلق للمرأة من الرجل أنّها جزءٌ منه، وشريكةٌ له، يأنس بها، وتأنس بهِ، تحتمي وتسكُن إليه، وكانَ بحُكم الزواج بينهما أن جعلَ الله لهُم الذريّة التي نشأت فكانت سُنّةُ الخلق في ذريّة بني آدم أنَّ فيها زوجين الذكرَ والأنثى، وبينهما يكونُ هذا الزواج الذي تستقرّ بهِ النُفوس ويُحفظُ بهِ النسل. وفي هذا المجال ينبغي لمن يستطيع الزواج أن يتزوج امتثالاً لأمر الله ورسوله، وتحقيق العفة لنفسه ولزوجته، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: “يا معشر الأفراد من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” (حديث شريف، رواه البخاري، ومسلم: مجموع فتاوى بن الباز)، إذ أن الأسرة هي أساس بناء المجتمعات الإنسانية، وهي اللَّبِنة الأولى التي وضعها الله سبحانه وتعالي لاستمرار حياة البشر علي ظهر هذا الكوكب .
إن مشروعية الزواج لها صلة مباشرة بأمن المجتمعات الإنسانية، حيث إن غياب هذه المشروعية ينتج عنها أضرار كبيرة ومفاسد خطيرة، والتي لا تتوقف عند حد ولا تقتصر على فئة دون فئة، فالزواج هو الوسيلة الشرعية الأكثر أمناً لحفظ العنصر البشرى من الانقراض، وهو سنة كونية، إذ إن الزواج هو علاقة مقدسة تجمع بين الرجل والمرأة. ويجب أن تبنى هذه العلاقة على أساس متين وقوي من الأمن والأمان، وعلي أن يسود هذه العلاقة سمات المحبة والتفاهم والترابط بينهم، كما يجب أن يفهم كلّ منهما الطرف الآخر، ويطمئن للحياة معه، وأن تكون الحياة الزوجية حياة سعيدة وخالية من المشاكل التي تنتج عادة من اختلاف في وجهات النظر، أو عدم قدرة أحد الأطراف على فهم الآخر . فإذا صلَحَت الأسرة في علاقتها بالله والاهتمام بتعاليم الدين ؛ انعكس ذلك على صلاح وانضباط أفرادها بلا شك، ويترتب على صلاح الأفراد صلاح المجتمع بأكمله؛ فالأسرة هي التي يتشرَّب منها أفرادها العقيدةَ والأخلاقَ ، والأفكارَ والعادات والتقاليد . وضمانًا لتطبيق واستمرارية هذه المعاني ، أكَّد الشَّرعُ الشريف على إحسانِ العِشْرة بين الزوجين حالَ تحمُّلِ كلِّ منهما لحقوقه وواجباته؛ فقال تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 228). وتشديدًا على ما لهذا العقد من قدسية ومكانة، وتقدير واحترام، وصفه الشرع الشريف بأنه ميثاق غليظ؛ فقال تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النساء: 21)، لكي ينبِّه الزوجين إلي أن هذا العقد مستمر ومقاوم للعواصف الأسرية والأزمات الحياتية والصعاب المختلفة، ومحفزًا لهما على أن يأخذا على أنفسهما العهد والميثاق بأن يُحسِنَا العشرة فيما بينهما؛ مصداقًا وتطبيقًا لقوله عزَّ وجلّ: ﴿َعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ( النساء : 19 ) .
ومن الآثار الاقتصادية والاجتماعية عن مشروعية الزواج وتكوين الأسر لدي الأفراد أن الحياة الزوجية تُعتبر حقلاً تربويًّا خصبًا لتنشئة الأطفال علي حب العمل، وهي – أي الحياة الأسرية- أقدر على أداء الرسالة المنشودة نحو إتقان العمل، وإفادة المجتمع بما يضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بين أفراده، كما يتضح دور الأسرة في التربية الوقائية والرقابة على الأبناء، ويؤدي الزواج إلي إصلاح المجتمع والاهتمام ببناء الأسرة القوية والتي هي اللبنة الأولى في المجتمع. وفي طاعة الزوجة لزوجها وحسن معاشرته لها بالمعروف وعنايته بها الأثر الطيب على الأسرة، فاستمرار الحياة، وتعمير الأرض، والأبناء الصالحون امتداد لسيرة الزوجين بعد وفاتهما، وتعاون الزوجة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل ، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب ، وتدبير شؤون الحياة .
كما تظهر الحكمة من مشروعية الزواج من خلال الاستقرار النفسي الذي يتحقق للأسرة، والتي تُكون اللبنة الأساسية والهامة في بناء المجتمع السوي، ومن خلال هذا الزواج ينشأ الأولاد ذو النسب المعروف وتتحقق أهداف الحياة الزوجية من الراحة النفسية والطمأنينة والرحمة ، لقوله تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم َّموَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم، آية 21). كما أن الزواج يبعث الطمأنينة في النفس، ويحصـل به الاستقـرار والأنـس وهو ســكن الــروح، ويقضي على مشاعر الخوف والوحدة والقلـق والضيـاع وأنه بــاب للــرزق والغـــنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى