أخبار

شهر رمضان في كتابات الروائيين والقاصين

كتبوا عن مظاهره وطقوسه وسلوكياته وتأثيره في الناس

تحقيق: مصطفى علي عمار

محمد جبريل:”بحري من أول وجديد”، يحكي احتفالات سرايا قصر التين والحلوى والصواريخ
بشرى أبو شرار: في روايتي “قمر في الظهيرة” سجلت كثيرًا من ملامح الشهر الفضيل
د. منير فوزي: في قصته “رمضان جسّد يوسف إدريس التجربة الأولى لصيام الأطفال
د. عبدالله خزعل: ملامح الشهر المبارك موجودة في طيات ثلاثية نجيب محفوظ
عباس طمبل: لمنزلة لشهر الكريم في نفوس النخبة الثقافية جسدوا طقوسه وأثاره في أعمالهم
د. سليمان جادو: برواية “رمضان حبيبي” لـنجيب الكيلاني، أحداث تاريخية ورسائل قرآنية عدة
د. أيمن دراوشة: “في بيتنا رجل” قُدّمت مظاهر رمضان كجزء لايتجزأ من حياة المصريين اليومية

ما نظرة كُتّاب القصة والروائيين المصريين والعرب لشهر رمضان الفضيل؟ وهل عبرت قصصهم ورواياتهم عن موقعه في قوب أبطال أعمالهم؟، وما الصورة التي للطقوس والاحتفالات التي ترافق هذا الشهر الكريم، وكيف؟….حملنا هذه الأسئلة لمجموعة من المبدعين والنقاد العرب، ليجاوب كل منهم عليها، سواء عبر ما قدموه هم شخصيًا من أعمال، أو عبر ما قرأوه لأعمال آخرين .. وكانت هذه إجاباتهم.


افتتح الكاتب الصحفي والروائي الكبير محمد جبريل الحديث بقوله: سجلت بعضًا من ذكريات أيام وليالي شهر رمضان في كتابي “بحري من أول وجديد”، وهو كتاب جديد لم ينشر بعد، يضيف جديدًا إلى كتابي” الحنين إلى بحري” الذي يعني بمظاهر الحياة في حي بحري بالإسكندرية، حيث يتحدث عن العادات والتقاليد في استقبال أبناء بحري، والإسكندرية عمومًا، للمناسبات المهمة، والدينية بخاصة، وقد تركت الإسكندرية دون أن أعرف: هل كان مدفع الإفطارينطلق من كوم الدكة، أو من السلسلة، أو من قلعة قايتباي؟
وقد تعددت مظاهر احتفالاتنا برمضان خارج البيوت، الفوانيس – عقب الإفطار – تهتز في أيدينا، وأصواتنا تعلو بالغناء: الدكان ده كل عمار.. وصاحبه ربنا يغنيه، وإذا رفض صاحب الدكان أن ينقدنا المليم الذي ننتظره، تحولت الأغنية إلى نقيض كلماتها: الدكان ده كله خراب.. وصاحبه ربنا يعميه.. ونجري.
وكان سوق العيد يشغل مساحة ميدان الخمس فوانيس، يتفرع إلى الشوارع الجانبية فلا نستطيع أن نتبين النهايات: بشر وزينات وألعاب وصخب لا يتذمر منه السكان، فالمناسبة روحية، تخص الجميع. يبدأ سوق العيد قبل بداية رمضان بحوالي عشرة أيام، تمتلئ المساحة المتبقية من سوق العيد بالمصلين، لأداء صلاة التراويح. يمتد إلى ما بعد أيام عيد الفطر، أسبوعان أو ثلاثة، ثم يعود إلى الميدان قبل عشرة أيام من عيد الأضحى.
وربما صحبتنا أمهاتنا إلى حديقة سراي رأس التين، يستمعن إلى تلاوات القرآن الكريم من مصطفى إسماعيل والشعشاعي والحصري وشعيشع، ويتنازلن لنا عما يوزعه خدم القصر من حلوى ومشروبات، بينما نلعب نحن بين أشجار الحديقة الشبيهة بحدوة حصان هائلة. نحتمي بجلال المناسبة من تحذيرات الأمهات، وتهديدات حاشية الملك بأذيتنا!
وما أزال أذكر انطلاق الصواريخ الملونة من ناحية السلسلةفأعرف أن المناسبة هي المولد النبوي، أو عيد شم النسيم، أو عيد ميلاد الملك.
إما العيد.. فكنا نشم رائحته قبل أيام من قدومه، يصحبنا أبى إلى شارع الميدان، نشترى “النقل” وملابسنا الجديدة، ونضع الملابس إلى جوارنا على السرير، نصحو على أصوات التكبيرات فى جامع سيدى على تمراز، نطل من النافذة الخلفية على المصلين وهم يفترشون ميدان الخمس فوانيس المواجه للجامع ..
تنتهى الصلاة، فيحل فى الساحة الواسعة سوق العيد: المراجيح والحاوى والأراجوز وصندوق الدنيا والنشان والزحام الذى يتزايد حتى يملأ الميدان.
تعيننا أختى التى تكبرنى بخمس سنوات على ارتداء الثياب الجديدة، ونقفز درجات السلم، يطلب أخى أن أظل بالقرب منه كيلا أتوه، ثم نخترق الزحام.


وعلى منوال جبريل تتحدث الكاتبة الفلسطينية والروائية بشرى محمد أبو شرار في الفصل الخامس من روايتها “قمر في الظهيرة” عن ملامح الشهر الفضيل، تقول: لن أضيف سطور مأساة لا تنته لنجد أنفسنا بين سطور قمر في الظهيرة، فالبطلة ودعت رمضان من يوم أن رحلت عن وطنها وهي تبحث عنه، هناك حيث آذان المغرب من القدس الحبيبة.
– من لا يعرف شهرًا محببًا إلينا, نصوم فيه عن ملذات الجسد والشهوات, تسمو الروح فينا, يصير الجسد مطواعًا لنفس تعف عن الدنس، شهر نحب فيه تغيير مواقيتنا, وطقوس قهوتنا الصباحية, نذهب للمساء وهوى يصاحبنا لملاقاة وجوه نحبها, من قيام الليل إلى طلوع الفجر, يتبدل حال الشهر على عتبة دارها من بداية اليوم تصير الأمور مثيرة للدهشة, بكل اهتمام يسألها:
– ماذا ستطبخين اليوم؟ لك أن تنتبهي إنه “رمضان”.. أريد كل شىء على ما يرام, وفي الموعد المحدد.
بنبرة ذاوية تسأله:
– ماذا تطلب؟.. هل تحدد؟..
– أنا أول يوم أحب أصنافًا كثيرة: بط وملوخية, صينية رقاق مع الحساء, وطبعا قمر الدين, هنا لا تخلو أي مائدة من الخشاف.
– ماذا تعني بالخشاف؟
– مجموعة من الفواكه الشامية المجففة, لها طريقة خاصة بها, تنقع في شراب قمر الدين, وتقدم كحلوى.
– كل هذا في يوم واحد؟!
– هذه عادات لا أحب أن أغيرها, أنا حريص عليها, انتبهي لهذا جيدًا.
في أول يوم من رمضان, ومع بداية النهار, تحوم في مربع المطبخ, والحاجيات متكومة أمامها, كل صنف فيها يحتاج لرحلة تقتفي خطاها لغاية الوصول, بماذا تبدأ؟.. كيف تنتهي؟.. لم يستهوها المطبخ يومًا إلا لوجود أمها فيه, تحب وقفتها, تحضر وتجهز, وتحبك الأقاصيص, مع اقتراب انتهائها كانت تقتفي خيوط حكاياتها, ترقب ملامح وجهها, كيف تتبدل بتغير الأحداث وتناميها, لا تشعر بها كيف بدأت, ومتى انتهت, تسحرها حكايات أمها, وغفلت أن تدقق في طريقة طهيها, كل ما تذكره مذاق طعامها, واليوم تقف وحيدة في لجة من الحيرة, ترفعها وتلقي بها كما الموجة على نتوءات صخرية, تقف وكأنها ترى الأشياء لأول مرة, عيدان الملوخية المتدلية على المسطح الرخامي, لفافة القطائف حبيسة حرارتها, أكياس السكر لتعقد منها شراب العسل, وكنافة ذات خيوط ملتفة لم تصنع أمها مثلها قط, في “فلسطين” لها شكل مغاير, فلا تصنعها ربات البيوت, تشترى جاهزة, لفة الرقائق تتهشم من لمسة إصبعها, كيف تفردها, وهي لا تملك سوى إنائين في مطبخها وصينية تعيسة ؟!
عقارب الساعة تزحف نحو الغروب, والقادم الجائع من صوم ساعات طويلة في زحام الوقت, التقطت مذياعها الصغير, تدير مفتاحه, تبحث عن صوت “القدس” وحديث “أبو جرير” قد يعيد إليها بعضًا مما غاب ومضى, تسأل: “هل صار رمضان أكوامًا من أصناف تشكلها, لتعيدها وجبات على مائدة طويلة, يجلس أمامها شخص واحد؟!. وهل ودعت “رمضان” هناك؟ “.. جلوس أبيها وهم متحلقين حول مائدة الإفطار, يعلمهم أدعية تخص الصائم, وأن الإنتظار حول المائدة له أجره, وهمس إخوتها عن لحظة البدء بسماع المدفع”..
هنا يؤرقها سماع وقع أقدامه على درجات البيت, يبدأ السجال, وكيف أعادت تشكيل مائدة رمضانية, شراب قمر الدين, عرق سوس, قصب السكر, ووعاء فول ساخن أعدته كما طلب منها, خبز شوحته بنار الفرن .. اعتدل في مجلسه, يزفر أنفاسه استعدادا للبدء, وهي ظلت على وقفتها, لم تشد مقعدًا تجلس عليه, ظلت ممسكة بلحظة, تراقب تعليقاته على ما صنعته بيدها, لم تسمع منه أدعية ولا بسملة, صار في قلب المائدة دون مقدمات, قطع صوت إزاحة الأطباق, وقرقعة الملاعق والأكواب صوته الآخذ في استرساله:
– ما بال الملوخية قوامها غليظ ؟!.. الرقاق سميك أيضًا.
أزاحها بيده, يخاطبها بلغة آمرة:
– أعيديه للفرن مرة أخرى, هاتي كوب قمر الدين.
رشف رشفتين:
– ينقصه شىء ما, بالأمس شربت عند بعض الأصدقاء فكان له مذاق آخر, لا يزال في فمي إلى الآن..
زفر زفرة نزقة من قاع أنفاسه, تتأرجح نظرته على إناء زجاجي يضج بحبات القطائف, أشار لها بيده متسائلًا:
– ما هذا ؟!. لا أحبها هكذا, ما هذه القطائف؟!.. أنا مثل أبي, كان يحبها عصافيري.
ألجمتها الدهشة, تمتمت:
0عصافيري !!..
– اسألي عنها, لا تعيدي وتكرري ما حدث, أحبها عصافيري, سمعت؟
نسيت أنها تصوم كما الآخرين, ترشف من أبريق الماء رشفة واحدة, تندي ريقها, تنكفىء على روح معذبة, تصوم ولا يزورها جوع ولا عطش, تفني كيانها في ثلاثين يومًا, مطبخ, وإنائين وصينية مسكينة, تدخلها الفرن مرات ومرات, ترفع الرقاق, لتحل مكانه القطائف المحمرة, صينية لا تهدأ عن النار ولا النار تهدأ عنها.
تنظر نتيجة الحائط, تشد الورقة الأولى, سقط اليوم الأول, ومضى بعذاباته, كيف تستمر الأيام الباقية من الشهر؟ ويوم آخر من أيام القيظ, تناول إفطاره الرمضاني في السابعة, تذكرت أنها صائمة في التاسعة مساءً, بعد أن تلم الموائد, وتبدأ أوقات السمر, تكون قد تهالكت على أريكتها, ومسلسلات لم يعد لها بهجة انتظار المواعيد, والتقافز بين طيات أثيرية, تأخذها من حكاية إلى حكاية..


ويحدثنا الناقد والأكاديمي د. منير فوزي عن شهر رمضان وملامحه كما عاشها الطفل فتحي بطل قصة (رمضان) للأديب الكبير د.يوسف إدريس بمجموعته القصصية (جمهورية فرحات)، وتتناول القصة تجربة طفل في العاشرة من عمره اسمه (فتحي) يثور جدًا على الكبار وعلى أبيه بشكل خاص، ذلك أنه طلب من أبيه قبل ثلاث سنوات أن يأذن له بالصوم، لكنّ أباه رفض قائلًا إنه لا يصح له الصوم قبل بلوغه الثامنة، فكظم غيظه وانتظر عامًا آخر، ثم أخبر أباه برغبته في الصوم هذا العام، فقال له أبوه: لا صيام لمن لا يصلي.. يظن (فتحي) أن المسألة بسيطة فيذهب للمسجد ليتوضأ من الحنفيات، وكلما فعل شيئًا من أركان الوضوء تلقى من الرجال الناظرين له إرشادات وتنبيهات، تكشف عن عدم معرفته الجيدة، فإذا ما وقف ليصلي واجه الصعاب الأشد التي تجعله يتراجع للصف الأخير.
ولأنه كان من الضروري أن يصوم فتحي، بعد موافقة الأب، وكان عليه أن يخوض التجربة، مندفعًا لنشر الخبر متباهيًا متفاخرًا، لكن تجربة الصوم تكشف عن صعوبتها، ومعاناتها، مع أول سحور، حيث لم يجد فتحي فيه ذلك البريق الذي أحرق خياله أيامًا وليالي، وينام فتحي ثم يصحو وفي عقله حقيقة واحدة: ألا يسهو ويشرب؛ فقد حذره أبوه مرارًا وتكرارًا.
ويمضي الوقت ويشعر فتحي بجفاف في فمه وبتغير في طعم حلقه، وأنه عطشان، ويتذكر أنه صائم ولا يجوز له شرب الماء، فتتزايد المعاناة، ووقتها يبدأ في التململ من الصيام مدركًا وعورة الطريق الذي سلكه.
ويتبقى خمس ساعات طويلة حتى يحين موعد الإفطار، ويسمع فتحي صوت ماء حنفية المطبخ مندفعًا؛ غير أنه يتماسك رافضًا أن يترك الماء متدفقًا في فمه، ويفكر في شرب الماء من القلة خفية دون أن يراه أحد، لكن رمضان من المؤكد أنه سيعرف لأنه يرى الناس ولا يرونه، ويعرف إن كان يفطرون أم لا.
ويرتسم رمضان في مخيلة فتحي كائنًا هائلًا في حجم الدنيا كلها، يجلس على عرش من ذهب وألماظ، بعيدًا خلف الشمس، يعرف من الصائم ومن المفطر، ويميز بينهما فيبطح المفطر بأن يلقي عليه حجرًا يصيب منتصف جبهته ليسيل دمه!
ويرتعش فتحي من هذه الرؤيا، ويفيق، ثم يقرر بعد خوف أن يأخذ القلة إلى غرفة الجلوس ويتذوق قطرة واحدة من الماء، ويرفع القلة ويفرغها في جوفه دون أن يصيبه رمضان وحجارته بأذى، ويتعجب كيف لم يفطن من قبل أن للماء مثل هذا الطعم الحلو الساحر.
ويعود إلى جلسته في الصالة وشعور يتملكه بأن هناك كارثة ستحدث بسبب تصرفه، متوقعًا أن تحل الكارثة في العصر، أو المغرب، غير أن المغرب والعشاء يمران، وقبل أن ينام يضربه أبوه علقة ويتبين له أن هذا العقاب لأنه كسر زجاج المنبه وليس من أجل إفطاره.
وينتظر فتحي أن تحلّ المصيبة في الأيام التالية ولكنها لم تحل؛ حتى ضبطته أمه وهو يشرب ذات يوم، فأنبته وعنفته، وظن فتحي أنهم سيقولون عنه إنه لا يستحق الصيام، ويجعلونه يفطر، لكنهم قالوا عنه إنه فسد وضربوه علقة اضطر معها أن يواظب على الصيام؛ لا خوفًا من رمضان وبطحاته، بل لخوفه من أهله الذين باتوا يعرفون كل شيء عنه وسيتولون أمر عقابه وبطحه دون رحمة.
جسّد يوسف إدريس التجربة الأولى لصيام رمضان عند الأطفال، فكشف عن عمق الانفعالات، وتفاقم الصراع في نفسية الطفل، تجاه ما يمليه عليه الواجب، وما تحتمله قدراته، وأبرز المعاناة في مختلف جوانبها الداخلية والخارجية، من خلال سرد تصويري تتابعيّ، أحسن فيه الكاتب تقمص حالة الطفل، وعبر من خلاله عن أزمة الضمير أصدق تعبير.


ويرى الناقد العراقي د. عبد الله خزعل أن ملامح الشهر المبارك موجودة في طيات ثلاثية نجيب محفوظ الكاتب الذي لم يبق شيئًا من تقليد أو عرف إلا وجسده في كتاباته، وإن كان مقلًا في تجسيد ملامح الشهر الفضيل في رواياته، لكن أشار إلى الشهر الفضيل من خلال حوارية بين أختين في رواية بين القصرين، وتشير الكبرى إلى تمويه أختها الصغرى وتدليسها في كونها تأكل خلسة في نهار شهر رمضان، وفي المساء تلتهم بشراهة غير معتادة الأكل على مائدة الإفطار.. لعل انغماس نجيب محفوظ بقراءة الكتب الصوفية والانعزال في شهر رمضان جعلته يقلل من تجسيده في كتاباته، ويبقى الشهر المبارك له صفاته وميزاته التي تجعله شهرًا مميزًا عن غيره.


ويشير الكاتب السوداني عباس طمبل عبد الله الملك إلى أن للشهر الكريم منزلة قيمة في نفوس النخبة الثقافية، والكُتاب، ووظفه نجيب محفوظ بروايات عديدة كالثلاثية، وغيرها، وفي عمله النثري القصصي “خان الخليلى، إذ قدم فيه العديد من مظاهر الحياة الإجتماعية الشعبية للاحتفالات برمضان، محاولًا تجسيد تفاصيل حياة الأسرة المصرية، فالشخصية المحورية وبطل الرواية الموظف”أحمد عاكف”ينتقل من حيز مكاني حي “السكاكينى” لحيز مكاني آخر حي “الحسين” الممثل جزء من إسقاط الواقع المعاش على ثنايا النص الأدبي، وفق نظرية الإنعاكس لجورج لوكش القائلة:”إن الأدب إنعاكس للواقع المعاش”.
وجسد محفوظ الجانب الإجتماعي بدور(الأم) ووظفه في عمله، كأنموذج للمرأة المصرية بالتالي العربية المستخدمة في الحوار كليمات تعبر عن عفوية المرأة، لإقناع ابنها “أحمد عاكف” للظفر بكلفة احتياجات رمضان، سنقرأ ذاك المفهوم في السرد، وحوارهما:
«واقترب شهر رمضان فلم يعد بين هلاله وبين الطلوع سوى أيام قلائل، ولكن رمضان لا يأتى على غرة أبدًا، وتسبقه عادة آهبة تليق بمكانته المقدسة، ولم تغفل أم أحمد عن ذلك… فجعلت منه يومًا حديث الأسرة، قائلة: إنه شهر له حقوقه كما له واجباته، وكان قولها موجهًا لأحمد، فأدرك مغزاه، وقال مدافعًا عن نفسه: رمضان له حقوق ما فى ذلك من شك، ولكن الحرب ضرورة قاسية جارت على جميع الحقوق!ردت والدته بعصبية: لا قطع الله لنا عادة… والنَّقْلُ والكنافة والقطائف؟ (النَّقْلُ: ما يُتفكَّه به من جَوز ولوز وبُندق ونحوها).
مما لا شك فيه إن الجانب الإجتماعي الموظف في الرواية متماهي مع روح النص السردي، والمتنفس حب الناس للشهر الكريم، مع عدم نسيان الجانب الروحي ومظاهر الاحتفالات الروحية في المساجد، فصلاة التراويح تمثل سمة من سمات الاحتفالات في الأحياء الشعبية، مع الخيم الرمضانية المعجة بالحياة الشعبية، المعبرة عن وقع الشهر الفضيل الطيب في نفوس الناس، وكل يحتفل برمضان بحسب مفهومه وطريقته، فروايات نجيب محفوظ مثلت جزءًامهمًا يعكس صورة الحياة العامة.. وننتهي بسؤال:
هل تصفد شياطين الدفوقة السردية كما تصفد الشياطين بسلاسل من حديد؟!


ويكشف الناقد د. سليمان جادو شعيب أن رواية “رمضان حبيبي” لـ نجيب الكيلاني،اشتملت على الكثير من الأحداث التاريخية، والرسائل القرآنية، والمقاطع الشعرية، وبعض المواقف الاجتماعية، وغيرها.
ويتميز أسلوب الكيلاني بالتحليل الدقيق وشعوره الدائم بالمسؤولية تجاه القارئ، والذي جعل كل أعماله ترقى لغرس القيم وتربية السلوك وتهذيب النفوس، وتتسم بالوضوح وتهدف لزيادة الوعي والتحليل الدقيق والبعد عن الفهم الخاطئ.
و”رمضان حبيبي” من الروايات التاريخية والإسلامية، وتتحدث عن حرب أكتوبر التي حدثت في يوم العاشر من شهر رمضان. وقد ذكرت الرواية حال الشعب المصري في ذلك الوقت، وركزت على مشاعره قبل الحرب وبعدها، ولم يتطرق الكيلاني كثيرًا في حديثه عن الجانب السياسي والعسكري لتلك الحرب.
تحكي الرواية قصة الشاب أحمد، والذي كان مجندًا في حرب أكتوبر، وكان قلبه مطمئنًا بالله وواثقًا من نصر الله له ولزملائه من الجنود البواسل الذين شاركوا في تلك الحرب. كذلك ذكرت الرواية جزءًا من حياة والد هذا المجند، والذي شارك في حرب فلسطين، وناضل ضد الإنجليز في بلده.


ويرى الناقد الأردني د. أيمن دراوشة أن رواية “في بيتنا رجل” للروائي الشهير إحسان عبد القدوس،جسدت المظاهر الرمضانية كجزء لا يتجزأ من الحياة اليومية في المجتمع المصري، ولم تكن تلك المظاهر اعتباطًا في الرواية أو حشوًا لا فائدة منه، بل كانت تلك المظاهر شخصية رئيسية من شخوص الرواية، وربما تفوقت على الشخصية الرئيسية إبراهيم حمدي أيضًا.
واستطاع إحسان عبد القدوس توظيف عادات ومظاهر الشهر الكريم بكل براعة في روايته،بربطها بالأحداث من البداية وحتى النهاية.. فالصوم والصلاةجزء أساسي من حياة الشخصيات في الرواية، تظهر المشاهد التي تصف إعداد الطعام لوجبة الإفطار والاجتماع العائلي حول المائدة، بالإضافة إلى تقديم الصلوات الخمس في مواقيتها المحددة.
التضامن والتكافل الاجتماعي: يُظهر رمضان في الرواية كفرصة للتضامن والتكافل الاجتماعي، حيث يقدم الأشخاص يد المساعدة والدعم للمحتاجينفي هذا الشهر الفضيل
التغيير في السلوك والأخلاق: يتم تسليط الضوء على التأثير الإيجابي لرمضان على سلوك وأخلاق الأفراد، حيث يسعون إلى تحسين أنفسهم والابتعاد عن السلوكيات السلبية.
الروحانية والتأمل: يتم تسليط الضوء على القيم الروحية لرمضان، مثل التأمل والتفكر في الحياة والتقرب إلى الله، ويتم احترام هذه القيم في تفاعلات الشخصيات داخل الرواية.
الفرح والاحتفالات: تظهر في الرواية مشاهد الفرح والاحتفالات في شهر رمضان، حيث تتجمع العائلات والأصدقاء للاحتفال ومشاركة الفرحة معًا.
فن التصوير: يُصوّر عبد القدوس شخصية إبراهيم بالشخصية الوطنية والدينية والثائرة على الخونة والفاسدين،حتى يستشهد مثبتًا على قيم الصوم والصبر والتفاؤل والتضحية.
كما تظهر سامية كشخصية تتمتع بالروحانية والحنان والتفاؤل، وهي تعبر عن محبتها للحياة وإبراهيم..
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر تفاعل إبراهيم وسامية مع بعضهما البعض خلال شهر رمضان وكيف يعزّز الشهر الفضيل العلاقات الإنسانية ويؤثر في تطور الشخصيات وتبادل المشاعر بينهما، مما يجسّد روحانية هذا الشهر وتأثيره العميق على الحياة الشخصية والاجتماعية.
وإذا كان الصوم هو الامتناع عن الاكل والشراب امتثالا لأمر الله عز وجل، فإن الشعب صام عن الثورة حتى استشهاد إبراهيم حمدي ليكون الإفطار حرية الشعب المقهور ضد حكم الإنجليز المستبد.
بشكل عام، تصوّر رواية عبد القدوس مظاهر رمضان كجزء مهم من الحياة اليومية في المجتمع المصري، وتبرز دوره في تعزيز الروحانية والتضامن الاجتماعي بين الأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى