أدب

أين التنظير في أدبنا العربي؟!

عمارة إبراهيم| شاعر وناقد مصري

       يوجد أكثر من خمسين نظرية تمثل العمل الإنساني في العالم، يستفيد منها الأدب العالمي؛ تتعدد فيها الموازين النقدية ومقاييس دراساتها وقد غيرت وأثرت في تطور الأدب في العالم كله منها: “الأسلوبية، والانثروبلوجية، والانطباعية، والانفعالية التي ابتكرها أفلاطون، ثم تتطور النظريات مع التطور السياسي والاجتماعي فتأتي النظرية البنيوية، والتاريخية، والتجريبية، والتجديدية، والتعبيرية، والتفسيرية، الحداثية، والكلاسيكية، والواقعية…. الخ”..هذه النظريات التي طورت من بنية وأسلوبية العمل في الأدب العالمي واستفاد من بعضها أدبنا العربي بالطبع. ولم تكن وليدة الحضور من دون تأسيسات لها معرفية، تم وضعها في التحضيرات المعملية وحظيت بسنوات عمل شاق استخدم فيها منظروها أدواتهم التي حققوا منها الإثبات العلمي الذي نفع البشرية.

   وفي عالمنا العربي كان العلم التنظيري في المجالات الاخري من غير المجال الأدبي متسعة وقد استفاد العالم منها أكثر من استفادة العرب منها بسبب الصراعات السياسية والعقيدية والقبلية، مما دفع النقد الأدبي إلي الاستعانة ببعض التنظيرات العالمية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد دفع ذلك بعض الأدباء وليس النقاد أن يعملوا وحدهم في اجتهادهم الشخصي وكان لوجود بعضهم في العمل الأكاديمي والصحافي فرصة الانتشار الذي لاقي عداء شديدا من الجهات الدينية والكثير من سلفي ثوابت العمل الأدبي في اجهاض هذه المحاولات؛ فقد شرع طه حسين في ابتكار النظرية الانتحالية التي شككت في شعر ما قبل الإسلام وواجهه الأزهر وبعض الأدباء ولم يستفد الأدب العربي من وجهة نظري منها، حتي مدرسة الديوان التي قام عليها العقاد والمازني لم يتحقق لها العمل والانتشار، ثم بدأت في خمسينيات القرن العشرين بعض الاجتهادات في مضمار العمل النقدي، التي احتفت بالتطور الشعري في أبنيته وأخيلته، ولغته وفنه وأحواله، كان منهم؛
المندور، العشري،الراعي وغيرهم البعض ممن اجتهد وقدم لنا اجتهاده النقدي المهم.

      لكنني بحثت ولم أجد تنظيرا جديدا يمثل تطور أدبنا العربي وخاصة في الشعر من واقع لغته وبيئته وثقافته خلال هذه الحقب الزمنية الأخيرة والمعاصرة،اللهم إلا بعض الاجتهادات التي وجدتها من بعض النقاد المصريين والعرب القلائل، ومن قبلهم بعض الشعراء من سوريا ومصر والعراق وقد لاقوا الهجوم ولم ترتكن هذه الاجتهادات إلي التوثيق العلمي في الأكاديميات المتخصصة؛ فتصبح أحوالنا عراكا وتهكما وتضييقا من كل الذين امتلكوا مقعد عمل في الدرس التخصصي الرسمي والنقدي ضد من يجتهد ويعمل في هذا المضمار، ولا عزاء للشعر العربي وشعرائه.

ملحوظة:

تعددت المؤتمرات مؤخرا عن الشعر المعاصر، ومؤخرا وجدت مؤتمرا يحتفي بقصيدة يجب أن تتسع لها فضاءات استقبالها اخلاقيا والعمل الجمعي من كتابها علي انتشارها؛ فلم أجد فيه غير الاحتفاء والحب القليل والأمسيات الشعرية.
لكن الكارثة الأكبر أن برنامج المؤتمر شمل محورين في فعاليات جلساته الأول عنها والثاني عن الشعر المعاصر وكأن لا ارتباط بين المعاصرة وبين هذه الكتابة التي يجب أن يكون العمل المؤتمري فيها تتسع منه فضاءات العمل في التنظير الذي يخصها والشعري فيها.

إذن علينا امتلاك جرأة مواجهة أنفسنا بسمو الأخلاق وتفوق العمل حتي نكون أو لا نكون.

والكارثة الأكبر؛ وأنا أقرأ للبعض هنا علي حوائط صفحاتنا أو في بعض الدوريات الثقافية أن النظريات العربية هي من ساهمت في تحقيق نهضة أدبية عربية كبيرة؛ بحثت عنها فلم أجدها!.

ملحوظة أخرى:
أردت من منشوري هذا ومن سابقه في مضماره أن أقدم رؤيتي الخاصة وربما كنت فيها مخطئا أو جاهلا العمل فيها، ولم أذهب إلي نقد زملاء أصدقاء أو أن أقلل من علمهم أو من كتاباتهم الشعرية وأكن كل الحب والتقدير لهم ووجهتي في ذلك أن أتعلم من الجميع قبل أن يذهب الآخر مني إلي لغة أخري لم أقصدها ولا أخلاقي تقبل الفيض فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى