أدب

سكر

قصة قصيرة

فوز أبو سنينة / الأردن _ إيطاليا

من المجموعة القصصية “سجون خاصّة”

كانت تحفر بيديها على إيقاع لهاثها المتعب الفزع، وخفقات قلبها التي تراقص الدموع على سطح الخدين المتعبين.. كيف يمكن لحفرة ضئيلة في “خرابة” صغيرة أن تدثّر كل الفرح والحياة وتغيبهما؟

أكملت أسماء حفر التراب الذي كانت تتسلل إليه دموعها، علّها ترافق الجسد الصغير في نومته.. كانت يداها ترتعشان من الظلام، ومن الأصوات الغريبة التي تخرج في المساء وكأنها أشباح كائنات لا ترى إلا بعين الخوف.. كانت تغطي بَرَد الخسارة بطرف كمها، تمسحه عن وجهها كل دقيقة.. ثم بدأت تخاطب جسده كما اعتادت أن تفعل بين جدران المنزل الذي جمعهما:
– أنا لن أتركك يا سكر.. سأزورك كل يوم يا حبيبي.. كل ليلة.. سأضع معك كُرتك المفضلة، وفأرتك، وغطاءك الصغير المليء بالفراشات الملونة.. أنا آسفة يا صغيري.. كان عليّ أن أوقع على ورقة نومتك الأبدية، فجسدك الصغير لم يعد قادراً على تحمل صرخات المرض.. هل سامحتني يا سكر؟ يا رفيق الأيام الطويلة الخالية؟

قطع، سيل كلماتها، شهقة باكية ترافقها وهي ترفع الجسد الصغير المسجّى بجانبها وتحتضنه للمرة الأخيرة.. اشتمّتْ رائحته التي طالما ذكرتها برائحة الفراولة في الربيع، داعبت شنباتُه خدها كما كانت تفعل دائماً، فتبلل شعر سكر الصغير بدمعها.. لفّته جيداً بغطائه،
و وضعت معه ألعابه الصغيرة، ثم غلبها البكاء وهي تعيد التراب الأحمر إلى مكانه، تملأ به نفس الحفرة التي أفرغتها منذ دقائق..

لم تعد تسمع في المكان الخربشات التي سمعتها قبلاً، ولم تعد ترى الأشباح تتحرك في الزوايا، فلقد أعماها قلبها المدمي عن كل شيء، إلا عن زلزال ألمها الذي كان يهز كيانها ويدمر في مروره ما بقي من آمالها..

رحل سكر أنيس وحدتها، ورفيق ليالي السهر الطويلة منذ أن بقيت وحيدة دون سند أو عائلة، في هذا المكان المنسي بعشوائية على حاشية الحياة.. انتهت من وضع علامة على القبر الصغير، وعادت أدراجها بصمت متوجس، تقطع الساحة الفارغة المليئة بأكياس قمامة عرّتها أنيابٌ ومخالبٌ وقطع زجاج مبعثرة وكأنها نجوم الأرض.. مشت حتى وصلت إلى الشارع الترابي الصغير، فانعطفت يميناً تعد الخطى.. وعندما صارت أمام الباب الخشبي المهترئ للعمارة الزرقاء باهتة اللون، صعدت الدرجات بهدوء تتحسس طريقها واضعة يدها على الحائط المسود.. سمعت باباً يفتح، كانت السيدة ميسون العجوز والتي صاحت بحشرجتها المعتادة:
– من هناك؟
لكن أسماء صمتت عن التنفس ولم ترد..
أعادت السيدة ميسون سؤالها مرة أخرى، ضربت كفاً بكف ثم أغلقت باب شقتها وهي تلعن هذا الزمان الذي مات فيه الخجل والحياء..
وعندما وصلت أسماء إلى شقتها، فتحت الباب بحذر شديد، ودخلت إلى منزلٍ بدا لها فارغاً، لا روح فيه ولا حياة دون قفزة سكر المتوثبة أمامها لاستقبالها.. كم ضحك منها الجيران ولاموها على إيوائها هذا القط اللقيط المسكين الذي وجدته يوماً أمام بوابة العمارة، صغيراً عاجزاً بين لكزات أطفال الحي المستكشفة.. حملته برفق بعد أن أبعدت عنه الأطفال المعترضين، وتجاهلت الأبواب المفتوحة والشبابيك المشرّعة للعمارات المقابلة وهي تستهزئ بها وبقلبها الذي ينتفض لهذا الكائن الهش الضعيف لأنها ببساطة كانت عاجزة عن الإنجاب…
– أنظروا إليها!! يا حرام.. فعلاً الولد غال..
– سيدة مجنونة.. لقد أفقدتها الوحدة عقلها..
– اعتني بأطفالنا إذا كنت ترغبين بالاعتناء بأحدهم
كانت هذه بعضاً من التعليقات التي سمعتها يومها ولم تعرها اهتماماً.. إذ إنها أغلقت خلفها الأبواب والنوافذ على أصواتهم وهرعت تفحص القط الصغير المتشبث بالحياة بأظافره التي لم تقسُ بعد… طببت جراحه بما لديها من أدوات، ثم أعطته بضع قطرات من الحليب في سرنجة، لفّته ببطانية صغيرة وجلست تتحسس الزغب الذي يغطي جسده علّها تهبه بعض الدفء.. ظلت ساعات طوال أمامه تراقب كلّ رمشة وخفقة من جسده وهي تهمس له بكلمات تنسكب من فمها دون وعي..
واستمرت على هذا النحو لا تفارق القط الصغير أياماً، حتى استيقظت ذات صباح على صوت مواء خافت، فتحت عينيها لتجد أمامها عينين صغيرتين تحدقان إليها من وجه حلو كالسكر.. ابتسمت يومها رغم تعبها وانهالت عليه تشبعه حناناً، ويشبع هو قلبها أمومة وإحساساً لذيذاً بالوجود.. لم تعد تهتم لكلمات الجيران الجارحة، وصراخ السيدة ميسون الذي يندس في الهواء كسمّ، أو حتى لنظرات السيد هشام مالك العقار القديم حيث تسكن، والذي كان يطالعها بشهوة مقززة، ما لبثت أن انقلبت إلى سخط بعد أن رفضت أن تفصّل له ثوباً من جسدها.. لم تعد تهتم لوجودهم فلقد ذاب في قلبها سكر فحلوّت به أيامها..
لكن، كان في طريق فرحها زاوية مخفية، انقض منها مارد أسود، أعلن بعد فوات الأوان عن وجود منعطف خطر، قد تخسر بين ثناياه الروح أو الجسد أو كليهما معاً.. مرض سكر بعد سنوات طويلة شعرت خلالها بأنهما سيبقيان معاً إلى الأبد.. ذاك الأبد الذي عجّل في الحضور على حين غفلة.. صارع سكر الألم، هاجمه بمخالبه القوية وقضمه بأسنانه الحادة، لكنه كان أقوى من فريسة مطاطية أو كرة من قماش، فانصاع متعباً لأوامره وأسلمه جسده الصغير يعثو فيه فساداً كما يشاء حتى وقّعت أسماء بقلب مهدد بالانهيار ورقة الفراق في العيادة البيطرية.. انسكب دمعها غزيراً وهي تبكي وقد اجتاحتها الذكرى، وانكمشت على نفسها تضع رأسها على وسادة متشبعة برائحة سكر الغائبة ونامت، نامت وهي تنازع حزناً أقوى من أي حلم..

مرت الأيام فارغة على أسماء.. باردة، وطويلة.. أخذت القليل من السعادة في السنوات الماضية، لتنقلب بعدها إلى حزن طويل يسكنها بين هذه الجدران التي باتت تخنقها حتى لم تعد تطيق البقاء داخلها أكثر.. فخرجت هاربة من حزنها ذات مساء، تحمل معها كيس الطعام الناشف المتبقي من طعام سكر ومشت تتحسس الظلام، تنشد الساحة الترابية الفارغة والخرابة حيث تركت سكر بين الحيطان المتهاوية.. دخلت على حذر، وسارت وكأن أقدامها تعرف عدد الخطوات إلى سكر النائم تحت التراب، جلست وبدأت تكلمه بصمت، تناديه بدمعة، وتلاعبه بأصابع تنغرس في التربة الناشفة دون تفكير.. وبينما هي على هذا الحال، سمعت خربشة في المكان وبدأت ترى عيوناً مختبئة في الزوايا، ارتعبت أوصالها وارتجفت وهي تحسب المسافة التي عليها قطعها لتخرج من هنا.. همّت بالوقوف لكنها سمعت صوت مواء ضعيف حذر أوقفها في مكانها، وهي تنظر مبهورة إلى رأس صغيرة تقترب من كيس الطعام الذي نسيته بجانبها.. إنها قطط! هتف قلبها فرحاً.. ليست أشباحاً بل قططاً! استعادت شجاعتها وقامت تنثر الطعام في المكان لتدعُ هذه المخلوقات الصغيرة على الخروج من مخابئها وهي تحدّث سكر بصوت الأمل:
– لست وحيداً يا سكر على ما يبدو! يا لك من مشاكس! استطعت أن تحصل على أصدقاء جدد حتى وأنت تحت التراب.. انظر إليهم يا سكر، إنهم صغار كما كنت أنت لكن أنهكهم الجوع.. لا مانع لديك في مشاركة طعامك مع أصدقائك أليس كذلك؟ آه.. إنهم في غاية الجمال.. تعالوا يا صغاري.. اقتربوا لا تخافوا.. بسسس بسسس.. كلوا نعم كلوا.. وراحت تراقبهم بفرح شديد..

وتكرر المشهد.. وصارت أسماء تحمل الطعام كل مساء بعدما تنام العيون، وتأتي تظللها الظلمة إلى هذه الخرابة، تطعم القطط الصغيرة وأمهم ومن يأتي من قطط الشارع إلى هذه الوليمة اليومية.. كانت تلعب معهم، تحادثهم وتوصيهم بمؤانسة سكر.. صار لحياتها معنى من جديد، وصار لوجودها هدف.. تسلل الفرح حذراً إلى قلبها مرة أخرى، واستعادت شيئاً فشيئاً ذلك البريق الذي أضرم نار الحسد في نفوس الجيران والسيد هشام الذي لم ييأس بعد في طلبه لها لتكون متعة لياليه..

انتبهت السيدة ميسون لفتح باب شقة أسماء واغلاقه ليلاً، فطبخت النميمة سمّاً و وزعتها بين السكان، الذين أخذوا يلوكون أخبار السيدة الوحيدة لقمة مرّة على طاولة السيد هشام الذي انتفض لرجولته الجريحة، وقرر على عتبات الانتقام أن يتبع أسماء ذات ليلة وهي خارجة في موعدها مع المحظور كما صور له خياله.. مشى وراءها متستراً بالجدران، وما إن اقترب من الخرابة المتهالكة حتى سمع صوت ضحكاتها تنساب عذبة تلهب أذنه غضباً.. رأى حركات الزوايا تنهز كصف من الراقصين في عرس شعبي.. اعتراه الكره، ولمعت عيناه بالثأر وعاد أدراجه وراح ينطق كلمات كانت ترسم ما لم يرَ، وتصف ما لم يسمع.. أعجب ذلك السيدة ميسون التي أخذت دون تقصير في إضافة كل ما نضح به خيالها من افتراءات ليشيع الخبر بعيداً عن السيدة المقصودة..
قالوا بأنها تتلوى كقطة بين أحضان الخطيئة، وبأن عشيقها يهمهم هامساً كمن أعياه التعب لطعام الحرمان.. قالوا بأنها فضّلت الرذيلة على الستر، وعفّت نفسها بالحرام في سواد الليالي..
تابعتها العيون في ذهابها وإيابها، تنسج عنها قصصاً واهية من خيوط عنكبوتية، أغاظتهم ابتسامتها الهادئة، ومشيتها المتعالية عن شرّهم.. فسّروا الأمل الذي يشع منها بالسقوط، وزفيرها الراقص بالرعونة وهي الغافلة التي لا تدري ما يحاك من وراء ظهرها في مغزل الوضاعة…
ثارت في داخلهم الحميّة المزيفة رفضاً للسعادة، وأخذت اجتماعاتهم وكرها في منزل السيدة ميسون يبررون فيها استياءهم ويرجمون الغائبة بكلمات تقض مهجع الفضيلة، قالت السيدة ميسون مستنكرة خلال واحد من الاجتماعات:
– لن نسكت على ما يحدث! أنا سيدة وحيدة عفتي وسمعتي هي كل ما أملك!
فتابع جارها الذي يسكن الشقة المقابلة يشد على يدها:
– لدينا بنات وأطفال.. هل ننتظر حتى تحضر عشاقها إلى هنا؟ إلى داخل العمارة؟
فتدخل السيد هشام منتفضاً:
– سمعت مواء شهوتها بأم عيني! الفاسقة.. كنت أريد أن أجعلها سيدة الحي، لكن فعلاً الأوساخ تفضل الخرابة..
طربت السيدة ميسون، وأرادت أن تلون هذه اللوحة بمشاهد من أفلام الرغبة التي أدمنتها في ليالي الوحدة فقالت:
– أنا اسمعها تدندن كل ليلة قبل أن تخرج، وألمحها من عقر الباب مكشوفة الساقين بكعبها العالي.. لا لا.. أستغفر الله.. أنا سيدة محترمة ولن أقبل بهذا..
– ماذا سنفعل إذن؟ سأل باستسلام بائع الخبز الذي لم يرَ ولم يسمع شيئاً..
– نحذرها ونعطيها إنذاراً وإن لم ينعدل سلوكها فسو…
قاطع السيد هشام الجار قائلاً بحدة:
– بل نواجهها.. ثم نطردها.. هذه عمارتي ويمكنني أن أرمي بها إلى الشارع حالاً.. سأذهب الليلة إليها لمواجهتها.. ستأتي معي وأشار بيده إلى بائع الخبز
نكزت بعضهم غصة الذنب القابعة في مكان ما في عقلهم وقلبهم، ضعيفة وخافتة، لكنهم أنكروها بصمت وهمهموا موافقين عند انتهاء الاجتماع..

في تلك الليلة، وبينما كانت أسماء تلعب وتمرح مع المخلوقات الصغيرة التي ملأت روحها فرحاً سمعت صوتاً من خارج الخرابة، اختبأت على إثره القطط في الزوايا المعتمة.. تسارعت دقات قلبها ثم انقبض على صرخة صامتة عندما رأت السيد هشام وبائع الخبز ينظرون إليها بكره.. فبادرت لتوقف توجسها:
– لقد أخفتماني.. ماذا تفعلان هنا؟
– ماذا تفعلين أنت هنا؟ لقد انكشف أمرك وانتهى الموضوع
لم تفهم أسماء سبب الحدة التي يتحدث بها السيد هشام، والسواد الحانق الذي ارتسم على وجهه من العتمة.. دفعها خوفها إلى الإفراط في الكلام فقالت:
– المساكين يتضورون جوعاً في انتظار أن آتيهم لأشبع قلوبهم حناناً ولعباً قبل معدتهم..
قاطعها السيد هشام غاضباً:
– هذا يكفي.. احتفظي بتفاصيلك لنفسك..
أجابت بشجاعة دفاعاً عن أطفالها:
– ولكن بما أنكم قد عرفتم، يمكننا أن نجعل من هذا مشروعاً للحي، ما رأيكم؟ يمكننا أن نتعاون ونوزع بيننا الأدوار.. يمكن للصغار أن يشاركوا في هذه المبادرة أيضاً ستكون مفيدة لهم.. لقد قرأت أن..
– امرأة فاجرة.. اسكتِ لعنك الله.. تريدين تدنيس الأطفال أيضاً! شيطانة وسخة.. أخرج أنت سأتحدث معها على انفراد وألحقك..

خاف بائع الخبز من نظرة الجشع في عيني السيد هشام، بل خاف من الموقف بأكمله، ومن العيون التي تنظر إليه من الزوايا المظلمة، أراد أن يبتعد عن هذا المكان، فلم يتردد عندما طلب منه السيد هشام أن يتركهما وحدهما وخرج مسرعاً ووقف في الخارج يسمع صوت دقات قلبه، واتهامات السيد هشام الغاضبة ورد أسماء عليها إذ سمعها تقول:
– كل هذا لأنني تجرأت أن أهب الحياة لقمات صغيرة لبعض القطط؟
خرجت من أنف السيد هشام ضحكة غريبة وقال:
– إنك حقاً شيطانة في قالب سيدة! كنت أعتقد أنني قد سمعت ورأيت كل شيء خلال حياتي ولكنّها المرة الأولى التي يشبّه فيها رجال الرذيلة بالقطط في حضرة اللبؤة! أليس لأسد مثلي نصيب من حنانك؟

سكتت الكلمات في تلك اللحظات، وانطلقت صرخات دوت في ظلام المكان، عويل متألم تبعته بعثرة أشياء معدنية ثم سقوط وارتطام هامد غريب، ومواء، الكثير من المواء العالي الفزع المتوحش، لم يفهم بائع الخبز شيئاً ولم يجرؤ على الدخول إلى الخرابة، وظل متسمراً في مكانه حتى خرج السيد هشام مضطرباً يغلق سحّاب بنطاله، ويمسح به يديه اللتين اتسختا بسائل أحمر لزج وقال:
– انتهى الأمر، لقد رحلتْ.. قفزت من النافذة الجانبية ولن تعود مرة أخرى.. هذه الساقطة.. حاولت أن تغويني حتى أتستر على مغامراتها.. أستغفر الله.. ارتحنا منها.. لقد كنتَ بطلاً.. سأقول للجميع بأنك أخفتها إلى أن اعترفت وغادرت حتى أنها لن تجرؤ على المرور لأخذ أغراضها.. بطل
سكت بائع الخبز وفي داخله شعور غريب لم يقدر على تفسيره.. فقرر في قرارة نفسه أن لا يتعب نفسه في التفكير إذ إنه سيصبح بطل الحارة، ليس عليه أن يقلق حقاً.. كم هو طيب السيد هشام لأنه يتقاسم معه مجده! ها قد تنظّفت المنطقة، بعد أن هربت أسماء ..

الكاتبة الأردنية فوز أبو سنينة

في الصباح، ذهب السيد هشام وحده بحجة تنظيف الخرابة، وعندما عاد كان مرتبكاً وغريباً، متسخاً بالتراب يتلفت حوله ووراءه وكأنه خائف من شيء ما.. لا بد بأنها القطط، فلقد قضّت مضاجعهم وصارت المنطقة بأكملها مرتعاً لعشرات القطط الشاردة التي كانت تمزق أكياس النفايات المبعثرة على بوابة البناية الزرقاء المعتمة وفوق درجاتها المهترئة، وتملأ الليالي مواء وهديراً وفحيحاً مخيفاً تهاجم معه كل متحرك، خصوصاً السيد هشام المسكين الذي صار هو وبقية السكان يخافون الخروج إذا ما أسدل المساء ستارته..

استمروا في اجتماعاتهم الدورية في شقة السيدة ميسون، وخلصوا في إحداها إلى الحقيقة.. هذه عمارة مسكونة! أسماء هي السبب.. كانت شيطانة فعلاً.. ساحرة.. رمت بتعويذتها الخبيثة على البناية، بل على الحي بأكمله، وغادرت.. والآن ما العمل؟ كيف سيطردون القطط الشاردة من الحي؟ من سيتبرع منهم لفعل ذلك؟ السيد هشام يخاف من القطط على ما يبدو وقد طوّر حساسية جديدة من الخرابة.. رسا الرأي على البطل.. بائع الخبز، الذي جلس مرعوباً أمام المهمة التي أوكلت إليه وهو يتذكر العتمة والأصوات الغريبة والعيون الصفراء الغاضبة، فانتفض شهود الخرابة في داخله وأقسم لهم في نفسه على أن يقول الحق، فقط الحق وكل الحق فنطق بصوت متردد:
– في الحقيقة أنا.. أنا لم أفعل شيئاً يومها، سأخبركم بما جرى.. السيد هشام.. السيد هشام هو من..
وبدأ يحكي تفاصيل ما حدث، فانصبّت كل العيون عليه باهتمام بينما تسحّب السيد هشام من المكان بهدوء وابتلعته السلالم الرثة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى