اللقطة السينمائية في رواية (كلكامش عودة الثلث الأخير) للروائي واثق الجلبي

أ. د. مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي
إن تقنية (اللقطة السينمائية) تمنح الروائي (واثق الجلبي) فرصة التحرر من القيود المكانية, والزمانية في السرد الحكائي الحداثوي, إذ يتمكن السارد من خلالها من التنقل بين الأزمنة, والأمكنة بحثا عن الأحداث ,والتفصيلات الأكثر أهمية في روايتة, (فاللقطات السينمائية) هي عملية انتخاب وتوقيت وترتيب لقطات معينة في تسلسل سينمائي – وهي العامل الخلاق الفاصل بإنتاج أي فلم- وان انتقالها من السينما إلى الخطاب الأدبي لن يؤثر- بالضرورة- في أهمية دورها في الخطاب الجديد,(فاللقطات السينمائية) بهذا المفهوم تمتلك قدرة واسعة على التخييل , وتقديم اللقطات, المؤثرة فنيا, لأنها مؤسسه على تراكب اللقطات تراكبا هدفها أحداث تأثير مباشر ودقيق نتيجة لصدمة صورتين, تعبر كل واحدة منهما عن واقع محدد , وتكون مهمة المشاهد/ القارئ اكتشاف, وتأويل نوع العلائقية التي يمكن أن تجمع بين هذين الواقعين, استطاع الروائي العراقي المتميز (واثق الجلبي) من إدخال التقنية الحداثوية (اللقطة السينمائية) في روايته (كلكامش عودة الثلث الأخير), إذ انتقل بنا الروائي إلى اللقطة الأولى من الرواية: – لقد سئمت من حياتك وأنت تعيش كسوقة بعد أن كنت ملكا ولهذا جئت وأخرجت العشبة لتأكلها كلها ولكني أحبطت مسعاك بأكلي لها – لماذا لم تتريثي؟ لكنت أخبرتك بلقائي مع جدي وما جرى بيننا من حوار , عشبة الموت وعشبة الخلود لها نفس اللون ونفس الرائحة ولكن طعمك وغرورك أوقعك في هذا الشرك… انتظري قليلا… دقق كلكامش النظر جيدا في عين الحية ولم يصدق ما رآه -عشتار.. أنت عشتار, إن تقديم الرواية وفق قوانين حركة التصوير(اللقطة السينمائية) يضع الرواية وسط مكاشفة سردية تتعامل مع الضروري, وهذا العمل يعد حتمية تتمثل بحركة الكاميرا في ميلها نحو الضروري تترك جانبا كل ما هو زائد, وبهذا التوصيف تكون الكاميرا وحدة الشعور الفيلمي فهي التي تؤسس الحركة العامة للفيلم ,وهذه الحركة تتكون من حركة تصوير المنظر , ومن الحركة داخل المنظر وبذلك تؤدي الحركة إلى تغيير التكوين , ويؤدي بنا إلى تغيير التكوين الحركي إلى تغيير الانفعال, جسد لنا الروائي (واثق الجلبي) من خلال الحوار بين الحية/ عشتار ابنة الإلهة/ وكلكامش, غير مسار الرواية عن الملحمة الأم (ملحمة كلكامش) إذ كانت الفكرة الرئيسة فيها هي بحث كلكامش عن سر الحياة/ سر الخلود , ويبن لنا الجلبي في روايته المغايرة للمألوف بحث كلكامش عن الموت/ صور لنا اللقطة السينمائية وكأنها تمثل على المسرح,وقد ترك الجلبي التأويل على مصراعيه للقارئ/ المشاهد, بمعنى آخر اكتشاف, وتأويل (معنى المعنى) المتولد على حاصل الجمع بين اللقطتين من خلال أعمال الذهن, والتأمل, وإعادة النظر في المزج الصوري المونتاج بمختلف أنواعه الزماني, والمكاني, والتعبيري, والاسترجاع الصوري (الفلاش باك) وغيرها من وسائل التوليف, والمزج الصوري, فكثيرا ما وجدنا الروائي (واثق الجلبي) يميل إلى هذا النوع من التكنيك السينمائي ولاسيما في روايته أنفة الذكر التي تشكل السمة الأكثر بروزا في نتاجه القصصي والروائي, إذ تمكن الجلبي من الجمع بين صورتين/ لقطتين/ اللقطة الأولى يلتقطها من (ملحمة كلكامش ) البحث عن سر الخلود ,والحياة , واللقطة الثانية /من روايته (كلكامش عودة الثلث الأخير) البحث عن سر الموت, إن تشغيل الكاميرا في المتن السردي يعني – قبل كل شيء- استهداف القصد بشكل مرئي, بغية رفع أحساس المتلقي بالمسرود, وتتمكن من تنفيذ استهدافها هذا عن طريق سلوكها الذي تقوم به لصناعة اللقطة , فهي بهذا السلوك أنما تقدم اللقطة على أنها حرف سينمائي متبدل بحسب نغمة التجويد لهذا السلوك , فالكاميرا هي التي تقوم بتصوير الكل بواسطة تجزئته باللقطة,وهو يصور اللقطة السينمائية,وكيف استطاع الروائي المبدع (واثق الجلبي) من تحويل الرواية إلى (لقطات سينمائية) متقطعة إذ جعل من كل شخصية من الشخصيات الرئيسة تتحدث عن الماضي, وربطه بالحاضر, وهذا ما نسميه بالنقد الحديث (الاستباق, والاسترجاع) إذ بدأت كل شخصية تروي عن لسانها الإحداث الماضية عن طريق (الفلاش باك), وهنا ينقلنا الروائي إلى اللقطة الثانية من الرواية: ذهب إلى المكان نفسه, تلاشت من فكره كلماته السابقة عن عودة الشيخ إلى صباه فهذا يعني عودة الحكمة إلى الجنون وعودة العقل إلى عدم الاتزان , قاده أمل النهاية لشد عزيمته معيدا ما فعله في المرة الأولى, فتح المجرى الذي أوصله إلى المياه العميقة وربط بقدميه حجارة ثقيلة ونزل إلى أعماق المياه حيث أبصر النبات وأزال الشوك عنه وقطع الحجارة وخر ج, لقد اشتغل الروائي(واثق الجلبي) على دعم نصه بهوية سردية بصرية من خلال التعامل مع الكاميرا التي تهدف من وراء ثباتها, وحركتها إلى ترجمة قصد محدد, وهو بذلك يعمل على وضع نتاجه ضمن مجال بصري تتراجع فيه اللغة لأجل الصورة, كما هو الحال في السينما, فاللغة في الشريط السينمائي تكون مجرد ظهير للصورة إذ يتم الاستدلال على قصد المسرود عن طريق تتبع سلوك التصوير فبتغيير سرعة الكاميرا يمكن التعجيل بالحدث والتباطؤ به, فضلا عن تتوفر للكاميرا ميزات تمكنها من تبني دور الراوي فهي- فضلا عن عملها أثناء ثابتها – تتمتع في التحكم بتقسيم اللقطات المتحركة بحسب متطلبات وجهة النظر, ومن هذا التحكم تأخذ أهم أوضاعها التي تمكنها من متابعة الروي, ويمكن استعمال كل حركة على حدة أو الجمع بين حركتين أو أكثر, وكل لقطة تبين مجموعة مختلفة من العناصر التي تكشف عن المعلومات إن استدارة الكاميرا من نقطة ثابتة من التقنيات السينمائية, وهي بتغلغلها في الرواية المكتوبة تكون قادرة على تشكيل وزن سينمائي لهذه النصوص إلى جانب وزنها الأدبي لذا يحقق لدينا نوع من التوازي بين الفنين, وينقلنا الجلبي إلى اللقطة الثالثة عبر الكاميرا السردية للحدث : اقنع كلكامش الحية بأنه سيعود قبل انسلاخ جلدها وأعطاها عهودا على ذلك وقال لها بأنه سيوافيها عند البئر التي سبح فيها أخر مرة لكنها قالت له بعد حوار طويل – من يضمن عودتك؟ – كلمتي0 – كيف ستلقى جدك وقد لعن اورشنابي وتاه بخيبته في القفار- أنا خبير بأرضي اعرفها جيدا فجميع المداخل والمخارج محفورة في ذهني ولن أضيع في موطني, لقد تعرف الروائي(واثق الجلبي) على هذا الأسلوب المعاصر-اللقطة السينمائية – ووعى فاعليته في تجهيز الرواية باليات من شانها أن تعطي للمسرود نكهة خاصة تتفاعل مع فعل القراءة ,وتفتحه أوسع أمام تحركات التأويل , يفتح الروائي مشغل سرد روايته (كلكامش عودة الثلث الأخير) بدورية سيناريوية تدور حول تهيئة الوضع السردي, وذلك بموضعة الشخوص, وتنضيد وحدات المكان النصي, وما يميز الرواية بدأت فيها من النهاية, حتى وصلت بداية الرواية,وقد تحققت تقنية (اللقطة السينمائية), عن طريق عرض سيناريو الأحداث التي جرت, وتقطيع المشاهد بحسب الشخصيات الرئيسة المذكورة في الرواية, وحركة الكاميرا أفقيا وعموديا, وتميزت أيضا بالبناء الروائي النادر في زمننا الحالي,لم يكتب بهذه الطريقة إلا القليل من الروائيين الكبار, وجاءت بحبكة لا تعرف الرخاوة من حيث تناول الأحداث, ينتقل بنا(واثق الجلبي) من زاوية أخرى وعن طريق اللقطة الرابعة من اللقطات السينمائية: انتقلت خطاه هذه المرة إلى المكان الذي تم فيه قتل الثور السماوي بمشاركة صديقه انكيدو , سار وئيدا والحية تلاحقه كظله لم يكن منتبها لها فالأفكار التي تثقل رأسه لا طاقة لرأس الحية بها – أنت معتوه يا أعظم جميع الملوك في العالم, لم يجبها وأكمل طريقه غير مكترث بها,وهي تحاول أن تستدرجه بالكلام كي تعرف مبتغاة من هذه الرحلة, ما ميز الروائي (واثق الجلبي) إدخاله تقنيات حداثوية في روايته فهي رواية, تحتوي على عدة لقطات سينمائية تأخذ اللقطة معنى مزدوجا أنها تدخل أللاستمرارية, والتقطيع ,والوزن في الواقع امتدادا مكانيا, أن نصوغه في السينما كسلسلة , وذلك عن طريق تجزئته إلى لقطات ومن ترتيب تتابع هذه اللقطات, واللقطة الأفقية تشمل حركة آلة التصوير على محورها الأفقي بوضح ثابت , وهنا تقوم آلة التصوير الراوي بمتابعة الحركة بشكل أفقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى