رؤوس كثيرة لظلّ واحد
هيثم الأمين (عطارد المجنون) | تونس
تخيّلوا أن تكون لي رأس واحدة !!
نفس الرّأس التي أنام بها، أصحو بها
آكل بها، أضحك بها و أدخل بها إلى المرحاض!!
نفس الرّأس،
حتّى و إن عشت طويلا جدّا،
لا أغيّرها!!
ستكون بنكهة غريبة
حين سيقطفها الموت
و حتما، سيتفلها من القضمة الأولى
ثمّ إنّي أكره أن أسافر، في الحياة، برأس واحدة
فأنا
أكره الضّجرْ!!
و لأنّي أعاني من رهاب الرّأس الواحدة
و لأنّ اللّصوص و النّشّالين يملؤون الأرصفة
فإنّي أحتفظ في خزانة صغيرة برؤوس عديدة؛
رؤوس كلّها لي!
في الأيام العاديّة، أضع رأسا عاديّة جدّا؛
رأسا غير متطلّبة
تكفر بالمرآة و بفرشاة الأسنان
و تعادي شفرة الحلاقة و المشط
و ملامحها تشبه قطيع أغنام.
عندما يكون لي موعد مهمّ جدّا
كموعد مع قهوة
أو موعدٌ مع دواء
فإنّي أضع رأسا قلقة؛
رأسا تتابع كلّ تفاصيل الوقت
و تسعل كثيرا
و تدخّن أكثرْ.
يحدث أن أستيقظ من نومي في ساعة متأخّرة من الليل
دون أن يكون لي موعد، على الكام، مع حبيبتي
و دون أن أكون مستعدّا لقصيدة
حينها،
لا أضع رأسا بين كتفيّ
و لكنّي
أكتفي بضمّ رأس مكعبّة إلى صدري؛
أضمّها بعنف، في الغالب،
أحاول مسح الهالتين من حول العينين،
أرجّها جيّدا لتتساقط منها الأحداث و الأسماء
و بطولاتي
و قد يحدث أن أقبّلها أو أن أرميها من النافذة!!
يحلو لي، كثيرا، أن أثبّت رأسا بملامح شاردة
و أتركها تتدلّى كمن يحدّق في الهاوية
كلّما أردت الكتابة أو البكاء!!
رأسي الأنيقة
أحتفظ بها للمناسبات الخاصّة / السعيدة
و دائما، أضع عليها مسحة حزن.
في الجنائز، أختار رأسا غائمة و ألصق على الفم نصف ابتسامة ساخرة.
لا أحبّذ رأسي الغاضبة
لأنّها تتحدّث، طول الوقت، ببذاءة
و تشتم كثيرا
و لهذا لا أُخرجُها معي إلّا نادرا
و أكتفي، في الغالب، بارتدائها داخل وحدتي.
لي رأس على هيئة جدار
و أخرى بلا ملامح
و رأس عتيقة جدّا
و هذه تصلح حين يبصق الوقت الكثير من الملل على وجه حياتي.
رأسي الثرثارة، معطّلة!
منذ سنوات و هي معطّلة!!
طفت بها كلّ دكاكين الآلهة المختصّة في صيانة الرّؤوس
فأجمعوا أنّها تحتاج لبطّاريّة!!
بطّاريّة لرأس! هل تصدّقون؟!!
و لكنّهم لم يعثروا لي على بطّارية مناسبة!!
يقولون: بطاريّة رأسك الثرثارة امرأة تحبّها و تحبّك!!
لي رأس نزقة جدّا؛
رأس كلّها عيون جريئة؛
هي قرية كلّ نسائها عاريات
و أنا الرجل العاري الوحيد، فيها!!
لا أحبّ رأسي الذّكيّة لأنّها تربك خساراتي
و رأسي الحمقاء تسمح لي بهامش حياة يناسب حجم حزني البدين
و لكن،
لسبب أجهله،
أعتقد أنّ الجميع يرونني دون رأس!!
فأبي، مثلا، يخبرني، دائما، أنّي أمشي بلا رأس!!
أمّي تسألني، دائما: متى سيكون لك رأس؟!!
صاحب محلّ البقالة الذي اشتغلت فيه لا يتوقّف عن تكرار عبارة:
أنت تعمل دون رأس!!
و حبيبتي
كانت تحدّق بي طويلا
ثمّ تتمتم: ليتك تستعمل رأسك في حبّي..