ستون عاماً وما بكم خجلٌ
تميم البرغوثي-شاعر فلسطيني
.
إن سار أهلي فالدهرُ يتّبع
— يشهدُ أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد
— زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم
— بأنهم مهزومون ما اقتنعوا
يسيرُ إن ساروا في مظاهرةٍ
في الخلف فيه الفضول والجزعُ
يكتب في دفتر طريقتهم
لعله بالدروس ينتفعُ
لو صادف الجمعُ الجيشَ يقصده
— فإنه نحو الجيش يندفعُ
فيرجع الجند خطوتين فقط
— ولكن القصد أنهم رجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ
— والقوم عزلٌ والجيش مدّرع
ويصبح الغازُ فوقهم قطعاً
— أو السما فوقه هي القطعُ
وتُطلب الريح وهي نادرةٌ
— ليست بماءٍ لكنها جرعُ
ثم تراهم من تحتها انتشروا
— كزئبقٍ في الدخان يلتمعُ
لكي يضلوا الرصاص بينهمو
— تكاد منه السقوف تنخلعُ
حتى تجلّت عنهم وأوجههم
— زهر ووجه الزمان منتقعُ
كأن شمساً أعطت لهم عِدَةً
— أن يطلع الصبح حيثما طلعوا
تعرف أسمائهم بأعينهم
— تنكروا باللثام أو خلعوا
ودار مقلاع الطفل في يده
— دورة صوفي مسّه ولعُ
يعلمُ الدهر أن يدور على
— من ظن أن القوي يمتنعُ
وكل طفل في كفه حجرٌ
— ملخّص فيه السهل واليفعُ
جبالهم في الأيدي مفرقةٌ
— وأمرهم في الجبال مجتمعُ
يأتون من كل قريةٍ زُمراً
— إلى طريقٍ لله ترتفعُ
تضيق بالناس الطرق إن
كثرواوهذه بالزحام تتسعُ
إذا رأوها أمامهم فرحوا
— ولم يبالوا بأنها وجعُ
يبدون للموت أنه عبثٌ
— حتى لقد كاد الموت ينخدعُ
يقول للقوم وهو معتذرٌ
— مابيدي ماآتي وماأدعُ
يضل مستغفراً كذي ورعٍ
— ولم يكن من صفاته الورعُ
لو كان للموت أمره لغدت
— على سوانا طيوره تقعُ
أعدائنا خوفهم لهم مددٌ
— لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا
فخوفهم دينهم وديدنهم
— عليه من قبل يولدوا طُبعوا
قُل للعدا بعد كل معركةٍ
— جنودكم بالسلاح ماصنعوا
لقد عرفنا الغزاة قبلكمو
— ونُشهد الله فيكم البدعُ
ستون عاماً ومابكم خجــلٌ
— الموت فينا وفيكم الفزعُ
أخزاكم الله في الغزاة فما
— رأى الورى مثلكم ولاسمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها
— لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم
— وفي عَداء الوضيع مايضعُ
لم نلقى من قبلكم وإن كثروا
— قوماً غزاةً إذا غزوا هلعوا
ونحن من هاهنا قد اختلفت
— قِدْماً علينا الأقوام والشيعُ
سيروا بها وانظروا مساجدها
— أعمامها أو أخوالها البِيَعُ
قومي ترى الطير في منازلهم
— تسير بالشرعة التي شرعوا
لم تُنبت الأرض القوم بل نبتت
— منهم بما شيّدوا ومازرعوا
كأنهم من غيومها انهمروا
— كأنهم من كهوفها نبعوا
والدهر لو سار القوم يتبع
— يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخد عنهم فن البقاء فقد
— زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يقول لهم
— بأنهم مهزومون مااقتنعوا
.
.
.
.
.
.