نظرتان في “سلة إيروتيكا تحت نافذتك ” لـ(مومن سمير)
(1)
النظرة الأولى:
عبدالنبي فرج. روائي وناقد . مصر
هناكأسباب متعددة للاستغراق في وصف العلاقة الإيروتيكية بين الرجل والمرأة، منها الاستغراق في اللهو والملذات الحسية، أو أن تكون مجرد صناعة شعبوية بغرض جذب جمهور مقموع جنسياً.. لكن هناك منطقة أخري: أن تكون الإيروتيكا وليدة محنة حقيقة مثل الموت، المرض، السجن، النبذ، تجعل الشاعر يحتشد بالحسي ويحتفل بالعري و يستغرق في وصف الجسد لكي يخفي الألم والتعاسة .. هذا الديوان” سلة إيروتيكا تحت نافذتك” للشاعر المصري مؤمن سمير والصادر عن دار “أروقة ” 2020يخرج من هذه المنطقة، منطقة الوحدة والخيالات والرغبات الموارة المقموعة، لهذا فالأنثى هنا ليست أنثي واقعية ولكنها أنثي متخيلة، أنثي يصنعها بين يديه، إنه نحات عفي يعيد تشكيل الجسد و يستنطقه والحوار الذي يدار على لسان المرأة يخرج من لحمه ومن دمه هو،من ذاكرته المتقدة بالخيال المتوحش.. في هذا الديوان حروب تدور ورغبة في الانتقام ورغبة في الاستحواذ، الاستملاك حد البشاعة، هناك سلة إيروتيكا عند نافذة الحبيبة وهناك (بيتٌ عالٍ) تسكنه الذات الشاعرة و تدور فيه الأحقاد والرغبات العنيفة حد القتل ،وهذا الاستغراق الحسي في تعيين الأفخاذ والثدي والسُرَّة والشَعر والجِلْد المشدود شاهق البياض والوجه الخ لهو نوع من الخديعة التي ترسم دراما ظاهرية لكي تخفي ما يعتمل في الطابق الثاني المَخفي من الوعي. مؤمن سمير يكتب بلغة شفافة وناعمة بشكل مدهش حتى ينسينا الفقد والوحدة والعالم التحتي المرعب.. تعالَ معي لنلتقط بعض ألفاظ وجمل الديوان: السكاكين الطائرة/ التي بقيت من المذبحة/القاتلين/ خذ البندقية من بين أسناني/لأشق فيك/الفؤوس البرية.. هذه الاستشهادات من قصيدة واحدة هي القصيدة الأولي (بيتٌ عالٍ ) والبيت قد يكون رحماً وقد يكون نبذاً وسجناً وهنا البيت خالٍ من الحياة، يحيط الشاعر بحوائط مصمته عالية ..في هذا الديوان عنفٌ كثير مغلف بشعرية غاية في اللطف لكن بالرغم من هذا هناك عدة رسائل تحتية تحتاج لمبضع نقدي لفك شفراتها ..
(2)
النظرة الثانية:
محمد الكفرواي. شاعر وناقد. مصر
في ديوانه الجديد «سلة إيروتيكا تحت نافذتك» الصادر عن دار أروقة، يخوض الشاعر مؤمن سمير مغامرة جديدة يمزج فيها بين الحب بمفهومه الحسى و المادي وبين الحب بمفهومه الوجداني، إلا أن الطابع المادي للحب هو الغالب على الديوان في أكثر من نص، وإن كان الديوان كله يعتبر نصا واحدا متصلا، لكن تظل هناك فواصل ومقاطع تعتبر مستقلة الدلالة ومكتملة الفكرة، ويعبر الشاعر من خلال مفردات حداثية مبتكرة عن فكرة الحب وما يحتويه من طاقة كبيرة تلهب الجسد وتستحث الأعضاء على الحضور بطريقة أقرب للواقعية السحرية في فن الرواية، كما يستخدم تقنية التداعي الحر لأعضاء الجسد فيبدو كل عضو وكأنه يمارس طقوسه الخاصة المميزة المرتبطة بحضوره في المشهد الإيروتيكي ووظيفته فيه، سواء كانت هذه الوظيفة حسية بحتة أم معنوية ومجازية، ليفتح الشاعر أبوابا جديدة للمشاعر وللأفكار التي تتوارد إلى الذهن، متنقلا بين مفردات شائعة معروفة تتعلق بالتجربة والممارسة الحسية، وبين مفردات أخرى تحتمل معاني ودلالات حميمية مغايرة ترتبط بالمفهوم الروحي للحب.
التجربة تكاد تلامس الواقع بسحرها و بهائها وسعيها للكشف عن الغرائبي والمسكوت عنه، ولا يعدم الشاعر أن يستفيد بشكل غير مباشر من مفردات التراث الإيروتيكي وما يمثله من شغف وحميمية في التاريخ الأدبي و الشعبي على السواء، ليقدم كتابة جديدة مفعمة بالحرارة الوجدانية وبالشبق الحسى الذى يقتحم القارئ ويجبره على إعمال خياله مع الصور والتراكيب الطازجة التي يتقن الكاتب توظيفها بحرفية بالغة الإتقان، ليصبح الشعر جسرا أو طريقا ممهدا يصل بين المحب وحبيبه وبين الشاعر ورؤاه الحسية وبين القارئ والنص، وتلتحم كل هذه العناصر لتمثل نوعا جديدا من الكتابة التي تخوض مغامرة شائكة، يلتمس فيها الشاعر تفريغ طاقة ناضجة من المشاعر، ربما تمثل جزءا كبيرا من الرغبات إلا أنها أيضا تحمل العديد من الأخيلة والتصاوير التي تترك النص مفتوحا على مصراعيه لتفسيرات متعددة تتعلق بالتابو أو المحرم، وبالميراث الإيروتيكي الكامن في ضمير كل شخص سواء عن طريق التجربة المباشرة أو القراءة والوعى الثقافي بشكل عام، والتوغل في التراث بشكل خاص.