عندما يتحول بعض العرب إلى مرتزقة في أوطانهم
إبراهيم ابراش | فلسطين
مع تطور العلاقات الدولية البينية والتداخل في المصالح والخوف من المخاطر المترتبة عن اندلاع حرب عالمية بين الدول العظمى بما تمتلكه من أسلحة دمار شامل أصبحت الدول الكبرى ومن أجل الحفاظ على مصالحها الخارجية أو توسيعها أو لقطع الطريق على خصومها تلجأ للحروب بالوكالة، من خلال اصطناع حرب أهلية في البلد أو البلدان حيث تكون مصالحها مهددة وتقوم بدعم وتمويل أحد طرفي الحرب كمبرر للتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر.
وهكذا نلاحظ أن غالبية النزاعات والحروب الأهلية وخصوصاً في القرن الواحد والعشرين لها امتدادات أو تخضع لتأثيرات إقليمية ودولية حتى يجوز نعتها بالحروب العالمية المصغرة أو بالوكالة، وأقرب مثال على ذلك الحروب الأهلية المندلعة في البلدان التي تعرضت إلى ما يسمى (الربيع العربي) من سوريا إلى ليبيا واليمن، بل يمكن القول إن ما يسمى بالربيع العربي ما هو إلا صناعة أمريكية وغربية وبأدوات عربية تابعة لهم، وظفوا تعثر الانتقال الديمقراطي واستبداد بعض أنظمة الحكم وحالة التذمر الشعبي ليس لتصويب الأوضاع السياسية والاقتصادية لصالح الجماهير، بل لخلق حالة فوضى وحرب أهلية تمهد الطريق نحو إعادة الهيمنة على المنطقة العربية كما نظَّرت لذلك كونداليزا رايس فيما أسمتها (الفوضى الخلاقة) .
في المنطقة العربية وبالرغم من الشكل الظاهر والمُعلَن للصراع وكأنه صراع بين أفرقاء متصارعين دينياً ومذهبياً أو صراع على السلطة أو نضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن هذه وبالرغم من وجود بعض تمظهراتها ليست جوهر الصراع، بل هي مجرد غطاء يخفي مخططات خارجية ومنها دول الجوار لتحقيق مصالح متعددة، اقتصادية وخصوصاً الغاز والنفط ،أو جغرافية ترابية، أو من أجل الهيمنة وتشكيل امبراطوريات محلية تستعيد بها أمجاد تاريخ ولى، ولو توقفت الأطراف الخارجية عن التدخل في الشؤون الداخلية للعرب لكانت مخرجات ما يسمى الربيع العربي مختلفة وما كنا نشهد كل هذه الصراعات والحروب الأهلية .
وفي هذا السياق تأتي على رأس القائمة الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الإمبريالية الساعية لتشديد هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي خصوصاً كجزء من مواجهتها لخصميها بكين وموسكو، والكيان الصهيوني المستفيد الأول من كل ما يجري منذ بداية فوضى الربيع العربي عام 2011 بل قبل ذلك منذ إسقاط صدام حسين وإعدامه واحتلال العراق 2003، حيث انهارت الدول والحركات الوطنية والقومية التي كانت تهدد وجوده وانتقلت العلاقة بين العرب والكيان الصهيوني من حالة الصراع إلى التطبيع، أيضاً تركيا وإيران اللتان تسيطران أو تحتلان بطريقة أو أخرى دولاً عربية أو أجزاء منها، سوريا والعراق وليبيا واليمن.
عبر تاريخ الحروب الأهلية كانت الأطراف الخارجية مجرد عامل مساعد أو ثانوي، وأحياناً كانت الحرب الأهلية ضرورة للقضاء على جماعات غير وطنية مثيرة للفوضى أو تابعة لأعداء البلاد، أما في الحروب والصراعات الأهلية العربية فإن الدول الخارجية أصبحت صاحبة القرار الأول في مجريات الحرب وفي حوارات المصالحة ورسم خارطة مستقبل البلاد، وتحوَّل أصحاب البلاد سواء كانوا حكومات أو أحزاب معارضة إلى مجرد مرتزقة في بلادهم يعملون لصالح ولمصالح الدول الأجنبية، ويحاربون بعضهم البعض على أراضيهم مبددين ثروات بلدانهم ومدمرين عمرانها ومقسمين شعبها، وهم بذلك لا يختلفون عن المرتزقة المجلوبين أيضاً من دول عربية، كما لا يبدو أن الحروب الأهلية في العالم العربي تبشر نهاياتها بإعادة ترتيب الأوضاع الوطنية إلى حال أفضل مما كان قبل اندلاعها، وإن كنا نأمل أن تسير الأمور عكس تخوفاتنا.
ولأن الارتزاق هو الحالة التي يتم فيها تأجير السلاح أو القلم والفكر أو الخبرة أو مقدرات البلد لصالح جهات أجنبية لتحقيق مصالح شخصية وبما يتعارض مع المصلحة الوطنية، فإن صفة المرتزقة تنطبق على بعض الشخصيات والجماعات المسلحة الفلسطينية التي توظف خبرتها الأمنية والسياسية أو سلاحها لصالح أجندة ومشاريع خارجية .
بالرغم من سوداوية المشهد العام إلا أنه من الواجب تثمين مواقف أنظمة وأحزاب في المنطقة العربية استطاعت قطع الطريق على مخطط الفوضى والحرب الأهلية في بلدانها وتعمل بصمت لبناء أوطانها وتصويب عملية الانتقال الديمقراطي، كما أنها لم تنحرف عن بوصلة الصراع في المنطقة من حيث أولوياته وأطرافه بالرغم مما تتعرض لها من ضغوط من واشنطن، وما زالت تعتبر أن إسرائيل ككيان قائم على الاحتلال والعنصرية ومعاداة الشرعية الدولية هي العدو الرئيس لشعوب المنطقة، دون تجاهل المخاطر الآتية من دول الجوار.