أزمة المياه.. محاور إدارة الثروة وتفادى الفقر المائى (3)

 

د. فيصل رضوان | أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية بالوكالة الأمريكية للمحيطات والأجواء (نوا)- الأستاذ الزائر بجامعة سوهاج

من الأخبار الطيبة أن هناك كمية كافية من المياه العذبة على النطاق العالمي. ولكن كما أشرنا فى المقال الأول من هذه السلسلة، أن جوهر ندرة المياه العالمية يكمن في عدم التوافق الجغرافي والزمني بين الطلب على المياه العذبة وتوافرها.
كما أن تزايد عدد سكان العالم ، وتغير أنماط الاستهلاك، والتوسع في الرى الزراعى، كلها عوامل أدت الى اشتعال الطلب العالمي على المياه.
وقد ساعد التغير المناخي؛ مثل تغير أنماط الطقس، وإزالة الغابات، وزيادة التلوث، وغازات الاحتباس الحراري، وعوامل الإهدار فى المياه إلى عدم كفاية الإمداد المائى.
وفى العموم، ربما ترتبط جميع أسباب شح المياه بالتدخل البشري في دورة المياه ونهج التخطيط والإدارة.

وهنا نحاول نقاش ثلاث محاور هامة لتفادى الفقر المائى وعواقبه بعضها الآن قيد الاهتمام والتنفيذ فى بلادنا مصر المحروسة.
من هذه المحاور ما هو تطوير نظم إدارة وتحديث لمرافق المياه، وكثير منها مجرد توعية وترشيد استخدام لهذه الثروة الهامة التى طال إهمالها لعقود مضت.
 
المحور الأول: الإدارة المستدامة لموارد المياه

نرى أنه من الهام أن تُعطى الأولوية لتحسين البنية التحتية لنقل المياه، حيث إن الحفاظ على الثروة المائية يعتمد على تماما على كفاءة هذه المرافق وتقليل الفاقد وتسرب المياه.
وهنا يجب أن نثمن خطط الدولة المصرية العاجلة بسرعة الانتهاء من الحصر الشامل للبنية التحتية للنقل السطحى لمياه الرى واعتباره  مشروعا قوميًا واجب التنفيذ.
وضمن هذا المشروع يتم تأهيل وتبطين وتغطية جميع الترع والمصارف، المتفرعة من نهر النيل،  والتى قد تصل لأكثر من 12 ألف كيلومتر كأقل تقدير. 
وقد أعلنت وزارة الري المصرية فى تنفيذ خطة سريعة لتأهيل وتبطين الترع والمصارف، بدءًا بالمجارى المائية الأكثر ضررا فى البلاد، وبطول 7000 كيلومتر فى عامين، وبتكلفة تتجاوز 18 مليار جنية.
تشمل عملية التأهيل ورفع الكفاءة؛ تنظيف للمجرى المائي من المخلفات أولا، ثم تتنوع إلى عمليات تغطية، أو تبطين الإسمنتي لجدار المجرى المائي لمنع تسرب المياه، وذلك بعد دراسة حالة كل مجرى مائي على حدة.
ومن المأمول أن هذا المشروع سوف يكون له أثر كبير فى سرعة تدفق المياه، وعدالة توزيعها، وله فوائد صحية وبيئية عظيمة، إضافة إلى توفير  مياه يتم هدرها سنوياً والتى قد تصل إلى 25% كأقل تقدير.

المحور الثانى: المعالجة والاستدامة للمياه العذبة

يسمح تجميع مياه الأمطار والسيول، وكذلك تجميع مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها بتقليل الشح المائي وتخفيف الضغط على المياه الجوفية وغيرها من المسطحات المائية الطبيعية.

ويعد تحديث مرافق معالجة المياه، واستكمال شبكات توزيع مياه الشرب وشبكات مياه الصرف بالقرى والنجوع أمرًا حيويًا، ليس فقط لتقليل الهدر فى الموارد، بل لتجنب الأثر الصحي إذا اختلطت مياه الشرب بمياه الصرف أو إذا تم استخدام غير آمن فى الري الزراعي.
ولذا فإن وضع الضوابط والإجراءات الصارمة للتعامل مع مياه الصرف الصحي، ومعالجة التلوث وقياس جودة المياه ومراقبتها يعد أمرا ضروريا للغاية.
إلى جانب ذلك ، يعد تحسين بعض أنظمة الصرف الصحي وتجنب حفر الآبار، والتحول الكامل إلى شبكات حديثة، فى مقدمة تحديات منع هدر المياه، وتقليل فرص تلوث مخزون المياه الجوفية، أو تلوث مياه الشرب.

المحور الثالث: التوعية بالترشيد:

يعد نشر التوعية والتعليم بترشيد استهلاك المياه أمر بالغ الأهمية لحل أزمة الشح المائى، وربما هو خيار أفضل بكثير من رفع أسعار المياه وزيادة الأعباء على الناس.
لذا فقد أصبح من الضروري إجراء إصلاح وتحديث جذري لجميع أشكال الاستهلاك؛ يبدأ بالاستخدام الشخصي وينتهي إلى تحديث وسائل الري الزراعي التى تستهلك حوالى 70 ٪؜ من حصة المياه. 

وفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 785 مليون شخص في العالم يفتقرون إلى الوصول إلى مياه نظيفة (حوالي عشُر سكان العالم لديهم أزمة مياه). وتصنف أزمة المياه بأنها الخطر العالمي فى الترتيب الرابع من حيث التأثير على المجتمع.
ولذا قد تؤدي وسائل ترشيد وتوفير المياه الصالحة للشرب إلى حماية الأرواح وإنقاذها.

وفى نهاية المقال الثالث من سلسلة “أزمة مياه”؛ نوجه إلى أهمية العلم وأن تتماشى خطط رفع كفاءة إدارة المياه مع خطط دعم للاستثمار البحثي القائم فى تكنولوجيا تحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية، والتوسع فى أنظمة الري الزراعى الذكية، كأمثلة رائعة يمكن  أن تضمن كفاءة عالية فى استخدام المياه والتحكم فيها. و هذا المجال قد يستفاد منه بشكل أكثر قطاع الري الزراعي؛ وهو أكبر مستهلك للمياه. وسوف نناقش ذلك فى المقال القادم بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى