في مكتب أحمد بهاء الدين بجريدة الأهرام المصرية
الشيخ سالم بن محمد بن أحمد العبري | سلطنة عُمان
لعل لقائي الوحيد بالأستاذ أحمد بهاء الدبن. ما يحتاج أن يسجل بأهمية. فائقة لما اتسم به من حميمية ومصارحة ونحن نقلب صفحات الأمة المنكوبة بشخوصها وفعالها وحروبها ولم تخلُ من طرافة.
كانت الزيارة في ربيع عام ١٩٨٦ بمكتبه بجريدة الأهرام بعد عودته من الكويت بعد أن ترك رئاسة تحرير العربي، كانت الساعة بعيد الواحدة ظهرا وكان يرافقني الصحفي أحمد أبو بكر الذي انضم للعمل معنا بالمحلقية الإعلامية بترشيح من السفير السابق غالب جبران لقرابة بينه وزوجة السفير. فما إن وصلنا المكتب وأذنت لنا السكرتيرة بالدخول على الأستاذ إذا بالكهرباء تنقطع ونحن نلج مكتبه فصرنا لا نرى بعضنا بعضا والمكتب صغير لا اتصال له بالضؤ إلا بنافذة مماثلة له على منور داخلي وصرنا نمد أيدينا للمصافحة وكأننا عميان وكان مكتب الأستاذ الكبير. عنوان لسلوكيات م}سستنا ونظمنا مع العقول والشخصيات التى تتنتمي لعهد وفكر قلب وجها على عقب تنبهت متأخر السكتيرة للحال المؤلم الظريف ففتحت على عجل نافذة المنور. فتسلل الضؤ خفيفا. مكننا من أن نرى وجوهنا بيسر. وأن نستوي على الكراسي باعتدال.
كان أحمد أبوبكر قد تعود أن يضع نفسه معرفا تجملا منه وظنا منه أنني قد لا أكون على معرفة ملائمة بالشخصيات التى نلتقيها والحقيقة أنني كنت ذي معرفة جيدة. بالشخصيات فكرا وسيرة وخصوصا مثل هذه الشخصية البارزة في الفكر. والصحافة والرأي وأحاطت بمصر تاريخا وشخصيات وفكرا. مما حذا بوزير الإعلام السابق عبد العزيز الرواس أن يختارني لهذا العمل وأن يجد اقتراحه موافقة فورية من الأستاذ صفوت الشريف فلقد كنت معروفا لدى قطاع جيد من الإعلام، وبالذات بالاذاعة والتلفزيون ومبني مسبيرو وصالوناته وجلساته.
كما لم أكن مجهولا حتى مع الأجهزة الأمنية فلفقد استدعاني الأمن العام بمكتبة بالدقي مرة واحدة كطالب جامعي طيلة تواجدي بمصر من ١٩٦٨ و حتى ١٩٧٩ كطالب وكنت أحمل بيدي كتيبا ضم مجموعة المقالات التى نشرت بصفحة الحوار القومي التى خصصها أحمد بهاء الدين أثناء رئاسته لتحرير الأهرام بعد أن أعفي من عمله ومفكرها محمد حسنين هيكل منها وقد اشتد الاختلاف بينه وبين الرئيس أنور السادات.
وكنت قد حرصت على اقتناء الكتيب رغم أنني قد احتفظت بجميع تلك المقالات تلك وأظن لازالت بمجموعة الكتب التى ببيتي بالحمراء تضم بعض أعدادا من صحف المعارضة المصرية كصحيفتي “الأهالي” و “الشعب”
بعد أن تم تاكيد التعارف بيننا. ونحن نحتسي شاي ضيافة الأهرام. لاحظ أن الكتاب بيدي وهو يكاد يكون في حينه قد أخرج من غلافه الخارجي.. قلت هذا كتابكم إنه مجموعة مقالات الحوار القومي. أخذته معي لأقرأه. وأنا بالطائرة. ربما جاء اختياره وأنا أقلب في مجموعة الكتب لآخذ معي ما يصاحبني في الرحلة. إنه بغلافه لم يفتح. وربما لارتباطي بمثل هذا التوجه وهذا الفكر خصوصا ضم كتابات كوكبة. مميزة. من كتاب تلك الحقبة.
ولقد سعد – رحمه الله – بهذا الالتقاء بيننا من خلال ماتداولناه عن موضوعات الكتيب ومن خلال اكتشافه أن من يتحدث معه شخص قد لا يتوقع اهتماماته وإلمامه بقضايا جلنا بها. والحقيقة أن الارضية الفكرية قربتني غليه
فأنا آتي من مدرسة تقليدية عمانية مرجعيتها العلمية تقوم على علوم اللغة العربية والفقه والتاريخ وكنت أُلِمُّ حتى ببعض اللهجات السائدة في مصر وكان والدى – رحمه الله – يقول إن لهجة جماعتنا وأصدقائنا الخواطر تشبه السائدة بصعيد مصر حيث يبدلون القاف إلى همزة والخواطر معنا يقلبون العين إلى همزة فيقولون لـ (سعيد) (سئد) ثم إن الأستاذ وهو رجل قانون وكنت قد درست مبادئ القانون، وهو قومي عروبي وأنا آت من مدرسة مماثلةٍ كان والدي قد سجل معلومات وافية عن حرب السويس ١٩٥٦ على هوامش ديوان شوقي فكنا ونحن نقلب أجزاءه. كنا نرى شبه تقرير عن وقائع حرب السويس وحين تم القضاء على الوحدة العربية المأمولة عند غالبية أفراد الأمة من مشرقها إلى مغربها عم الاندهاش والحزن والحسرة وأجهش أخ لنا بالبكاء وهم يتابعون تلك الأحداث التى ما توقعها أحد في فترة قصيرة. من تلك التجربة فأنشد الوالد العلامة إبراهيم بن سعيد العبري هذا البيت
أيها الغاربي زمً الرحالا
وأقصدناً مصر كي تعين جمالا
وربما نحن نجول في هموم الأمة ساقنا ذلك للتعرض للبلوى الناتجة عن تفرق الأمة إلى مذاهب وفرق والتعصب الأعمي لها، وكنت قد تدارست كتاب الدكتور مصطفي الشكعة (إسلام بلا مذاهب)، وكتاب الليبي الإباضي على معمر ( الإباضية في موكب التاريخ).
ومن ثم فلدي أساس للتحاور مع مثل هذه الشخصية الفذة والذي كان يتألم من هذا التعصب والتعنت الذي يبديه بعض من يتعصبون للمذهبية (ك ابن باز) وقد نعته بأنه إحدى مصائب الأمه وربما قد أشرت إلى مخاطبات ومارسلات الشيخ ابن باز إلى العلامة إبراهيم العبري وشدته التى يبديها في ألفاظه بينما يحاول العلامة العبري أن يخاطبه بالحسنى وبأسلوب رفيع راق؛ بينما هو كما هو وكأنه يوحى إليه. وبينما العبري يتودد له لعل تدخله الحسني واللطف مضامين حواره فيبلغه سلام السلطان قابوس – رحمهم الله -.
ومما يدلل على مانقول أن إحدى مراسلاتهما نشرت في وسائل التواصل من أيام فاتصل بي عدد ممن قرأها مشيداً بسباك خطاب العلامة العبري مقابل شدة العلامة ابن باز، وبعد تعقيب بهاء الدين كنا قد أخذنا من وقته أضعاف ما نظن، ولم ألتقه ثانية وحين اشتد مرضه المزمن حاولت زيارتهأاثناء ترددي على القاهرة؛ لكن المقربين كانوا لا يشجعون ذلك.. رحمه الله؛ وجزاه خير الجزاء نظير انتمائه، و دفاعه عن الأمة وعن الفكر الصحيح.
الجمعة ٢٣ محرم ١٤٤٢ه
١١ سبتمبر٢٠٢م.
استراحة الهوته / الحمراء