ما الفرق بين النكاح والزواج؟
ماجد الدجاني | فلسطين
موجود “زوجناكها” في القرآن الكريم. الزواج هو زوّجه أي قرنه به، قلنا زوج الرجل هو قرينه أما النكاح فأصله العقد عقد الزواج ثم استعير للجماع بدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ (49) الأحزاب) العقد قبل الدخول هذا الأصل لكنه استعير للدخول لعملية الجماع نفسها.
العقد في الزواج هو النكاح نقول عقد النكاح، من حيث اللغة جائز أن يقال تزوجت (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا (37) الأحزاب) يعني أصبحت زوجة له. كلمة الزواج تدل على الاقتران والنكاح العقد (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) ص) (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) الزواج تدل على الإقتران لكن فيها عموم وشمول والنكاح فيها خصوصية العلاقة بين الرجل والمرأة والزواج أعم.
والملاحظ أيضاً في استعمال القرآن في الزواج لا يستعمل في الحور العين متعدي إلى مفعولين وإنما يقول (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) وإنما في زواج الدنيا نقول زوجته فلانة كما في قوله تعالى (زَوَّجْنَاكَهَا) متعدي إلى مفعولين الكاف والهاء أما في الحور العين ما قال نزوجهم حوراً عيناً وإنما قال زوجناهم بحور عين. هذا الاستعمال القرآني في الحياة الدنيا يستعمل متعدي إلى مفعولين وفي الآخرة يستعمل مفعول به واحد (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) يعني قرنّاهم بحور عين.
*(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) الأحزاب) ما اللمسة البيانية في هذه الآية مع أن الرسول من ضمن من قال تعالى فيهم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا
التزاوج والمُزاوجة والازدواج في اللغة لا يدل على الزواج، إنما يدل على الاقتران والالتصاق الذي لا يوجد فيه انفصال، يقال (زوّج) الأشياء تزويجا وزواجا قرن بعضها ببعض[1]. وكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، وهو يكون بين الإنسان والحيوان والجماد والنبات.. فالتزاوج والمزواجة ليس بالضرورة أن يكون فيهما نكاح، فعلى سبيل المثال نجد أن القرآن يعبر عن إنجاب الرجل للبنين والبنات بلفظ التزويج: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:50). كما أنه يعبر بلفظ الزوج عن خروج أصناف النباتات: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) (طه53). كما أنه يعبر عن الاقتران بين الشيئين بلفظ التزوج، يقال: زوجت إبلي: إذا قرنت بعضها إلى بعض، ومنه قوله عز وجل: (وإذا النفوس زوجت) (التكوير) وقوله: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي قرناءهم.
فلو استخدم القرآن لفظ الزواج بدلا من النكاح لكان هذا معناه أن كل من يتزوج لا يمكن أن ينفصل عن زوجته بطلاق أو بغيره، وأن الالتصاق والاقتراف الذي حدث بينهما شيء كوني لا يمكن فصله.
ومعناه أيضا أن كل زواج يتم هو زواج مثالي يحوي كل معنى الزوجية التي أرادها الله.. وهذا كلام مخالف لسنن الكون، حيث نجد أن كثيرا من الأزواج لا يربط بينهما إلا غرفة النوم، ولا يربط بينهما إلا سقف البيت فقط.
ولهذا استخدم القرآن لفظ النكاح الذي يدل على الزواج، لأن كل زواج بين رجل وامرأة لابد أن يقوم على النكاح، لكن ليس كل نكاح فيه معنى الزواج، ويشير القرآن إلى الزواج بلفظ النكاح في جميع آياته فيقول مثلا: (ولاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة235)، ويقول أيضا: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)النور33 ويقول أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) (الأحزاب:49)
ولم يستخدم القرآن لفظ الزواج للدلالة على الزواج المعروف الناس إلا في موضعين فقط؛ الأول: في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش؛ حيث قال: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب37)، لأن ما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زينب بنت جحش ليس نكاحا، كالمعروف بين الناس إنما هو زواج في أرفع معانيه؛ لأن زينب رضي الله عنه أعطت زوجها كل ما تستطيع إعطاؤه دون إمساك أو تحفظات أو مساومات، ودون حساب لما أعطت وما أخذت.
ولا يصح أن نطلق على ما حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السيدة زينب، كلمة زواج بمعناها الشرعي أو الديني فحسب، ولكن يجب أن نستخدم كلمة زواج بأوسع معانيها الروحية، وهو الاتحاد الدائم السعيد بين روحيين وجسديين متآلفين..
والموضع الثاني الذي استخدم القرآن فيه لفظ الزواج ولم يستخدم لفظ النكاح عند الحديث عن زواج المؤمن من الحور العين في الجنة فقال: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الطور20)، وقوله: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الدخان54)
أما كلمة النكاح في اللغة فهي مجاز وهي ليس بمعنى الوطء، ولم يستخدم القرآن كلمة الوطء للدلالة على الزواج، إنما استخدم معنى مجازيا غير موضوع للوطء أصلا، وهو النكاح، فالنكاح في اللغة معناه المخالطة بين شيئين قد يحدث بينهما انفصال، وهو مأخوذة من قولهم: (نَكَحَهُ الدَّوَاءُ إذَا خَامَرَهُ وَغَلَبَهُ، أَوْ مِنْ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ، إذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، أَوْ مِنْ نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ إذَا اخْتَلَطَ بِثَرَاهَا.. وَعَلَى هَذَا َيَكُونُ النِّكَاحُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِهِ).