إعادة بناء المفاهيم وأسئلة الاستنهاض الموؤدة

د. يوسف زيدان | الإسكندرية

إن عملية “إعادة البناء” على الرغم من أهميتها، محفوفة بمخاطر عديدة لابد من الانتباه إليها. إذ أن كل طرح جديد لمسألة كبرى، هو في واقع الأمر اجتهاد عقلاني لا يزعم لنفسه اليقين التام، وهو لا ينطلق من المزاعم المسماة بإدعاء كاذب “الثوابت والأصول الراسخة” ولا يستند إلى ذلك (الحق المطلق) المزعوم، الذي أثبتت تجارب الأمة أنه زعم مزبف.

و كل جهد و اجتهاد لإعادة بناء المفاهيم العامة والتصورات الأساسية، لا يكتسب مشروعيته من  (الإنابة عن الله) حسبما يفعل، و بالأحرى يدعى، كثيرون ممن أطلقوا وظنوا أن غاية الدين ومنتهاه، هى حف الشوارب. 

و لا بأس عندهم مع إطلاق اللحية من إطلاق الشهوات الغريزية إلى سقفها الأعلى، ونكاح القاصرات، و قتل المخالف كلما وجدوا إلى قتله سبيلا. فإن لم يتيسر لهم ذلك.  اتهموه في عقيدته وفى عقله وفى وطنيته، كأنهم حراس العقيدة والعقلانية و الأوطان. 

وما هم بالحقيقة إلا انتهازيون يلعبون بالقيم المطلقة في ميدان الأغراض المؤقتة. . بلا خجل ولا وجل و لا كتاب مبين. 

و”إعادة بناء المفاهيم الغامة” لا تندرج تحت تحليل الأحداث الجارية والأخبار المتضاربة التى يزخر بها واقعنا، وإنما تنبع من الرؤية الكلية للواقع و من طرح الأسئلة الكبرى الركيزية، التي تصعد من التفصيلات والجزيئات إلى العمومى الشامل. 

فمن هذه الأسئلة مثلا :  

_ ما الذي أدى إلى التدهور السريع في بلادنا، و هل لذلك صلة بنمط التفكير الجمعى السائد بين الناس؟ 

_ لماذا انحطت لغة التعامل اليومى وقصرت عن التعبير بدقة عن المعاني، بل انقلبت دلالة المفردات حتى صارت أحيانا تعنى المعنى المضاد لمعناه الأصلي الفصيح؟ فإذا كانت اللغة هى وعاء الفكر، فكيف يمكن للفكر الجمعى والعقل العام أن يتطور بأوعية صدئة مترهلة الدلالة؟ 

_ لماذا انهارت منظومة القيم فى مجتمعنا، فأسست (الفهلوة ) بديلا عن الإتقان، وصارت  (الوصولية) مكان الإلتزام، وسادت (السفاهة) فى موضع الجدية!  فكيف يمكن أن ينضبط السلوك العام، إذا كانت الأفكار المحركة له فى حالة فوضى؟ 

_ لماذا صارت مصر بلدا طاردا لأهله، ويحلم الواحد منهم بالهجرة الدائمة أو المؤقتة مع أنها كانت حتى منتصف القرن الماضي، موطن جذب للأجانب الذين كانوا يفدون إليها فرادى وجماعات، للعمل أو الاستقرار، و طالما وفد إليها  سكتها آنذاك إيطاليون ويونانيون وأرمن وشوام وأسبان وفرنسيون. 

فإذا بها بعد منعطف تاريخي حاد، تتحول من موطن جذب إلى جهة طرد ويجرى (الهجاج) المصرى الذى نزح حلاله خيرة الأيدى العاملة وصفوة المتعلمين، وبقى بالبلاد المعذبون في الأرض. 

و قد وصل اليوم عدد المصريين العاملين خارج مصر إلى عشرة ملايين، ناهيك عن الذين هاجروا بلا نية في العودة.  فهل كل ذلك منطقى؟ 

_ لماذا لم يحصل مصرى يعمل في مصر على جائزة نوبل فى العلوم، مع أن الواقع العلمى فى الأربعينيات من القرن الماضي، وفى بداية الخمسينات كان يبشر بذلك؟ و لماذا لم يحصل فيلم مصري على جائزة  “أوسكار ” واحدة، مع أن صناعة السينما بدأت في مصر قبل ابتدائها فى عدة بلاد أوروبية؟ 

_ لماذا انهار التعليم وتم تجنيد البلاد وتبديد خيراتها لصالح تنمية قدراتها العسكرية وتحرير فلسطين التى لم تتحرر ! و كيف غازلت الحكومات شعوبها بحلم الوحدة العربية، ومرت السنوات الطوال العجاف على الناس فأكلت قلوب ثلاثة أجيال، والتهمت حيواتهم سدى، و لم تتحقق أحلام الوحدة العربية ؟ 

تلك هي الأسئلة الأهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يوسف زيدان هذا يشكك في الثوابت والأصول بل يشكك في العقائد وفي التنبؤات…. فهو لا يستحق أن ينظر حتى في كتاباته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى