في بيداغوجيا الترجمة (1)
أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | أستاذ التربية واللغويات التطبيقية
نقصد بـالبيداغوجيا pedagogy الأساليب المتعلقة بالتعليم والتعلم وأصول التدريس وفلسفته، والكلمة الإنجليزية مشتقة من pais اليونانية التي تعني الطفل [في حالة الإضافة تصير paidos] (ومنها طبيب الأطفال Pediatrician).
وللترجمة في التعليم تاريخ طويل، اختلط فيه استخدام الترجمة كطريقة لتدريس اللغات الاجنبية translation as medium بتدريس الترجمة ذاتها كمهارة أساسية من مهارات اللغة translation as message.
فإذا نظرنا للجانب الأول – وهو الأقدم تاريخيا- وجدنا الترجمة من أقدم طرائق التدريس التي عرفها البشر لتعليم اللغات الاجنبية؛ وهذا طبيعي في ضوء انعزال الأمم قديما وانحسار علاقتها سوى في التجارة أو الحروب، وبالتالي كان تعلم اللغات الاجنبية لا يستهدف سوى معرفة آداب الأمم الأرقى – في الإطار الأوروبي يقصد بها آداب اليونان والرومان- والترجمة منها. لذا كان تعليم اللغات الأجنبية يتم من خلال شرح قواعد اللغة المستهدفة بلغة المتعلم الأصلية، ثم تقديم عددا من الامثلة على القاعدة يتبعها تدريب على الترجمة من اللغة المستهدفة أو إليها. واستمر هذا الحال فترات طويلة من الزمن – حسب (Howatt & Widdowson, 2004) مؤلفي A history of English language Teaching استمر 1800 سنة- حتى زمن تنامي الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية (وهو ما دحضناه في بحثنا عن تعليم اللغة العربية للأسبان في الأندلس(A. Abdellah & Haridy, 2017).
وقد اعتاد منظرو اللغويات التطبيقية وطرائق تعليم اللغات التأكيد على نقد طريقة القواعد والترجمة واستهجانها وتبغيضها للطلاب والمعلمين جميعا. ويرجعون السبب في ذلك إلى أن الطريقة لم تكن تقوم على أي أساس نفسي له نظرية واضحة للتعلم، كما لم يكن لها أساس لغوي في نظريات علم اللغة كذلك. ثم وصمت الطريقة بأنها تعوق تعلم اللغات لا تيسره لأن المتعلم يكون مفكرا طوال الوقت بأسلوب لغته الأم ومنشغلا بالتحويل من وإلى اللغة المستهدفة، وهذا يعوق تقدمه السلس في استخدام اللغة.
الترجمة كطريقة لتعليم اللغات الأجنبية في العالم العربي
وقد ورث العالم العربي هذا الاستهجان لطريقة القواعد والترجمة، وصار من المحرمات المهينة taboos استخدام اللغة العربية في فصول اللغات الأجنبية، رغم أن الواقع يصرخ بغير ذلك. فهذه الطريقة – رغم ما نالها من نقد عبر القرون – هي الطريقة السائدة في الإفهام والتفهيم في التعليم النظامي – الذي لا يقع تحت عين الرقيب- أو غير النظامي (في الدروس الخصوصية). والحقيقة أن النقد الموجه -عبر القرون- لهذه الطريقة ليس نقدا بريئا، بل نقد مغرض وضعه ساسة الاستعمار الغربي في إطار تطويرهم للطريقة السمعية الشفاهية Audio-lingual method والتي وضعها رجال الجيش لإحكام السيطرة على الشعوب المقهورة. فهذه الطريقة الأخيرة تقوم على اعتبار أن اللغة ليست للتواصل ولا الفهم وإنما هي محاكاة لأهل اللغة الناطقين بها، ولا تتم هذه المحاكاة إلا من خلال معلم للغة من أهل اللغة أنفسهم، وأن أي معلم من الشعوب المستعمرة مهما بلغ تمكنه من اللغة والتربية فلن يستطيع أن يعلم لغة الغازي كما يعلمها أبناؤها، كما تقوم الطريقة على التكرار الممل والتقليد الساذج لكل أصوات وحركات وإيماءات وتعبيرات وجه المعلم ابن اللغة. وواضح أن المستهدف هو أن يفقد أبناء الشعوب المقهورة ثقتهم في أنفسهم، وثقتهم في لغاتهم الأصلية التي لا يتصورون أن تعينهم على تعلم لغة المستعمر، كما تستهدف الطريقة تكوين مسوخ من الشخصيات المقلدة لا للنطق الأوروبي فقط بل للشخصية الأوربية كلها. (كان أحد الأساتذة يعبر عن سذاجة الطريقة بقوله إن رأيتموني عطست فاعطسوا If you see me sneeze, you sneeze.
وأما القول إن الترجمة لا تقوم على نظرية نفسية ولا لغوية فهو كذلك قول باطل؛ فالبحوث الحديثة أثبتت أن كل لغات البشر تتشابه في مكونات أساسية لا تحيد عنها واحدة، وهو ما أطلق عليه نعوم تشومسكي القواعد العالمية Universal grammar (White & White, 2003)وبالتالي فالتفكير اللغوي يتشابه – بل يتماثل أحيانا كثيرة، والترجمة تعمل على تذليل هذا التفكير وتيسيره لا إعاقته. وبالنسبة للنواحي النفسية، فلا يمكن إغفال أن المتعلم يأتي للصف بمعرفة سابقة كبيرة بقواعد وأنظمة وأبنية عقلية وأساليب تفكير لغوية مسبقة مختمرة في لغته الأم، وأن هذه حصيلة وثروة عظيمة يبني عليها وتستثمر في تعزيز تعلم اللغات الاجنبية.
وحديثا، أعيد النظر في كثير من النقد الذي كان موجها للترجمة كطريقة للتدريس، ونشرت عدة كتب حول أهميتها وحدود استخدامها، منها كتاب Translation in Language Teaching: An Argument for Reassessment(Cook, 2010) وكتابنا (Abdellah, 2010)Pedagogies of Translation