وجهة نظر رجل شرقي في نظرية النسوان الغربية

الدكتور خضر محجز | مفكّر فلسطيني

 

ويسألنني عن الجندر. فها هو: الجنوسة (Gender) مصطلح غربي أترجمه بـ(النسوان): في العالم الدنيوي هذا ثمة نسوان، يرين أن الرجل ظلم المرأة طوال أحقاب التاريخ. فهن يقترحن على أنفسهن بأن المرأة هي مصدر الحياة الأول، وسيد المجتمع الأول، الذي هو (أمومي) في أصله، المرأة فيه لا تنجب الأولاد لأب معين، بل تنجبهم لنفسها، وتنسبهم إليها، بغض النظر عن الآباء وتنوعهم. وتستشهد النسوان على صحة قراءتهن هذه لتاريخ النوع البشري، بما يقلن إنه يدور في العالم الأصيل قبل التطور، عالم الحيوان، كما تقترح ذلك نظرية داروين. فالجنس (sex) في نظر النسوان هو فعل الحب، أما الجنوسة (Gender) فتعني تميز المرأة على الرجل، للأسباب التاريخية التي ذكرناها. وعلى أقل تقدير: مساواتها التامة له في كل شيء. تغضب النسوان من كلمة (الجنس/sex) إذ يرينها تحيل إلى فعل سيطرة يعتلي فيه الرجلُ المرأة ـ مادياً ومعنوياً ـ دون أن تمنحه الطبيعة الحق في ذلك. من هنا تفضل النسوان تسمية العملية الجنسية بـ(المشاركة في الفراش)، أو (فعل الحب) ويلقين باللوم في سبب اقتراحهن ذلك على الرجل، لأنه هو من اختلق اللغة، وجعلها ذكورية، تعبر عن (الاعتلاء) لا في الفراش وحده، بل في كل مناحي الوجود الواقعي (الحياة) والرمزي (التعبير اللغوي عن الحياة).

فالجندر أو النسوان ـ حسب هذا القول ـ تمثل فعل الحياة الأول، عندما كانت المرأة مساوية للرجل تماماً، في الحقوق والواجبات، قبل الهيمنة الأخيرة للرجل، تلك الهيمنة التي حولت المرأة إلى مجرد أداة للجنس وفعل الإمتاع، والخدمة في الحقل والبيت. وقد أدى الجدل حول ثنائية الجنس والجنوسة، وفاعليتهما، في الإبداع النسوي، إلى الخوض في غمار موضوع (الاختلاف) وهو مصطلح آخر أريد به الإشارة إلى اختلاف الكتابة النسوية عن الكتابة الذكورية، الأمر الذي أدى إلى ظهور نوع من الكتابة النسوية، يهتم بإبراز الخصوصي في الطقوسي لدى جسد المرأة المبدع.

وهذا الخصوصي في الطقوسي للجسد النسوي حين يكتب، سوف يؤدي ـ لا محالة ـ إلى خلخلة المفاهيم القارة، التي تقول النسوان إن الرجل ثبتها عن المرأة، طوال التاريخ، وذلك من خلال كتابة نسوية إبداعية وتاريخية، مختلفة عن كتابة الرجل، تظهر فيها تقلبات الجنس وتغيرات الجسد، وتفجرات اللغة، وفورات العاطفة الجموح، بخلاف الرجل الذي يكتب كتابة عادية تحكمها اللغة المستقرة. تطالب حركة النسوان بمنع التعدد، وحق المرأة في فسخ مؤسسة الزواج، وحريتها في جسدها خارج بيت الزوجية، وحقها الكامل في المساواة مع الرجل في كل الوظائف، بما فيها وظائف قيادة الجيش والحروب، وحقها في العمل والأجرة المتساوية مع الرجل، وحقها في حضانة الطفل ونسبته في شهادة الميلاد إليها، باعتباره جزءاً من جسدها… إلخ ملاحظة: لم أسمع عن مطالبة النسوان بحقهن في المساواة مع الرجل، في أعمال شق الطرق وجمع القمامة.

وطبعاً هذا العرض هو للمقولات المتوازنة لحركة النسوان، فثمة حركان نسوان أكثر تطرفاً، تدعو إلى هدم مؤسسة الزواج باعتبارها تطوراً تاريخيا نشأ في غفلة المرأة، وترى أن كل ما تنتجه المرأة في الحياة أفضل مما ينتجه الرجل، في الكتابة والصناعة والاختراع… إلخ أخيراً ربما يجدر القول بأن حركة النسوان تنظر بريبة مقيتة إلى مؤسسات صنع الجمال في الغرب، وتجارة المكياج، واستخدام النساء في الترويج للبضائع، وترى في ذلك استعباداً واستغلالا لجسد المرأة. وربما كانت هذه الاعتراضات (الجمالية) هي أضعف نقاط العرض لدى جماعة النسوان، لأنها منعت غالبية النساء من التعاطف معها. وأخيراً، يمكنني القول بأن العديد من النسوان يرين أن المرأة مقصرة في نيل حقها، ويطالبنها بالتقدم والريادة، حتى في طلب الجنس حين الشعور بالحاجة إليه، لأن الخجل هو مجرد حاجز نفسي من بقايا هيمنة المجتمع الذكوري. اطلبي الجنس يا سيدة الجندر، ولا تخجلي، فالذي غرس فيك الخجل، ليس هو الطبيعة، ولا خالق الطبيعة، بل الرجل: إذ رغب في أن تبقي سلبية تنتظرين أن يولج الآخر فيك فتستقبلي. كوني مبادرة وليستقبل هو… إلخ هذا عرض موجز من وجهة نظر رجل شرقي لنظرية النسوان الغربية المنشأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى