غيبوبة العرب
د. حنا عيسى | فلسطين
(الأمة التي تفضل التغيير وهي في السرير لن يغيروا لها إلا “البامبرز”)
(إن من أحد أسباب أزمة الفكر العربي، غياب البوصلة الفكرية، وذلك نتاج طبيعي لغياب المبادرة والإبداع. فقد بدأ مشروع اليقظة العربية، وهو مشروع سياسي بامتياز، من غير مشروع فكري، وكان ذلك أمراً كارثياً، لأن أي مشروع سياسي، لن يكون ناجحاً ما لم يسنده مشروع فكري، بمبنى فلسفي واضح.
كان دور حركة اليقظة العربية ، لحظة انبعاثها، هو دور الناقل للأفكار وليس الصانع لها. وكان الأبرز بين تلك الأفكار، فكر الحداثة، باعتبار مشروع الاستقلال عن الهيمنة العثمانية، في نسخته الأصلية مشروعاً حداثياً، يتطلع إلى تقرير المصير وتشييد دولة الحق والقانون.فلم يكن المسار الفكري الفلسفي في المحيط العربي مساراً شائكا فحسب، بل كان مثقلاً بالذهنية الانغلاقية.. لماذا؟ لأنه، حتى في الدول التي تسمح بتدريس الفلسفة تقرر مناهج وبرامج دراسية ومقررات لا تكاد تمت الى الفلسفة بصلة.
فالناس في وطننا العربي يطالبون بحرية التعبير كتعويض عن حرية الفكر التي نادراً ما تستخدم . فمشكلة العرب أنهم لا يشاركون في صنع الحضارة وإنما يتفرجون عليها فقط من جهة أولى ومشكلتهم الثانية أنهم يعيشون في مكان واحد ولكنهم لا يعيشون في زمان واحد من جهة أخرى.
إذن، الحقيقة تقول أننا اول أمة في التاريخ وأخر أمة في العلوم.. وهذا النوع من الشعوب يسهل تحويل رأسه الى كرة يتم التلاعب بها.
وعليه، أصبحت مهمة المواطن العربي صعبة، فعليه أن يحافظ على حياته من البلطجية وأن يحافظ على عقله من السياسيين.
وأخيرا في هذا السياق نشير الى أن حال الفلسفة في عالمنا العربي المعاصر تعاني من محنة حقيقية يدركها كل من يعمل في مجالها، وتعاني المدارس والكليات والجامعات العربية من تراجع ملحوظ في تدريسها، لا بل ثمة عدائية حيال الفلسفة بوجه عام، وكأنها شيطان شديد الغواية ، يغوي الناس ويقودهم الى ارتكاب الأفعال المرذولة، أو كأنها عقبة في سبيل التقدم والتطور والرقي الحضاري).