الحِسُّ بين العملية والناتج
هدى مصطفى محمد | أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية سوهاج
يقولون حس الشيء، أحسه، تحسس، حسيساً، حساساً. كلها ألفاظ توحي بالشعور والعلم والإدراك والتتبع.
ويرى البعض أن الحس أدنى المستويات ، فالحس هو أول العلم لقوله تعالى : “فلما أحس عيسى منهم الكفر” (أل عمران: 52) أي علمه واستشعره لأول وهلة وقد يزيد في درجاته لدى البعض ليتم التعبير عما يمتلكه من حس بصيغة المبالغة ” حساسًا ، حسيسًا “
والحس له جانبان أحدهما فسيولوجي والآخر نفسي وجداني. وبذلك يمكن ربطه بالحواس فالإحساس لا يتم إلا من خلال الحواس الخمس: السمع والبصر والشم والتذوق واللمس بأدواتها وآلاتها: الأذن والعين والأنف والفم والجلد ويمكن تصنيف الحس حسب آلته ليكون الحس السمعي، والحس البصري، والحس الشمي، والحس التذوقي، والحس اللمسي.
ويمكن نسبة كل علم لواحد أو أكثر من هذه الأنواع فعلى سبيل المثال: الحس السمعي أكثر ارتباطاً باللغة والموسيقى، الحس البصري أكثر ارتباطا بالهندسة والرسم والقراءة، الحس الشمي أكثر ارتباطًا بعلوم الطهي والنباتات والزينة،
الحس التذوقي أكثر ارتباطًا بعلوم الطهي والزراعة وعلى سبيل المجاز نربطه بعلوم اللغة التي تعتمد أن للكلام مذاقًا وتأثيرًا يفوق حلو المأكولات والمشروبات ويصل لحد إخمار العقل، والفئات التي تعتمد على اللمس في إدراكها للعالم الخارجي يمتلكون هذا النوع من الحس ولا يستغنون عنه في كل أحوالهم .
ويمكن تصنيف الحس حسب المحتوى ليكون هناك: الحس العلمي، والحس الرياضي، والحس اللغوي، والحس الديني، والحس التاريخي، والحس الجغرافي، الحس الفني وإمعاناً في التخصصية هناك من الحس الرياضي: الحس العددي، الحس الهندسي، الحس الجبري.
ومن الحس الفني: الحس الموسيقي، الحس بالألوان، الحس بالرسوم .
أما الحس اللغوي: يمكن أن يصنف وفق تقسيم اللغة كفنون فيكون الحس الاستماعي، الحس القرائي ، الحس الكتابي، الحس الكلامي .
ويمكن تصنيفه وفق الفروع اللغوية ليكون الحس النحوي، والحس الأدبي، والحس القرائي، الحس البلاغي، الحس الخطي، الحس الإملائي.
أما بالنسبة للحس الديني فحسب فروع التربية الدينية الاسلامية يكون هناك الحس القرآني إذا ما ارتبط ادراك الفرد لمعنى وتفسير القرآن وأحكام تلاوته ، والحس النبوي إذا ما ارتبط الادراك بمعاني الأحاديث النبوية وما يرتبط بعلوم الحديث ، والحس الفقهي إذا ما أدرك الفرد وكان سريع البديهة فيما يخص موضوعات العبادات التي تتناول علاقة الإنسان بربه ، والمعاملات التي تتناول علاقاته مع غيره من البشر، والحس العقدي( العقائدي) إذا ما كان الفرد أكثر إدراكًا ووعيًا بالموضوعات التي ترتبط بالعقيدة بمباحثها (الإلهيات – النبوات – السمعيات) والحس بالسيرة بالمعنى العام ليكون أكثر إدراكًا واستمتاعًا بدروس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته وصحبه الكرام وخلفائه الراشدين وكل الشخصيات التي قدمت خدمات للإسلام ، والسيرة بالمعنى الخاص ليقتصر حسه وإدراكه لدروس سيرته صلى الله عليه وسلم منذ ميلاده وحتى وفاته.
وبذلك فالحس كأحد الجوانب الوجدانية التي ينبغي الاهتمام بها هو ضرورة لنجاح كل فرد في تخصصه فلا ينجح صاحب مهنة إلا بامتلاكه الحس في تخصصه فكبير الطهاة الذي يمتلك الحس في مهنته لا يحتاج لتذوق كل ما يتم إعداده من الوجبات والأصناف بل في كثير من الأحيان يحكم على جودة ما أعد عن طريق حسه الشمي، ومهندس السيارات الحساس يكفيه أن يستمع لصوت السيارة ليكشف ما فيها من مشكلات وما تعانيه من عطب. ومن يمتلك الحس التكنولوجي لا يستغرق في شراء جهاز جديد أو إدراكه لجودة برمجية ما سوى وقت قصير.
وبذلك لا يمكن القول بأن الحس هو البداية أو النهاية بل هو بداية التعلم وهو منتهاه، ولتكن البداية بزرع إحساس المتعلم بما يدرس ويتعلم ويرتبط به وجدانياً فإذا ما أحب ما يتعلم ويدرس أصبح متقناً له ومتميزاً فيه ليكون أكثر إدراكاً وحسًا بموضوعاته .
وختاماً: يمكن القول: إن الحس يتمثل في العمليات التي من خلالها يدرك الفرد و يتفاعل في أي مجال ( لغوي – ديني – علمي – فني..) وهي في الوقت ذاته تمثل النواتج المبتغاة من هذا المجال أو التخصص . فهو العملية والناتج .