العرب أمة القرآن.. دروس في التاريخ (1)

د. خضر محجز  | فلسطين

يبدو أن علينا أن نُلِمَّ ببعضٍ من تاريخ المنطقة، التي تدور في ساحاتها المعارك الآن، في كل من الشمال الشرقي بالعراق والغربي بالشام، خصوصاً والمنطقتان عربيتان محتلتان من قوى أجنبية، هي الفرس والروم.

وقد يعجب من يقرأ هذا الكلام، من قولي إنهما منطقتان عربيتان، إن لم يدرك أن عديداً من القبائل العربية، استوطنت العراق والشام في عصر الجاهلية الأولى ـ في القرن الثاني الميلادي، قبل الإسلام بما لا يقل عن ثلاثة قرون ـ ونقلوا اسم جزيرتهم الأول إلى محل سكناهم الجديد، فسموه: «الجزيرة»، ثم صار المؤرخون يسمونها فيما بعد بـ«جزيرة الفرات»، تمييزاً لها من جزيرة العرب، في الربع الخالي وتهامة ونجد والحجاز. ويبدوا أن العرب استغلوا موقع سكناهم الجديد بين نهرين ـ دجلة والفرات ـ ليسموه: «جزيرة»، حيث نقلوا معهم إلى هناك أيامهم وتواريخهم وعداواتهم وأشعارهم.

وكان من أشهر القبائل التي سكنت «جزيرة الفرات» التنوخيون واللخميون والغساسنة وبنو بكر وتغلب وإياد وقبائل أخرى. ولا يزال جزء من موطنهم القديم هذا يحمل اسم «الجزيرة» إلى يوم الناس هذا، شمال سوريا والعراق وجنوب تركيا، مما يحمل اسمهم إلى اليوم، فيقال له «ديار بكر».

أما الجاهلية عند المؤرخين فجاهليتان: جاهلية أولى: وهي التي تكلمنا عنها. وجاهلية متأخرة: وهي التي سبقت الإسلام بقرنين أو أدنى.

فإن قيل: «العصر الجاهلي» ـ هكذا بإطلاق ـ فهو الجاهلية المتأخرة. فإن آن لنا أن نتكلم عن الفترة التي سبقتها، قلنا: «الجاهلية الأولى».

واعلموا أيها ـ السادة ـ أن كل ما وصلنا من الأدب والتاريخ، يعود إلى حقبة الجاهلية المتأخرة، إذ لم يتبق لنا من الجاهلية الأولى، إلا حكايات وأخبار غير موثوقة، نسرد منها البعض لانعدام سواه. ومن ذلك أخبار ممالك الجاهلية الأولى: دولة «الأنباط»، التي انتهت قبل العصر الجاهلي بحوالي ستة قرون، ودولة «تدمر» التي بادت قبل الجاهلية بحوالي ثلاثة قرون. ودولة «تنوخ» بالحيرة.

فأما مملكة تنوخ فنشأت حلفاً من عدة عشائر، يقال إنها هاجرت من اليمن، بعد انهيار سد مأرب، وأُعلن «مالك بن فهم» ملكاً عليها، وأخضعت لسطوتها أجزاء من العراق وشرق الجزيرة وسوريا وعُمان. ودامت حتى منتصف القرن الثالث الميلادي.

وأما مملكة تدمر فعاشت في نفس الفترة تقريباً، فعاصرت ملكتها الزباء «زنوبيا» آخر ملوك التنوخيين «جذيمة الأبرش» الذي قضى على يدها، قبل أن تقضي هي على يد خليفته وابن أخته «عمرو بن عدي»، الذي سيعتبر الجد الأول للملوك اللخميين المناذرة في الحيرة.

أما ما أدرك العصر الجاهلي فحفظه شعر العرب ونسابتهم، فممالك أربع، ثلاث بالشمال ورابعة في الجنوب.

ففي الشمال الحيرة في أطراف العراق، التي تدور بها الآن معارك خالد.

وإلى الغرب منها بأطراف الشام مملكة الغساسنة.

وبينهما مملكة كندة التي تنازعهما.

وفي الجنوب مملكة الفرس باليمن.

وربما يجدر بنا ملاحظة أن الممالك الثلاث تعود إلى أصول قحطانية من اليمن، حيث نشأت الممالك العربية منذ سبأ، قبل سطوع نجم العدنانيين المتأخر، على يد «كليب وائل» مؤسس أول مملكة عدنانية، أكلتها النزاعات الداخلية بين أبناء العمومة، فيما يسمى بـ«حرب البسوس».

فأما مملكة كندة فبادت قبل الإسلام بقليل، على يد بني أسد حين قتلوا آخر ملوكها حجر بن الحارث، أبا امرئ القيس الشاعر الضليل.

وأما مملكة الحيرة فقد انهارت في بدايات البعثة النبوية، بعد أن غضب كسرى على عامله «النعمان بن المنذر» وقتله. وأقام مكانه ملوكاً آخرين، هم الذين يواجهون الآن جيش خالد.

وأما مملكة الغساسنة فقد أدركت الإسلام، وتلكم جيوش أبي بكر تحرثها بسيوف جند الله.

وأما المملكة الفارسية باليمن، فقد نشأت بسبب استنجاد اليمنيين بالفرس لمقاومة الاحتلال الحبشي ـ أيام «سيف بن ذي يزن» ـ فتحرروا من أبناء «أبرهة»، ليقعوا تحت نير ولاة كسرى، إلى أن يأتي الإسلام فيسلم آخرهم «باذان»، وتدخل اليمن في عهد جديد.

قلت هذا، ليعلم من في قلبه مرض، أن الإسلام جاء ليتخذ العروبة مادةً له، ولا يكون هذا إلا بتحرير العرب، وتولي أعظم قبائلهم ـ قريش التي يدينون بدينها منذ الجاهلية ـ زعامتهم، فتقودهم إلى أن يكتبوا اسمهم في التاريخ، على أنقاض ممالك شاخت وآن أوان انهيارها.

وقلت هذا ليعلم من في قلبه عداء للعروبة، لم تتدخل اليوم إيران في اليمن.

وقلت هذا، ليعتبر من يعادي عروبته، لصالح الفرس أو الروم، من مصائر أعداء الله: فالعروبة لسان الإسلام، والعرب كما أنهم لا قيامة لهم بغير الإسلام، فكذلك الإسلام لا يقوم بهيّاً دون تشويه بغير العرب.

والآن يدق خالدٌ أبواب المدائن، التي هل ـ لغير المصادفة ـ عاصمة إمبراطورية غاصبة في أرض عربية. أفليس طريفاً من بعد، أن تدعونا حفنة من العملاء، إلى نسيان كل هذا، فيما لا ينسى المجوس منه سطراً واحداً؟

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى