قراءة في كتاب ( مزاجية ) للدكتورة ميادة السعيد

د. سناء جعفر المحمد | العراق


على الرغم من حياتها الصعبة وتفرغها لدراستها الطويلة والمجهدة وإصرارها على إثبات نفسها وبناء شخصيتها كطبيبة وكانسانة وكأم إلا أن حبها للكتابة والقراءة منذ طفولتها لازمها طوال سنين عمرها المتعب فلازمت القلم دوما وتمكنت بشفافية روحها وقدرتها الفائقة على الاندماج بما حولها وتحويل مختلف ماتحس به وماتراه من مواقف حياتية إلى حروف ذات ابعاد مجسمة تجاوزت حدود الأبحدية لترسم نصوصا قادرة على أن تخترق جدار القلب.

تميل د ميادة السعيد (الدكتورة الطبيبة والكاتبة) في كتاباتها إلى المزج بين مايمس وجدانها من صور ومواقف حياتية وبين ماتعاني وتكابد دواخلها ومايرسمه خيالها بطريقة مشوّقة ضمن ما يُعرف بالشعر الموضوعي والشعر الذاتي وقد بدأت بنشر مؤلفاتها بدايةً على الإنترنت ، ولاحقًا طبعت أول عمل ورقي لها. بعنوان (مزاجية) موضوع تحليلنا.

إن القصيدة في مفهوم د ميادة السعيد تعبير عن رؤية الشاعر الذاتية لانفعال أو تجربة إنسانية، أو موقف حياتي و بهذا التعبير الفني يخاطب الشاعر المتلقي خطابا مؤثرا يجعله شريكا مهما وفاعلا في تذوق القصيدة أو العمل الفني و التأثر به، و تعد القصيدة المستوفاة لهذه المواصفات في المفهوم النقدي من الشعر الذاتي حيث يتميز الشعر الذاتي بوجود علاقة متشابكة بين أطراف ثلاثة (التجربة الإنسانية ، الرؤية الذاتية للشاعر، المتلقي).

إن الشاعر في الشعر الذاتي يقوم بدور الوسيط المعبر عن ذاته، و هو يواجه المتلقي مباشرة شريطة أن يكون هناك توافق بينهما، مثلما عبر شاعرنا الكبير إيليا أبو ماضي حين قال:- يا رفيقي أنا لولا أنت ما وقعت لحنا كنت في سري لما كنت وحدي أتغني ألبس الروض حلاه إنه يوما سيجنى . إن الشاعر هنا نجح في مخاطبة المتلقي لأنه استطاع أن يوجد علاقة بينه و بين العمل الفني و تجربته الإنسانية فكان الخطاب مباشرة،ومثلما فعلت د ميادة في قصيدة (الرحيل) حيث تقول:
رحلت أمامي
وأنا من وقف في المحطة يودعك رحلت يارفيق الدرب
وتركتني للديجور والكرى

كنا منذ الصبا هاهنا
إلى نهاية القصيدة…….
أحاكي المواجد حرقة ويأسا ووابل الدمع من عيني
وحرقة في قلبي
فاصبحت كالقزع
يسير وحيدا يبحث عنك
وأزور تلك المحطة القاسية. كل يوم
ألف مرة
علِّي اراك
قبل الرحيل الأكبر
وقصيدة (حب) وكذا قصيدة أسرار القلوب؛ لذا فإن الشعر الوجداني، هو الشـعر الـذي تـبرز فيـه ذاتيّـة الشـاعر سـواءً عـّبر عـن إحساسـاته و مشـاعره الخا ّصـة، أو ترجم شعورا ذاتيا لموقف حياتي ااستفز القلم ففاح عطر حبره كما تفوح الزهرة بعطرها.
أما الشعر الموضوعي مثل الشعر المسرحي أو الملحمي فيجب أن يتوافر فيه طرف رابع و هو الشخصيات لأنه لا يخاطب المتلقي مباشرة بل يلجأ إلى القالب القصصي ليحمل تجربته إلي الناس، و يتواري خلف ما يتخيله من أحداث و مواقف و شخصيات و حوار ، و أرى أن تسمية هذا النوع من الشعر شعرا موضوعيا لا ينبغي أن يخدعنا عن حقيقة مهمة هي أن الموضوعية حاجز يتواري خلفه الشاعر كالبرزخ لأن المآل في النهاية هو ذات الشاعر التي تبتكر هذه الوسائط لتكون واسطة توصيل للتجربة الأدبية.

إن نجاح الشاعر في الشعر الموضوعي يتوقف علي نجاحه في إقناع المتلقي بهذا الحياد الفني، و بأن أحداث المسرحية أو القصة جاءت طبيعية و خالية من التصنع ، و أن تكون شخصية المسرحية طبيعية، و ليست أدوات أو دمى في مسرح للعرائس، و الإقناع المطلوب هو إقناع فني و ليس ذهنيا أو منطقيا، و أن يكون المتلقي لديه الاستعداد للاقتناع ، و خير دليل علي نجاح الشاعر في الشعر الموضوعي أحمد شوقي في مسرحياته الشعرية (مجنون ليلي – علي بك الكبير) و غيرها .وكذا فعلت د مياده في نصوصها المسرحية مثل قصيدة (هي)، حيث تقول:
أنا الخفية
التي
معه نهارا ليشبع ذاته
وانا الحاضرة التي
معه ليلا ليشبع رغباته
أنا التي أراه يمشي امامي
ويعلم مسبقا بأني وراءه
أنا من تذبل من اهماله
ويتركني أراقب بصمت أهوائه
إلى نهاية القصيدة …
إني مشيت معك الدرب كله وانت لاتعي
متى كنت
ومتى حضرت
أو حتى متى تاريخ ميلادي

إن نجاح الشاعر في النوعين من الشعر يتوقف علي موهبته و قدرته علي التعبير عن تجربته من خلال مشاعره و امتلاكه للغة الفصيحة و استخدام الأساليب المعبرة ، و قدرته علي استثمار مفرداته اللغوية من تشبيه و استعارة .
إن الشاعر المتمكن من الوصول إلى ذهن المتلقي واقناعه بما يقرأ هو في الوقت نفسه رسام و مصور و موسيقي علي طريقته الخاصة ، فهو يستجيب لكل فن، و يستثمر كل الوسائل المتاحة ، ليضع عليها بصمته الفنية الخاصة به ليجعل القصيدة خليطا لكل الفنون، و ينفخ فيها من روحه لتستوي خلقا فريدا و جديرا بأن يكون مصدرا للفائدة والمتعة و تذوق الجمال.

من نافلة القول، الإشارة إلى أن كتاب (مزاجية)، شعرا كان أو نثرا، تضمن من بين ما تضمنه ، تداخل عنصري الذات والموضوع. وبحكم هذا التداخل، رأينا كتابا ممتعا يضم بين جنباته اثنان وثلاثون قصيدة تمكنت كاتبتها من إبراز شتى انواع المشاعر الانسانية بطريقة متمكنه وباسلوب متمرس ولغة مطواعة وعن سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم (مزاجية ) قالت د ميادة السعيد:

مزاجيتي ليست لهو ولا امتزاج للألوان
ولا اختلاف في التعبير
او طموح ليس له حدود او جدران
مزاجيتي هي :
تبديل الادوار وتغيير الاختيار
وتناغم كبير يحمله صوت الاطيار
شعور كدفء الحزن
وسعادة اللقا
وهي تكمن في ابتسامة طفل
أو شجن قلب
أو قسوة على مر الأيام
كما أنها
ملئ القلم من محبرة في يدي
ليخط لكم كلماتي
على أسمر الأوراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى