ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المبدعين والجبابرة (21)

محمد زحايكة | فلسطين

فوزي ياسين  البكري.. شاعر القدس الأكبر وصعلوك  الزمن الأغبر

يمكن القول إن الشاعر المقدسي المبهر.. فوزي ياسين البكري أبو إسلام هو تعبير شعري صارخ بطريقة صعلكة التمرد والاحتجاج على  مرحلة الزمن الأغبر الذي انكسرت فيه شوكة الشعب الفلسطيني وبات عاريا أمام القوى المعادية وأنظمة العار في المنطقة العربية “المخروبة” رغم تضحياته الجسام ريثما يسترد عافيته النضالية وتوازنه ويصلح بيته الداخلي ويرمم وحدته الوطنية المعطوبة.

هذا الصوت الشعري البكري المقدسي الحاد كانت له صولات وجولات في حقبة النهوض الوطني العارم سبعينات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، خاصة وهو يشكل امتدادا  وضميرا حيا لعائلة مجاهدة مناضلة أفرزت العديد من رموز الجهاد والمقاومة قي مقدمتهم والده الشيخ ياسين البكري قائد معركة أسوار القدس في حرب عام 1948، كما نشاهد في إحدى  الصور المرفقة.

شغل الشاعر البكري الرأي العام الفلسطيني ردحا من الزمان نظرا لتفرده وصوته الشعري الساخر المتمرد والناقد لرموز الاستسلام والانبطاح والفساد مذكرا بحالة مميزة وخاصة وذات نكهة مختلفة من التمرد الثقافي الملتزم على نطاق الوطن العربي كان من أبطالها مظفر النواب وناجي العلي وأمل دنقل ونجيب سرور وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ونزار قباني في صرخاته ضد الهوان والذل العربي الرسمي وغيرهم.

عرف الصاحب أبو إسلام منذ زمن بعيد وتفاعل مع آهاته وتأوهاته ونفسه الشعري المحبب وطريقة القائه لمقطوعاته الشعرية عبر نظام الأشرطة ” الكاسيتات ” خاصة تلك التي تحمل نقدا فكاهيا ساخرا لممارسات بعض الشخصيات العامة في المجتمع  والتي كان يتقبلها البعض منهم برحابة صدر معتبرينها حرية تعبير ومداعبة واجبة في ظل الكبت والضغط النفسي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي البغيض.

ونظرا لإجادة إبو إسلام اللغة العربية كونه مدرسا سابقا لها وعشقه لفحول الشعراء العرب من العصر القديم والحديث أمثال المتنبي وأحمد شوقي ومصطفى وهبي التل “عرار”؛ فقد انتهز الصاحب هذه الفرصة وتلقى بعض الدروس في النحو والصرف والقواعد على يديه واستفاد منه في هذا المجال.

ولن ينسى الصاحب إحدى الأمسيات  الرائعة في “علية” المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي مكتب مدير المسرح وقتها جمال غوشة ذات صيف، والتي جمعت مجموعة من الفنانين والمثقفين.. كان بينهم على ما أعتقد أبو إسلام والشيخ الأحمر جميل السلحوت ومصطفى الكرد   وأحمد أبو سلعوم، وكان فارساها أبو إسلام والشيخ جميل حيث كان النقاش حول حقيقة الجنة والنار؛  كان نقاشا ممتعا مثيرا، ملأ  نفوسنا بالبهجة وغمر قلوبنا بالفرح وعقولنا بالارتواء..

كما كانت لنا بعض اللقاءات الجميلة في بستان الشاعر في دارته بعقبة المفتي في البلدة القديمة والتي تشبه كرمة ابن هانئ التي كان يستضيف فيها الشاعر أحمد شوقي أصدقاءه  من الشعراء والمثقفين.

فوزي البكري صعلوك من البلدة القديمة؛ يضيء بأشعاره قناديل على أسوارها ويرسم خطًا من النضال الواعي والعنيد على الجبهة الثقافية؛ الدرع والحصن الأخير لصمود شعبنا وانتصاره الأكيد.

البكري شاعر تمرد على المألوف، وكان صوت الغلابة وثقيلي الأحمال والمتعبين في زمن أغبر، لا بد أن ينتهي ويزول مهما طال أمده.. كل الحب والتقدير لهذا الشاعر المبدع الذي ترك بصمة لا تمحى في سفر الشعر الفلسطيني المختلف والمقاوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى