الإبداع النِسوي بين مِطرقة الدين وسَّندان العُرف

تحقيق أدبي :  صبري الموجي 

هي معركةٌ حمي وطيسُها، ونارٌ اشتد أوارها بين مُبدعات شاركن في هذا التحقيق الصحفي بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، تباينتْ آراؤهن حول ما تتمتع به المرأة المبدعة من حرية، فبين قائلة بأن المبدعة العربية صارت صنو الرجل فيما تتمتع به من حرية، ومُعترضة بأنها تعاني قهرا وتسلطا من المجتمع يحول بينها وبين الإبداع كانت هذه السطور .

تهاني الصبيح: النهضة الأدبية النسائية بالمملكة بلغت أوج ازدهارها

عن سعادتها بما تتمتع به المبدعة السعودية من حرية وتأييد في الآونة الاخيرة، تقول الأديبة السعودية تهاني حسن الصبيح : كوني شاعرة سعودية فقد وقفتُ كثيراً على المنابر الثقافية كما وقفتْ غيري من الشاعرات السعوديات، ودُعيت إلى الكثير من المناسبات الدولية داخل المملكة العربية السعودية، وحظيتُ برعاية وطني واحتفائه بإبداعي وإبداع كل نساء الوطن فلا يكاد يخلو محفلٌ ثقافي أو أدبي أو علمي من مقاعد نساء سعوديات ساهمن في دفع عجلة التنمية والنهوض بحضارة الوطن وأجياله .

وأضافت تهاني: نحن اليوم نشهد قفزة حضارية كبيرة في بلدنا تُماثل ما يشهده العالم من تطور فكري وانفتاح معرفي يجعلنا أصواتا نسائية بارزة لها حضورها الثقافي والأدبي في العالم كله، ولم تعد لدينا تلك القيود القديمة من التأطير والإقصاء المُجتمعي والأسري، والتي كانت قيوداً وهمية تحت وطأة قناعات فكرية لا مبرر لها .

واستطردت تهاني: الرجل السعودي اليوم يفخر بابنته الشاعرة وزوجته الطبيبة وأخته الكاتبة وأمه التي صنعت منه ومن أسرته فكراً ومنهجاً وسلوكاً قويماً يواجه كل التحديات الحياتية بصير وثبات وعزيمة ولا يتحاشى الظهور إلى جانبها ودعمها ومساندتها لأنها مفخرةٌ له وللوطن كله.

وعن النهضة الأدبية النسائية قالت الصبيح : إن المملكة لديها عددٌ كبيرُ من الشاعرات والناقدات السعوديات البارزات عربياً ومحلياً كالدكتورة فاطمة القرني والدكتورة مستورة العرابي والدكتورة منى المالكي والدكتورة مها العتيبي وشقراء مدخلي وحوراء الهميلي والمئات اللاتي لم تحضرني أسماؤهن ممن حملن على عاتقهن مسئولية تمثيل بلادهن في المحافل الدولية بالصورة الحقيقية التي يعشنها على أرض الواقع .

د. ريمان عاشور: قهر المبدعة العربية يرجع لعادات قصيّة عن ديننا الإسلامي

وحول ما إذا كانت تواجه المرأة المبدعة ضغوطا، وتعاني قيودا وأغلالا تحول بينها وبين الإبداع تقول الروائية والقاصة د.ريمان عاشور الأردنية – الفلسطينية: لن نستطيع إنكار ما تواجهه المرأة اليوم من سلطة اجتماعيَّة تتمثَّل بالسُّلطة الذكوريَّة التي تمارس عليها القمع والاضطهاد والعنف لدرجةٍ قد تصل إلى القتل في أحيان كثيرة، حسب ما شاهدنا هذا العام من حوادث وقعت في الأردن تواترًا كما في دولٍ عربيَّة أخرى.

وأرجعت د. ريمان السبب في ذلك إلي عادات اجتماعيَّة قصيَّة عن روح ديننا الإسلامي، تعلقت بمجتمعنا منذ الجاهلية الأولي ولم يستطع التخلص منها على الرغم من الخطاب الإسلامي الواضح والصريح الذي يحترم المرأة المسلمة، ويمنحها حقَّها في العمل والتعبير عن نفسها، طالما لم تتجاوز تعاليم دينها الحنيف وتتعدَّاها، ومع ذلك نجد تلك التعاليم رهينة التنظير بعيدة عن التطبيق على أرض الواقع.

وأكدت د. ريمان أن السبب يعود إلى نظرة الرجل لنفسه التي انزرعت في أعماقه منذ الطفولة، وتجعله يضع نفسه في مقام يسمو فوق مقام المرأة ويبرِّئه من أيِّ عارٍ يمكن أن يقترفه، بينما تدفع المرأة الثمن غاليًا لو كانت شريكته في الفعل نفسه.

وتتعجب د. ريمان قائلة : حين يوقِعُ الدين الإسلاميُّ الحدَّ على الاثنين سواء، نجدُ الثقافة الجمعيَّة تعاقب المرأة وحدها، ويغادر الرجل مسرح الحادث وكأن أمرًا لم يكن.

وتضيف د. ريمان : كما أنَّ الرجل العربي يهوي أي – يتردي – بين غيرَتين تجاه المرأة، غيرةٍ منها وأخرى عليها؛ ذلك أنَّ أناه تأبى تفوُّق المرأة عليه من جهة، بينما يغار من تعاملها مع الرجال الآخرين والتفاعل معهم من جهة أخرى.

وتستطرد د. ريمان : إن كانت الصرخات النسوية غالبًا اليوم مكتومةً في عالمنا العربي، يتملَّص بعضها على استحياء وخجل، إلَّا أننا لا نستطيع إنكار وجودها كمن يدفن رأسه في التراب، فكونها مكبوتةً مكتومةً لاعتبارات كثيرة ومتعددة ومتباينة لا يعني مطلقًا أنَّها ليست كالجمر المشتعل تحت الرماد..

فلا تزال المرأةُ المبدعةُ مقيَّدةً مغلولةَ اليدين إلى اليوم- ولا يغرنَّكَ ظهور نساء معدودات – وهذا مما نلمسه جليًّا في مساحة المسكوت عنه في خطابها الأدبيِّ، كما نراه في الأسماء المستعارة التي ما انفكت المرأة تتخفَّى خلفها؛ خشيةَ زوج أو أب أو أخٍّ أو أحد أقاربها من الأرحام .

وختمت د. ريمان : لذلك أرى أنَّه من الظلم أن تُعقد مقارنة مجحفة بين نتاجات المرأة ونتاجات الرجل في مجالي الشعر والأدب؛ فمن الجوْر أن تقارن خطابًا أنثويًا مرتعشًا خائفًا كسيرًا يحسب ألف حساب قبل الإشهار بخطابٍ ذكوريٍّ نشأ على الحريَّة المطلقة والنظرة المتعالية إلى الذات، مؤمنًا بأنَّ الله والتاريخ والواقع والمجتمع فضَّله عليها وغفر له جميع ذنوبه وخطاياه، واستدلت د. ريمان علي ظلم المرأة بما أشارت إليه الشاعرة فدوى طوقان في سيرتها الذاتية : رحلة جبليَّة رحلة صعبة، وبالمعاناة الحقيقيَّة والظلم المؤلم الذي وقع على مي زيادة وكان سببًا في زجِّها في مصحَّة للأمراض النفسيَّة والعقليَّة.

أحلام الدميني: يعود الفضل لأسرتي في تشكيل ذائقتي الإبداعية والشعرية

وعن سر إبداعها، تقول الشاعرة والكاتبة اليمنية أحلام الدميني صاحبة ديوان ” أبجدية امرأة في الحب, إلى رجل يقرؤني الآن” الذي يتناول قصائد شعرية ونصوصا نثرية عبّرت من خلالها عن المعنى الحقيقي للحب والمرأة : كان للأسرة الدور الأكبر في تشكيل ذائقتي الشعرية والأدبية، بما كنتُ أحظي به من دعم وتأييد من أسرتي، وتشجيع علي إبداعي منذ نعومة أظفاري، وكان لروح المنافسة بيني وبين زميلاتي المتفوقات العامل الأكبر في توقد إبداعي.

وفي حديثها عن المرأة اليمنية المبدعة قالت الدميني : برغم التشظي والمجاعة والدمار الذي تعانيه اليمن، إلا أن المرأة اليمنية استطاعت أن تخطو خطوات واسعة في طريق الإبداع، فهرعت لصناعة الأفلام والرسم والغناء والقصة والشعر لتتعايش مع ظروفها الصعبة، فلمعت أسماء لمبدعات يمنيات مثل المخرجة سارة إسحاق والتي تُعد من أهم المبدعات اليمنيات في جيل الشباب، حيث أخرجت بالتعاون مع فريق يمني فيلم “ليس للكرامة جدران” والذي رُشح لجائزة الأوسكار ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة، ويدور حول مجريات أحداث يوم دامٍ في بداية الثورة، يُوثق لتفاصيل حياتية بين الواقع السياسي والاجتماعي في اليمن.

وأضافت الشاعرة أحلام الدميني: ومن مقرها في براغ منذ بداية حرب اليمن، استطاعت الروائية ريم مجاهد أن تنقل القارئ بكلماتها إلى اليمن، وهي تُعبر عن حنينها إليه في قصص مُدهشة تحمل معاني مشتركة لدي كل يمني ويمنية، تحاول من خلالها أن تتواصل مرة أخرى مع ريم الصغيرة التي نشأت في إحدى القرى في محافظة تعز اليمنية.