مجتمع الحكمة  Wisdom Society

 د. ماهر خضر | رئيس منظمة أمم الحكمة

www.wisdomnations.org

انتقلت البشرية في العصر الحديث من مجتمع المعلومات Information Society، حيث كان إمتلاك المعلومة هو ما يصنع القوة، إلى عصر المعرفة Knowledge Society، حيث أصبح التصرف في المعلومة هو ما يُشكل القوة ويصنع الفارق.

لكن ومع تنامي الدراسات المستقبلية وإكتساح الجُهد الإستشرافي كل المجالات الإقتصادية والإنسانية، تَكَوّنَ لدينا وَعْيٌ بالمآلات، وإدراك للإنعكاسات الإيجابية والسلبية لكل أفعالنا وخياراتنا في الحاضر على المستقبل القريب والبعيد.

وكنتيجة حتمية لهذا الإنشغال بالمستقبل والقدرة المنهجية على التّطَلُّع والتّوَقّع Anticipation، نَشَأَ لدينا مَيْلٌ مَنْهَجِيُّ نحو الحكمة والقرارات الرشيدة التي تدرس المسارات وتستشرف إنعكاسات كل خياراتنا وممارساتنا الحالية على المستقبل المنظور. وبالتالي ظهرت في السنوات الأخيرة مجموعات ضغط وتأثير Pressure Groups حول العالم تُدافع عن قضايا البيئة والمناخ وغيرها من المسائل التي تعكس هذا الوعي المتنامي والحكمة المنشودة.

لكن وبالرغم من أهمية النظرة المستقبلية والقدرة على الإستشراف على جميع المُستويات الفردية والمؤسسية والدولية، إلا أن الإهتمام بالمستقبل لايزال إختصاص النخبة، بينما تغرق ” العَامَّةُ “ في متاهات الحاضر والعاجل، وتتلذذ بكل صُنُوفِ ”المُخَدّر “ التي تصرفها عن التفكير في المستقبل وتَحَمُّلِ مسؤولياته وأعبائه.

هكذا إذن، ترتبط الحكمة بالإستشراف مَنْهَجِيًّا وفِكْرِيًّا، وستظل نُخبوية ما لم نجد الوسائل والأدوات اللازمة لضمان إنخراط شرائح واسعة من البشر في هذا التوجه وتحمل هذه المسؤولية وهذه الرسالة النبيلة.

ولعل مشروع سفراء الحكمة في صيغته الكونية هو أحد أهم هذه الأدوات وهذه الوسائل لتوسيع دائرة المهتمين بالمستقبل وبالتالي زيادة أعداد الواعين والمُتَنَوِّرِين والحُكماء. هكذا فقط يُمكننا دُخول عصر الحكمة وبناء مُجتمع الحكمة Wisdom Society والذي يأتي على أعقاب مجتمع المعرفة.

وإذا كان الحاضر هو حَيّز الصراعات والخلافات والتطاحُن، فإن المستقبل سيكون مساحة التّوَافُق والتَّعَايُش والتَّعَاوُن، وذلك لأننا كلّما زدنا وعياً بالمستقبل، كلّما إكتسبنا الحكمة في كل أبعادها منهجاً وسلوكاً.

هكذا، تُصبح الحكمة بوابة المستقبل، وإن كلّ إلاّ وَارِدُها. لكن السَّابِقُون الأوَّلُون من سفراء الحكمة ستكون لهم فرصة قيادة المرحلة القادمة وتحقيق مكاسب على جميع المُستويات، أهمها الإقتصادية والمالية من خلال قيادة مشاريع إقتصاد الحكمة.

ورغم تعَدُّد مكاسب مُجتمع الحكمة، إلا أننا نعتبر أن أهم مكسب سيكون تحقيقر”السعادة المدنية Civic Happiness“، وهي مفهوم مرتبط بنمط الحياة التوافقي والتعايش السلمي في مجتمع الحكمة، لجعل الإنسان في عيشٍ أفضل وأسعد وأكثر أخلاقية وتعقلاً في حرية مُتَعَاوِنَة وفي واقع غير جارح وفي إنسانية متصالحة مع نفسها وقيمها.

و”السعادة المدنية Civic Happiness“ستكون نتيجة حتمية لإرتفاع منسوب الوعي والإنضباط والإلتزام بسلوك يومي يُحقق الخيرَ والعدلَ والحقَّ في كل تفاصيل حياتنا اليومية.

لذلك سنبحث معكم في المقالة القادمة في مفهوم ”السعادة المدنية Civic Happiness“ وإنعكاساتها على الإبداع والإبتكار والتقدم.

فلنتعاون إذن لتحقيق الإنتقال والتحول من مُجتمع المعرفة إلى مجتمع الحكمة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى