وقفة نقدية مع الإستاذ محمد صالح محمد

محمد صالح محمد-شاعر وناقد بحراني

(وقفة ..) مع الشاعرة ريم الخش.

هو خالقي ومكانه في خافقي….نبض يسبح للإله الرازقِ

هو كل ما وجد الفؤاد حلاوة ….الله…يالله شهد الخافقِ

—————

 

*

جميلة هذه التسبيحة ب”هو” وهذه الإنشادية الغنائية.
(هو) فقط… وهو أس المعرفة والعرفان. ونقطة البدء والعودة. وسمو النبض والقلب معا. إنه محط التسبيح والغناء والإنشاد و…

*

وبالوقوف على البيتين لاستلهام مناخ التسبيح لغويا وفنيا.. نستخلص:

* لا وجود لأنا. ولا لأي ضمير آخر. انتفاء الضمائر والأشخاص له دلالة الهيمنة وله دلالة السطوة والتفرد والتوحيد.

*إن الإيمان:
حقيقة ثابتة تامة يقينية في الذات. هذه الحقيقة يعبر عنها نسق الجملة الاسمية المهيمنة على السطرين الشعرين. بل هي الأسماء مندغمة مع “هو” .. تليها تتبعها . كلها أسماء وعددها مهيمن وصياغاتها وإسناداتها هي ما تشكل المعنى الجزئي ثم الكلي مما يعني مركزية (هو) المتصدرة للبيتين واللغة والوجدان والفعل الكتابي والحياتي.

أنه إحكام لغوي باهر له دلالات البراعة الفنية في إدارة اللعبة الشعرية ونقشها بحرفية واقتدار وفق مديات الهدف والرؤية الواضحة والدفق الشعوري الحي الصادق.

*إن الفعلين الصادرين والوحيدين في هذا السطرين، هما يتضافران، في الفعالية الإخبارية والتبعية ذات الصلة ب”هو”:
(نبض …يسبح… للإله الرازقِ).
(هو كل ما …وجد… الفؤاد حلاوة).

يعني أن كل فعل إنساني صادر يستوجب التسبيح، ويتلقى حلاوة التسبيح.
إن كل فعل أصله هذان الفعلان. تلبيةٌ واستحقاقٌ.

* والملفت أن التسبيح كعبادة ذاتية وجودية هو مستمر بدلالة الفعل المضارع. يستغرق عمر الإنسان وحقيقته وسلوكه وشخصيته، وبدلالة إسناده لكلمة ( نبض) فهو الشرط الأكبر والأخطر لضمانة التنفس والحياة والوجود، وهل يحيا الإنسان بلا نبض؟

إن من لا يسبّح، لا يعيش هو ميت النبض والقلب حقيقة ومجازا. هذه ضمن الصور المضمرة في النص.

*أما في في الفعل الثاني (وجد) :

فإن المكافأة الإلهية والتلقائية المباشرة لا تتأخر أو تنقص وهي مضمونة وشاملة وتامة، ولذلك ورد الفعل (وجد) في الزمن الماضي، لأنها متحققة ومضمونة. بينما اتخذ التسبيح صيغة الفعل المضارع لاستمراريته.

*إن الذات بمجرد انقيادها وتناغمها، بمجرد الإيمان القلبي، وانسياقها ل”هو” -وهو لها الصدارة والابتداء قي الجملة- ، فهي توحي وتبني شخصية الإنسان وسلوكه لذلك تكون ضمانا مبهحا حلوا وطعمه كالعسل يتشكل في الذات المسبحة . إنها سعادة وتمتع ونشوة ملازمة للذات للمؤمنة ولفعل التسبيح.

*هذا هو المكان الحق ولا غيره مكان يحيا به الله. إن الإيمان مصدره القلب، لذلك، كان التسبيح نبضا، يعني شرطا للحياة، وكان حلاة ملازمة أكيدة.
وإذا كان الله في القلب فهو الانقياد التسليم أو التناغم و الالتزام مع وجوده المبارك المقدس الذي يفيض بوجوده على الحياة والذات رزقا.

*إن هذا الانقياد والتناغم ، هو أن يعيش الله في الذات إيمانا ثابتا وملازما، وهو ما يكشفه الجناس بين (خالقي – خافقي). إنه جناس ناقص عجيب يدلل على درجة قرب المسبح المؤمن من ربه. هي منزلة معنوية تتكشف لغوية باختلاف الكلمتين معنى، وهي منزلة ظاهرية تتكشف أيضا لغويا بتشابه الكلمتين وتطابقهما ألا .

إنها أرادة الله الخالق ان يهيمن ويسكن الخافق! ليطهره ، ويحميه، ويزينه.

إن الجناس هنا ولّد صورة بالغة الدلالات ومثيرة الإيحاءات .

إنها لغة الانسجام والاتباع والإيمان على أعلى مستوى قلبي، إنها دلالة معنوية مُستبطَنة وزينةُ وجودٍ . ولها آثارها وتجلياتها في الأدبيات الدينية وفي السلوك الإنساني.
منها ما يمكن أن نتناوله من نظرات واعتبارات:
– أن الإنسان هو خليفة الله. هذا يقتضي الإيمان الكلي الفطري والسلوكي المنقاد و المتناغم مع إرادة الله وحبه.

– ولذلك تتجلى في الفضاء الشعري المقولة أيضا:
إن القلب هو عرش الله.

* وظيفة التكرار:

بلا شك أن طبيعة التسبيح تقتضي الترداد والتكرار ورفع الصوت بالنداء والتوجّه القلبي الحاضر .
وهذا التسبيح في النص يقتضي أيضا التكرار ، هذا لأنه:

– نبض يتكرر ويستمر. (نبض يسبح للإله الرازقِ)

-وعلى مستوى بناء اللغة يتطاول اسلوب التسبيح بكل المعاني السابقة حين يدفعه منتشيا مؤكدا مستغرقا أسلوب التكرار.

إن توظيف أسلوب التكرار يتطابق في الوظيفة ويتناغم في الدلالة والأثر مع فعل التسبيح ومناخاته.

*من هنا نفهم التكرار اللفظي لمفردات:(هو) وتكرار (الله) (خافق).

إنها نشوة وطرب التسبيح، هي التجليات الروحية للتسبيح، هي غرام وتقرّب وتعبّد واستمتاع.

*ويقترب في الوظيفة من التكرار اللفظي توسّل أسلوب الترادف ( حلاوة-شهد) -ولو من بعيد- تأكيدا على دورة التسبيح ومناخها المترسخ في الوجدان وعلى اللسان مهما اختلفت الحروف تقاربت أو تباعدت فلها نفس الثمار والنتائج .

…………

:

ينزع البيتان الشعريان منزعا روحانيا، ولكنهما ينمّان عن شخصية د. ريم سليمان الخش الإنسانية والشعرية. إنهما ينقشان ويحفران بعمق وجدارة لافتة شعرية تحملها الشاعرة كمظاهر شعرية فردية تنتصر فيها لإيمانها وتنتصر في جهاد لربها.

هذه هي الحمية الإيمانية التي ترافق روح الشاعرة في تغنيها بكبرياء وافتخارها بيقينية، لذا ترفع صوتها الشعري تتمرد على النصوص الشعرية وغيرها التي تتأبّى تنزيه الله وتنفر من الإيمان الصافي والمطلق به عز وجل، بل إن هذه النصوص تركب الشعر مطية للنيل من الله وتشويه صورته الربوبية في تشكيك وتعد وعبثية فنية ماكرة ترتهن الشعر حيلة وشيطنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى