الطفل عبد الرزاق الربيعي مازالت شياطين الشعر بصحبته إلى الستين وما بعدها

 

د. علي جعفر العـلّاق | ناقد وأكاديمي عراقي

تكاد قصيدةُ الشاعر عبد الرزاق الربيعي أن تكون صورةً عنه. نقيةً، وجارحةً، ومنطلقة الأسارير. لكنها تخفي، وراء ابتسامتها العريضة، وضحكتها الطفولية قدراً عالياً من الألم والمحبة، وتضمر، رغم إقبالها على الحياة ومخالطة الناس، إحساساً باليتم والعزلة قلّ نظيره بين مجايليه من  الشعراء. وكثيراً ما نراه يفرُّ إلى ذاته الوحيدة، هرباً من وحدته تارةً، ومن ضجة الخارج وتواطؤاته تارةً أخرى .
أحسُّ، أحياناً، وكأن بينه وبين قصيدته اتفاقاً طفولياً على لعبةٍ ما، تُمارَس ببراءةٍ واقتدار، فهما يعملان على تكثير القليل وتأجيج الخافت، بوسائل الشعر واندفاعاته الوجدانية والجمالية والإيقاعية. يحتفيان بالأنثى باعتبارها رمزاً للمطلق، ويتوقان الى الحبِّ مبرّأً من حماقة الجسد.


إن قصيدته لعبةٌ دراميةٌ شيقة. تستمدُّ وقودها من الحكاية، والخرافة، والأسطورة، وإيقاع الرقصة، وخفّة الأغنية. تلتقط البسيطَ والمفردَ والحميم، فترتقي به الى ذرىً من التوتر والتصادم والإحساس بالفجيعة. فيغدو البسيطُ والفرديُّ، من هموم الشاعر واهتماماته، فزعاً عاماً أويكاد، ويستحيلُ الحميمُ من إيقاعات روحه وجعاً صارخاً يدمي القلب .
وهكذا فإن شياطين عبد الرزاق الربيعيّ، في طفولته الستينية، تختلف عن شياطين البشرالآخرين. إنها شياطين شعرية بامتياز، لا تؤذي ولا تشيخ ولا تكدّر الخاطر. وأجملُ ما فيها أنها لا توزّع على القرّاء إلا الجميل والمبتكر من أفانين القول الشعريّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى