في علم التوحيد: الواحد
الدكتور خضر محجز | غزة – فلسطين
كما أن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فكذلك أسماؤه. فلو تتبعنا بعض ما علمناه منها، فبدأنا باسم الواحد، لقلنا إنه الواحد:
1: الواحد الذي لا يوصف بغير اسمه.
2: الواحد الموجود الذي لم يكف عن الوجود.
3: الواحد الموجود الذي لا يكف عن الوجود.
4: الواحد الموجود غير المتعدد.
5: الواحد الموجود غير المنقسم.
أولاً: في معنى الواحد الذي لا يوصف بغير اسمه:
لأن كل وصف تحديد. وكل تحديد مضاد للانهاية واللابداية. فالوصف مقارنة بالمخلوق في جانب من جوانبه. ولم أعلم أنه ـ سبحانه ـ وصف نفسه في القرآن، أو وصفه نبيه في السنة، بما قالوا من بعد إنه “صفات” وطلبوا توحيدها إلى جانب توحيد الأسماء.
ثانياً: في معنى الواحد الموجود الذي لم يكف عن الوجود:
حيث كان موجوداً، قبل الماضي، لأن الماضي زمن، والزمن لم يُخلق بعد. فكان موجوداً ولا غيره موجود، ولم تكن لحظة كان فيها غير موجود. وذلك مقتضى اسم “الأول”: الذي لا شيء قبله، بل هو ما قبل العدد: لأنه ليس “الأول” الذي يتبعه الثاني، حيث لم يكن ثانٍ ليُقارَن به. ولو تصورنا لحظة لم يكن فيها الواحد موجوداً، لزال عنه اسم الواحد في تلك اللحظة، ولكان الصفر. فكيف يمكن للصفر فيما بعد أن يصير واحداً، وهو العدم المطلق؟
ثالثاً: في معنى الواحد الموجود الذي لا يكف عن الوجود:
حيث سيظل موجوداً حين تفنى الموجودات. فلا يمكن تصور لحظة سيكف الواحد فيها عن الوجود. وذلك مقتضى اسم: “الآخر” الذي لا شيء بعده. بل هو ما بعد البعد، لأن البعد كالقبل مفهوم زمني، والواحد كان قبل خلق الزمن، وسيبقى بعد فناء الزمن. وإذن فهو ليس الآخر الذي سبقه ما قبل الآخر، أو اتبعه ما بعد الآخر، إذ لم يتبق موجود آخر بعد فناء المخلوقات، ليُقارَن به. ولو تصورنا لحظة سيكف فيها الواحد عن الوجود، لزال عنه اسم الواحد، ولصار الصفر. فكيف للصفر أن يكون “الآخِر” وهو العدم المطلق؟
رابعاً: في معنى الواحد الموجود غير المتعدد:
فكون الواحد غير متعدد معروف، فلو تعدد لما كان واحداً، ولنفت ذاتُه ذاته. وهذا مستحيل. فإن قصدت بالتعدد آخر مثله، فقد كَفَّ عن كونه واحداً، فانتفى عنه اسم الواحد. وهذا مستحيل التصور، لأن لا بد لاثنين متشابهين في كل شيء أن يقضي أحدهما على الآخر، حتى ينفرد بالواحدية، وذلك لاستحالة توافق إرادتين في كل أمر وتقدير وفعل ومشيئة. بل لاستحال أن يعرف أحدهما نفسه من الآخر.
خامساً: في معنى الواحد الموجود غير المنقسم:
وأما أنه غير منقسم: فلأن الانقسام يتعارض مع الواحدية، فما انقسم شيء إلا صار أكثر من واحد. ونحن نتكلم عن الواحد فقط. ثم إن الانقسام فعل طارئ، إما بدا للواحد أن يقبله، فيكون مفعولاً به لفاعل غيره، وهذا ليس الواحد الذي يعبده المسلمون؛ وإما فعله الواحد بنفسه في نفسه، فصار واحداً في السابق، فانتفت أبديته، من حيث شعر بحاجته إلى الانشطار فانشطر، فلم يعد فاعلاً إذ حَرَّكَهُ فاعلٌ دعاه إلى الانشطار. وهذا الإله لا يعرفه المسلمون، وليس واحدنا الذي نعبد.
والله أعلم.