القدس بؤرة الصراع

نهاد أبو غوش | رام الله – فلسطين

كانت القدس وما زالت بؤرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لما تمثله المدينة من مكانة رمزية ثقافية ودينية وروحية وإنسانية، فمعظم الانتفاضات والهبات الشعبية انطلقت من مدينة القدس ومقدساتها

– مدينة القدس تواجه مخططا صهيونيا واضحا منذ وقوعها بالكامل تحت الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 ضمن أراضي الضفة الغربية التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية، وشنت سلطات الاحتلال معركة مفتوحة على المدينة ومواطنيها وكانت أبرز عناوين هذه المعركة:

– تهويد المدينة بمعنى تغيير طابعها التعددي كمدينة يتعايش فيها المؤمنون من جميع الأديان إلى مدينة يهودية

– عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني من خلال إحاطتها بجدار استيطاني كثيف، ومنع الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وغزة من دخولها إلا بموجب تصاريح خاصة يصعب الحصول عليها إلا لكبار السن.

– التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين مع محاولات زرع المدينة ببؤر استيطانية، واستغلال اي مساحة مملوكة للدولة بتحويلها إلى مستوطنة كما جرى مع عدد من مراكز الشرطة والإدارات الحكومية التي كانت تابعة للحكومة الأردنية وقبلها لسلطات الانتداب البريطاني، من خلال فرض شروط معيشية قاسية وطاردة من منع البناء إلى فرض ضرائب باهظة إلى تردي الخدماتن وعمليات التنكيل اليومي والمداهمات والاعتقالات وهدم البيوت والهجمة على المؤسسات الوطنية ومنعها من العمل، منح السكان وضعا قانونيا شاذا هو “اٌلإقامة الدائمة المشروطة”

– كل هذه الإجراءات القاسية لم تفلح في طرد السكاهن الفلسطينيين الذين ظلت نسبتهم من مجمل سكان المدينة بشطريها الغربي المحتل عام 1948، والشرقي المحتل عام 1967 يتراوح بين 35% و40 % من إجمالي السكان، وثمة مخطط معلن من قبل بعض الهيئات الإسرائيلية لتلقيص نسبة الفلسطينيين إلى ما دون عشرين في المئة من خلال ضم مستوطنات كبرى وغخراج احياء فلسطينية من منطقة نفوذ البلدية.

– اتاخذت الهجمة على القدس طابعا مسعورا ومحموما بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، فباتت إسرائيل تقاوم وتحارب أي مظهر من مظاهر الوجود العلني الفلسطيني حتى شمل ذلك بطولات رياضية ودوري كرة قدم ومجالس عزاء ولجنة اهلية للتوعية بوباء كورونا.

– بالإضافة لهذا المخطط تسعى جماعات صهيونية ويهودية متطرفة مدعومة من الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على المسجد الأقصى، أو على الأقل اقتطاع جزء من مساحته لإقامة كنس ومعابد يهودية أو تنفيذ “التقسيم الزماني والمكاني” للمسجد كما جرى مع الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، المقدسيون واجهوا هذه المحاولات والهجمات بصدورهم العارية عبر أشكال من المقاومة الشعبية ، وخاضوا قبل هذه المرحلة جولات من المواجهة ابرزها معركة البوابات الأليكترونية ، ومعركة باب الرحمة ومنذ اسابيع معركة باب العامود (وهي ساحة يتجمع فيها الشبان لتنظيم فعاليات تقليدية رمضانية) ومحاولات إخلاء حي الشيخ جراح، ثم المحاولات الماتكررة لاقتحام المسجد الأقصى التي قادتها جماعات متطرفة أبرزها “لاهافا” وحزب القوة اليهودية برئاسة عضو الكنيست ايتامار بن غفير.

قضية القدس والمسجد الأقصى اشعلت كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وأعادت توحيد الشعب الفلسطيني المجزأ والمفتت والذي يعيش ضمن تجمعات منفصلة وكل تجمع له وضع سياسي وقانوني مختلف ( غزة، ضفة، قدس، المناطق المحتلة عام 1948 التي فرض على مواطنيها الجنسية الإسرائيلية، وكذلك اللاجئون في الشتات وخاصة في الأردن وسوريا ولبنان وباقي دول المهجر)

المواجهة في كل تجمع اتخذت طابعا يتفق مع خصوصية هذا التجمع وظروفه، لكن كل الشعب الفلسطيني اتحد حول القدس ومقدساتها وحول هويته الوطنية الجامعة، فبعد 73 سنة من النكبة انفجر خزان الغضب لتذكير العالم أن الفللسطينيين ما زالوا يقالسون آلام النكبة ويدفعون ثمن تواطؤ الدول الكبرى مع المشروع الصهيوني الاستعماري، فثاروا ضد ظروف القهر والتمييز العنصري والاحتلال والتهجير والحصار المفروضة عليه.

نحن فعلا أمام نقطة تحول كشفت مدى قوة الوحدة بين كل فئات وتجمعات الشعب الفلسطيني، كما بينت مدى ما يختزنه من طاقات كفاحية واستعدادات للتضحية لا حدود لها، لكنها كشفت في الوقت نفسه أزمة القيادة والانقسام وهو ما يستدعي الإسراع في معالجة هذه الثغرة الخطيرة التي تجعل الشعب الفلسطيني عاجزا عن استثمار تضحياته ومراكمة إنجازاته.

المجتمع الدولي تقوده دول منحازة لإسرائيل أو متواطئة معها وفي الحد الأدنى شاهدة على ما يجري ولا تحرك شاطنان لكن الصمود الشعبي وحسن إدارة هذه المعركة والتضامن الواسع عربيا واسلاميا ومن قبل كل قوى الحرية في العالم كفيل بأن يهز هذا الركود ويخلخل هذه المعادلة، لقد رأينا نوابا في الكونغرس الأميركي والبرلمانات الاوروبي، وفنانين عالميين وشخصيات عالمية مؤثرة تنحاز لفلسطين وشعبها المظلوم .

الحالة العربية كانت على درجة من الضعف والهرولة نحو التطبيع بحيث أغرت إسرائيل وشجعتها على مواصلة عدوانها واقتراف المجازر وسلب الأراضي وانتهاك حرمة المقدسات، ونأمل أن الهبة الشعبية العارمة حركت هذا الجمود وسوف تساهم في عزل ومحاصرة المطبعين وكبح هرولتهم لتطبيع علاقاتهم مع اسرائيل.

فلسطينيا مطلوب فورا إنهاء ملف الانقسام وإيجاد صيغة قيادية جماعية تستجيب لهذه التطورات وتستوعب طاقات الجيل الشاب وتنسجم مع طموحاته ومع زخمه الكفاحي.

حتى الآن التطورات في صالح الفلسطينيين، صحيح أن الثمن باهظ وقاس ومؤلم، لكن الشعب الفلسطيني كسر كل الحواجز، واكتشف مكامن جديدة لقوته، كما اكتشف قيمة الوحدة والتنسيق بين مكوناته وتجمعاته المختلفة، المؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل باي تسوية تنتقص من حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في القدس، وكل جيل جديد لهذا الشعب هو أكثر وعيا وتماسكا واكثر استعدادا للتضحية من سابقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى