ليس على القانون وحده تحيا العنصرية
أمير مخول – فلسطين
قرار وزيرة الداخلية الاسرائيلية اييلت شاكيد رفض الوزارة النظر في طلبات لم شمل العائلات الفلسطينية هو قرار غير مفاجيء.
كما أنّ إسقاط قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (تعديل رقم 2) (أمر مؤقت) 2007، او بالاحرى عدم المصادقة علىطلب الحكومة بتجديده، لا يلغي ممارسة عنصريته، اي أنه يتيح ممارسته تحت مسمى اخر.
القانون المذكور لا يندرج ضمن ضبط العلاقة بين الدولة والمواطنين رغم انه تعديل ضمن قانون اساس المواطنة.
بل هو ضبط دولة احتلال لدموغرافية ضحاياها. كما ان القانون هو احدى ادوات الدولة لممارسة سياساتها ومعاييرها القيمية. وفي حالتنا ممارسة الدولة لجوهرها الصهيوني، الذي يحتاج بنيويا وبشكل ثابت لتبريرات قانونية شكلية لجوهر سياسات التطهير العرقي. قانون لم الشمل هو قانون تطهير عرقي ويحمل نقيض تسميته العربية.
لا تقوم اسرائيل دفعةً واحدة بطرد الالاف او الغاء إقامتهم، لأنه عندها سيعتبر ذلك جريمة تطهير عرقي، بل تقوم بذلك بطريقة “التنقيط”، اي على المستوى الفردي وليس الجماعي.
وحين يلجأ الضحايا الى المحكمة العليا الاسرائيلية فإنها تنظر في حالاتها الفردية مقابل صلاحيات الدولة المدعومة بتقرير الشاباك وقراره، وبذلك تضفي صبغة قانونية اجرائية على الممارسة، وبهذا أيضا تقلّص الى اقصى حد امكانية استخدام مفهوم “الاسبقية” كي لا تعتمد الضحايا على حالات سابقة وكي يتعذر عليها مراكمة محاججاتها وتدعيمها.
فالطرد الفردي المتواصل هو بالمحصلة وعلى امتداد فترة زمنية تراكمية هو طرد جماعي، وانتهاك لحق فردي وجماعي فلسطيني معا، فالوتيرة مهمة في ضبط التسميات وفي التخفيف من فظاظة المشهد لا الجوهر.
الا ان الدول لا تحصر صلاحياتها بأدواتها القانونية فحسب، بل لديها انظمتها وسياساتها والتي يأتي القانون ليلائمها وليس العكس.
على سبيل المثال لم يكن الاحتلال عام 1967 وليد قانون، بل وليد دولة وسياساتها، وتكاد تكون كل القوانين الاسرائيلية قد تم تعديلها وملاءمتها للواقع الذي خلقه.
كل الصلاحيات الرسمية التي يوفرها القانون للدولة، يمكن الاستعاضة عنها بالادوات الادارية وانظمة الطواريء، فإبعاد الفلسطينيين واستبعادهم عن المكان هي سياسة جوهرية واعتمدت بالاساس على انظمة الطواريء و”الضرورات الأمنية” الاحتلالية. وتخوّل انظمة الطواريء وزير الداخلية بصلاحيات لم الشمل او رفضه، وقانون المواطنة قبل تعديله يتيح لوزير الداخلية صلاحيات واسعة.
الا ان القانون يجعل المشهد يبدو مدنياً أكثر ويجعل الاداء يبدو سليماً ويُبقي الجوهر العنصري، لتلهو الضحايا بالاجراء ولتعزز العنصرية البنيوية جوهرها. هذا قانون صهيوني بامتياز، وكل مراجعة لادبيات ووثائق المشروع الصهيوني تؤكد الاعتبار الاسرائيلي العميق بأن بقاء فلسطينيين في وطنهم بعد العام 1948 هو خطأ استراتيجي ينبغي تصحيحه، حتى وإن لم يعد ممكنا تطبيقه فعليا بأدوات الطرد الجماعي. فالجوهر سبق القانون.
إن اسقاط طلب الحكومة بتمديد صلاحية القانون، هو بالمفهوم الاسرائيلي مسألة ليست ذات أثر على السياسات، وليست نتاج تغيير في السياسات، ويعي الليكود الذي عارضه بأن الدولة تملك كل الادوات كي تحافظ على جوهر سياساتها وتمنع لم الشمل ولديها كل الادوات القانونية والسلطوية والادارية التي تحتاجها. فالمفهوم الاسرائيلي مختلف عن المفهوم الفلسطيني لنتائج التصويت المذكور.
لم يصوت الليكود من اجل اتاحة لمّ الشمل، بل همه كان اسقاط الائتلاف الحاكم الجديد برئاسة بينيت لبيد.
أعتقد من هذا المنطلق ان الاحتفاء بإسقاط القانون فيه نوع من المغالاة، ولا مانع من انجاز برلماني حتى ولو معنوي، الا انه يجدر التأكيد سياسياً بأنه لم يحدث اي تحول ايجابي في هذا الصدد.
بل أن التوقعات السياسية والاعلامية وكأن السياسة سوف تتغير بمجرد نتائج التصويت على تمديد مفعول القانون، او أننا امام فسحة تغيير، من شأنها خلق بلبلة معينة.
إن دولة التي قامت بقوننة الاحتلال والاستيطان والمصادرات وضم القدس والجولان ووضعية الفلسطينيين، والسيطرة على المياه وبناء الجدار الصهيوني الفاصل، تملك كل أدوات السطوة القمعية المباشرة والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والقانونية والإجرائية (الطواريء) وغيرها لممارسة ذات السياسة، فكما هي الطرق الالتفافية في الضفة الغربية والقدس توصل الاسرائيلي الى مبتغاه وتحرم الفلسطيني من ذلك، كذا هي اجهزة الدولة.
وما نحتاج اليه نحن الفلسطينيين بشكل دائم هو تصويب النظر إلى جوهر اسرائيل، وعدم حصر النظر إلى حيث تريد لنا اسرائيل ان ننظر ونحصر رؤيتنا في المشهد والاجراء بشكل منفصل عن جوهرها.
إن تعديل قانون المواطنة أو “لم الشمل” لا علاقة له بالأمن الاسرائيلي، وبغض النظر عن الموقف منه، كما انه لا يمكن ادارجه تحت مسميات “خطر على الأمن القومي” أو “تهديدا للطابع اليهودي”، وهي معظمها مسميات من المعجم الصهيوني، بل إنه اجراء يسعى الى التخلص من مواطنة كل فلسطيني ممكن، ليس لأنه يشكل تهديدا على التفوق الدمغرافي اليهودي، بل لخلق حالة من التنافر بين الفلسطيني ووطنه، ودفع الناس الى الهجرة.
بخلاف الحالات الفردية والأسريّة الحارقة التي لا تحتمل التأجيل، فللدولة كما للدول عموما قدرة على التخطيط بعيد المدى، والذي عادة ما تبدأ الدولة من اهدافه وغاياته وكيف سيكون الأمر بعد عشرات السنين، في حين لا تملك الناس عادةً القدرة على رؤية المسار بل كل خطوة على حدة، وحين تبدا بمواجهتها تكون الدولة قد تقدمت خطوتين في عنصريتها الممارسة، كما أن دور القوى السياسية هو التنبيه له، والحيلولة دون تراكم الوهم كما لو أن عدم المصادقة على تمديد قانون عنصري يعني التخلص عنصريته الممارسة.