رواية اليتيمة وحقوق المرأة
الدكتور عزالدين أبو ميزر | القدس
صدرت رواية اليتيمة للأديب الشيخ جميل السلحوت بداية هذا الشهر عن مكتبة كل شيء في حيفا… قبل كل شيء أريد أن أنوّه جادّا أنني من محبي قراءة ما يكتبه الشيخ السلحوت بشكل عام، وأجد متعة في قراءة ما يكتب، فإن له أسلوبا في الكتابة يحسده الكثيرون عليه، فهو السهل الممتنع، سواء اتفقت معه في توجهه ورؤياه أم اختلفت، والاختلاف لا يفسد في الودّ قضية، ودائما وأبدا وعندما أكتب عن شيء له أجعل من إسمه رابطا يميز أسلوبه في الكتابة “أنه جميل كاسمه، وهو إسم على مسمى.”
وعودة إلى رواية كاتبنا اليتيمة والتي تداخلت فيها الأفكار والمفاهيم الاجتماعية والإنسانية والدينية والحياتية وغيرها، ولست أدري أهو بقصد منه أو أن سياق أحداث الرواية أدخلتها هكذا بلطف مع بعض الشدة وشفافية تصل بعض الأحيان بتلميحها إلى التصريح الذي لا يخدش الحياء، ولا حرج في ذلك، وهو أسلوب شيخنا.
مفهوم الذكورية الذي أخرجنا منه الإسلام على يد خاتم الأنبياء حال حياته بعد جاهلية جهلاء، عاد إلينا بعد وفاته واجتماع السقيفة، وبشكل أشد وأعمق بعد خطف الدين ممّن تسموا رجال الدين في الإسلام، وفُسّر حسب أهواء من حكموا البلاد والعباد، وتطور مع تطوّر ومرور الأيام بشكل أقسى وأمرّ ولا يزال، إلا من رحم ربي. فالمجتمع الجاهل يسهل حكمه والتحكم فيه.
من ناحية أخرى ففي المجتمع الذكوري نرى كيف يقع الظلم على المرأة فيه جليا واضحا، ولا يستهجن ذلك أبدا، بل ويُرى متقبلا ويشجع عليه من قبل أبناء جنسهن حتى أنّ الأمّ تفرق في معاملتها بين الذكر والأنثى، ويثبت كاتبنا بالأدلة الواضحة هذا التمييز في المعاملة حتى وفي الحقوق التي فرضها الله على عباده بين الأبناء، ويبين أن الأنثى هي الخاصرة الرخوة والجناح الأضعف وإن حاولت الدفاع عن نفسها فهي المسترجلة والخارجة عن القانون العام الذي وضعوه هم لها.
عند مناقشتنا في ندوة اليوم السابع أيّ كتاب أو رواية أو موضوع يختلف أخذ المتداخلين له، وكثيرون تهمّهم التفاصيل، مع أن كاتبنا يدخل الى أدق أدق التفاصيل ويكشف عنها الستار، وهذا في الرواية يحسب له وليس عليه وكثيرون كتبوا فيها وسوف يكتبون. وأنا أحب الإجمال والعام عن الخاص، لتكون المداخلة أشمل وأعمّ ولا ترتبط بخصوص السبب، لأن العبرة تكون بعموم اللفظ وما يرمي إليه من معني عام ينطبق على أكثر من شيء واحد مخصص.
رواية اليتيمة هي ثالث رواية حول حقوق المرأة لكاتبنا بعد روايتي الخاصرة الرخوة والمطلقة، وثلاثتهن يدرن في فلك واحد يتمحور حول التقاليد البالية التي ورثناها وزدنا عليها بدل التخلص منها بالقضاء عليها، والتديّن الكاذب والفهم الخاطىء للدين الذي ما أنزل الله به من سلطان، وقام على ترسيخه في الأذهان من جعلوا للناس دينا موازيا، وتقوّلوا على الله وعلى رسوله ما لم يقله الله ورسوله، وما يجافي العقل والمنطق والدين الصحيح ومفهومه الذي ينهض بالأمة، ولا ينحطّ بها إلى الدرك الأسفل من الذلة والهوان الذي نحياه وخاصة في فلسطين المحتلة، والتي لا ينساها كاتبنا من الذكر فهي حياتنا العامة جميعا.
والجميل في أسلوب كاتبنا الجميل كثرة الاستدلال بالأمثال الشعبية، وكما قالوا: بالمثال يتضح الحال، والتي على جمالها أحيانا يترسخ معناها في الذهن الذي تعوّد على سماعها، والتي يجب ان نقضي على الكثير ممّا يخالف الدين والعقل والفطرة التي فطرنا الله عليها، وإن كانت تراثا، فهي السّمّ في العسل.
وأخيرا فإنني أبارك للكاتب وأفخر بما قدّم ويقدم من مجهود في هذا المجال الذي هو بحاجة إلى الكثير الكثير من الدّق على الخزان فيه حتى يتم تغييره والتحول إلى مجتمع سوي لا تمييز فيه ولا هضم حقوق.