وأخيرا وصلت ملابس الشهيد

شوقية عروق منصور | فلسطين

ننشر الغسيل .. ننتظره كي يجف، ثم نرتديه وأذا كان القماش من النوع الذي يتجعد نقوم بكيه .. يصبح المكوب هو البطل الذي يؤدي إلى الأناقة والترتيب .
ولكن هناك مكوي من نوع خاص، مكوي يبرزه الاحتلال لكي يكوي الجروح مرة بعد مرة، وتصبح رائحة الجلد المحروق، رائحة التلذذ، حيث يرقصون حول الرائحة رقصة المستخف بالمشاعر والأحاسيس .
“موسى ضراغمة” شاب من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم ، في تاريخ 22/ 5/ 2002 كان متوجهاً إلى عمله في مدينة القدس، لكن لم يصل العمل حيث استشهد، وقد تسلمت العائلة جثته ووري الثرى، وكمثل باقي الشهداء أصبح رخام القبر والذكريات والصور هي ينابيع الحزن التي تتفجر في قلب الأم والزوجة وباقي أفراد العائلة .
وبما أن الحياة تسير ولا تتوقف، كبر ابن الشهيد “موسى ضراغمة” ويدعى نور الدين وأصبح عريساً، وقبل عرسه بيومين، استيقظت خلايا نكد الاحتلال، فهناك خلايا تقوم بتعكير الأجواء وتنغيص الحياة اليومية على الفلسطينيين، حتى يبقى الاحتلال رابضاً بقسوته يمارس تناقضاته فوق مجده الاستعماري .
قبل العرس بيومين، اتصلت قوات الاحتلال من مقر الإدارة المدنية في مستوطنة “غوش عتصيون.. وأبلغوا الابن الأصغر “محمد” بضرورة التوجه إلى معبر 300 على المدخل الشمالي لبيت لحم ، لأن هناك أمانة يجب أن يستلمها، رفض “محمد” في البداية التوجه لى هناك، لكن أبلغوه أنهم سيقتحمون المخيم ويسلمون الأمانة له.. فخاف من تعكير أجواء عرس أخيه، وأخذ يضرب أخماساً بأسداس عن الأمانة؟ وما هي وما شكلها؟ وهل إسرائيل تحتفظ بأمانات في خزائنها؟ ومنذ متى إسرائيل تبسط يدها وترجع شيئاً؟ .
في اليوم التالي ذهب إلى معبر 300 مع والدته، التي رفضت أن يذهب لوحده، انتظر.. طال انتظاره.. ثم نادوا عليه .. دخل المكتب فقاموا بتسليمه كيساً من البلاستيك  وطلبوا منه فتح الكيس في السيارة ..
خرج من الباب وما زالت الحيرة تشهق في صدره ، في السيارة فتح الكيس بسرعة ، وأذ بثياب ملطخة بالدماء، بنطال وحذاء وملابس داخلية، والدماء يابسة، متعرجة، ذات بقع متعددة، تدل على أن الدماء كانت تنزف بغزارة ، وأن الملابس لم تستطع حماية الدم الذي جرى بسرعة على التراب، حيث التراب شرب تلك اللحظة حياة كانت تحلم ، لكن الحلم طارده قناص وقتله .
تعرفت زوجة الشهيد ” موسى” على ملابس زوجها .. – هدول أواعي ابوك – ..
السيارة لم تتحمل طوفان الحزن والذكرى والدهشة والتوقيت المفاجيء، لم تتحمل فتح تابوت الشهيد اختصرت في لحظة سنوات الانتظار ، اندفع الوجع ليتشكل جسد الزوج المليء بالثقوب.. لتنادي الرصاصات التي غدرت وسرقته من بين أحضانها .
في البيت رقصوا بثيابه، أراد الاحتلال تعكير صفو فرحهم ، لكن ها هم يرقصون ، لقد رجع إليهم الآن ليشارك فرح ابنه، اختار الاحتلال توقيت حفر الحزن، وهم اختاروا توقيت وجود شهيدهم مضبوطاً حسب ساعات فرح ابنه ..
العجوز والدة الشهيد “موسى ضراغمة” قامت بشم الثياب وأكدت أن رائحة دمه زكية، وأطلقت الزغاريد.. وكل من حضر العرس كان يشعر أن الشهيد موجوداً معهم .
لو عرف الاحتلال أن هذه الأمانة ستفرح عائلة ضراغمة لما سلم الأمانة، لكان رماها أو حرقها أو .. المهم لا تصل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى