طائر النعاس.. قصة قصيرة

‏د. سامي الكيلاني | فلسطين

جالساً على مقعده في مطار شارل ديغول، محطة بين الشرق البعيد والغرب البعيد قبل عبور الأطلسي.

غادره النعاس الذي كان قد تلبّسه منذ بداية الرحلة، فجأة انحسرت موجة النعاس، هكذا دون سابق إنذار، هكذا هي أمور الحياة، تمنى في الطائرة لو أن المسافة بين المقعدين في الدرجة السياحية مثلها مثل تلك التي تفصل بين مقاعد المحظوظين في الدرجة الأولى ليمد رجليه ويغفو قليلاً، كان في انتظار اللحظة التي يصل فيها قاعة الترانزيت ليقتنص طائر النعاس الذي كان يحوم فوق رأسه دون انقطاع، وها هو قد طار بعيداً عن جفنيه، صار بعيداً، بعيداً. جاءته موجة من التذمر “اللعنة على هذا النعاس، حتى أنت يا بروتوس، النعاس ككل الأشياء التي تعرف كيف تغيظنا، حتى التعب لم يستطع استدراج طائر النعاس، فما الذي يريده إذن حتى يحط؟”.

قرر أن يحتسي فنجان قهوة نكاية بطائر النعاس العنيد “إن كنت عنيداً فأنا أعند منك!”. نهض دون تثاقل، أيضاً نكاية بطائر النعاس، واتجه إلى المقهى الصغير الوحيد المفتوح في هذا الصباح الباكر، علامات النعاس والتعب بادية على عاملة المقهى، يبدو أنها تنتظر انتهاء دوامها وتتمنى ألاّ يحضر أحد لشراء شيء من عندها، قامت متكاسلة، لم يقل لها شيئاً سوى “دبل إسبرسو”، حتى أنه لم ينهِ عبارته بِ “لو سمحت” كعادته.

ناولته الفنجان وعاد إلى مقعده يحتسي رشفات من القهوة على مهل وكأنه يقول لطائر النعاس “حلّق أبعد ما شئت، لست بحاجتك، أستطيع أن أعيش بدونك ليوم آخر”. مع رشفات القهوة عادت إليه تفاصيل الجزء الذي مضى من الرحلة.

كان الأمس يوماً طويلاً متعباً للجسد والأعصاب، لا لم يكن اسمه الأمس، إنه يوم مستمر، بعض الأيام طويلة، تعيش أكثر من 24 ساعة، قد يصل طولها إلى 40 ساعة. كان يوماً طويلاً كثيفاً في كل ما احتواه، ركض وركض وركض، كان عليه إنجاز أشياء كثيرة قبل التوجه إلى الجسر لعبوره ومنه إلى المطار. كان كل شيء معلقاً بخيط رفيع من اللايقين. طائر اليقين في كل ترتيبات السفر غادر حياته منذ زمن طويل دون رجعة، لم يعد ينتظره، فقط يتذك…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى