نصوص ورؤى: ” قواسم مدارك اليقين “في نصوص عبد الحكم العلامي الأخيرة

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

أولا_ مقدمة وشواهد:

  ليس مهما أبدا صخب الإيقاع ورتابة نغمية حساباته، وميزان رناته، الأهم أن يكون ابن حاله وذوبانه داخل الروح
°°°

     القصيدة التي لم تنتج موسيقاها من دفقة حركية أفعالها ستذهب إلي جنس آخر غيرها حتي لو كان نظمها خليليا.
°°°
   القصيدة برهان الشعر وجمال الحياة داخل الروح، والشعر هو الأفعال الدالة، والمؤثرة في الوجدان حتي الذوبان في لغة إيقاع أحواله.

تطبيقات على النصوص

°°°
الرؤية ونص ” خواتيم “
   كان استدعاء هذا النص من ديوان سابق يحمل عنوان “رطب الصيف” للشاعر لسبب اراه جوهريا للربط بين ضرورات التواصل التقني في تجربة الشاعر مع تجربة النصوص الاخيرة وفي ظني ترسخ هنا يقين الربط العضوي وتواصله الانساني في ماهية هذا الحضور اللافت .
 نص يبرز العورات التي اجتاحت مجتمعاتنا وكأنه النص المقدس الذي يحاكي المستجد باستلهام واقعنا الآني.
   النص تتوغل فيه جماليات فتنته بتعدد حارات مسالكه ولا أقول مشاهده؛ فالمشاهد وإن بدت لم تخرج عن واقعية الأفعال المجردة من الخيال، لكنها بنيت علي تقنية مستجدة في كتابة الشعرية العربية التي لم تألف مثلها عند الكثير من الشعراء والناظمين للشعر.
   ليجيء الشاعر هنا فيراوغ الدال والمدلول في بنية البساطة التي تأخذك إلي عالم شعري يحتاج إلي التأمل لإنتاج دلالات متعددة عند كل قارئ.
  نعود إلي تقنية المسالك لا المشاهد؛فالمشاهد داخل النصوص تبرزها لغة السرد، أما هنا ففتنة الاستنطاق لواقعية إنتاج المدلول من الدال في براهين واقعية الحدث لإنتاج تقنية كتابة شعرية جديدة لم تتعودها الشعرية العربية إلا من قليل من شعرائها.
    عبد الحكم العلامي يعود إلينا اليوم وإلي الشعر بجودته التي نعرفها عن موهبة شعرية امتلأت من نور الشعر ونقد الأدب.
النص.. خواتيم

الرجل الذي كان يسعى
إلى هدأة في البوادي
وحيدا
صار أمة !
….
في العشاء الأخير
رأى نورا يتدلى
من السماء
نورا على شكل مائدة !
فيها شراب لذة للشاربين
وبها طعام !
فخطا إلى المشكاة
إلى هذا الذي يتدلى
على شكل مائدة بها طعام
وفيها شراب لذة للشاربين !
فإذا بصوت يبتدره :
هون عليك
على رسل قلبك
سيقوم بين يديك نفر متعبون
وتكون مهلة
ويكون أن يستبشر الخدام
فإذا الذي صيرته
ندا
يستل سيفا في الخفاء
ويكيد لك
ويكون أن تسري بهم
ليلا
فيغشاهم نعاس أمنة
فإذا الذي صيرته
ندا
يفيق على كلام مشتبه
يدعى الخيانة !!

°°°

الرؤية ونص:  مسارات
   عبد الحكم العلامي وتصاعد درامية السرد الشعري في صيغة الرسول.

   النص في شعريته المتفوقة، وهي تخطو من إيقاعها المهيب بحركية أفعالها المتناسقة، مع درامية الحدث، وتطوره عبر زمنيته ومكانيته، وحسب درجات تصاعد هذه الدرامية التي أنتجت للنص قرابينه بين المشاهد الساردة.
صدوا غلاة المرجفين
عززوا أسواركم:
تبا لهم
أو مخرجي من الديار هم؟!

°°°
    يكتب عبد الحكم نصوصه من تزاحم القضايا العامة التي يحولها بل ويديرها وكأنها أحواله، وكأنه رسولها الذي وجد نفسه بين الناس في ظلمتهم وفي قهرهم وفي حروبهم وفي نزاعاتهم؛ ليذكرهم بالوصايا التي تناسوها، ويذكرهم بخيباتهم التي لن يغفلها التأريخ وحدد مفاسدهم التي سيراق بسببها الدم الغزير.
   وأجاد العلامي ببراعة الشاعر الذي منح فطرة شعريته كل ما تحتاجه من مكونات التفرد ليحول الجمع في ضمير الغائب إلى صيغة المفرد، وكأنه يحدد ماهية الفعل في جريمته الكبري؛ أن كل فرد هو مسؤول عن مشاركته هذه الجرائم التي ستقضي علي كل شيء.
سيكون أن نضحي سبايا
ويهدم ما استقر!!
…..
إنه يهجر
والوقت يأفل
والمدائن تستجير.

    عبد الحكم العلامي يعزف أحواله علي أوتار الرسول الذي جاء من شعرية الأحوال في نذر متعدد للأحوال وأيضا للشعرية العربية التي ترسخ جماليات الشعر الذي لا يقف عند حدود الثابت ولا يرضي بغير وجوده إلا من موهبته الحقيقية ومن امتلاكه لأحدث تطوره ومستجده ليزاحم قلة تجيد شعرية الأحوال وتقف متأففة من المقلدين والناسخين والسارقين والناظمين وأولي البأس الرجيم.

النص: مسارات

كان على يقين أنهم سيختلفون ،
نعم ،
كان على يقين !
ولذا أراد أن يلقي بورقته الأخيرة
في اللحظة المناسبة !!
الوقت يأفل
وهو يريد أن ينجز حجته
ثم يهدأ قليلا
ريثما يتشاورون !
صاح صائح منهم :
دعوه ينجز حجته
وصاح آخر :
إنه يهجر
انظروا عرقه يتصبب من جبينه
صبوا عليه الماء
اغسلوه بسبع قرب
من آبار متباعدة
ودعوه يكمل ما يريد
ثم استحثوا خيلكم
الوقت يأفل
والمدائن تستجير !!
صدوا غلاة المرجفين
عززوا أسواركم :
تبا لهم
أو مخرجي من الديار هم ؟!
دعوه ينجز حجته
وصاح آخر
إنه يهجر
نلقي عليه السلم
ونجد نحن السير نحو مضارب الأقوام
إنهم يتنازعون الآن أمورهم
بينهم
قطعا سينسون الوصايا
وسيكتبون لمن سيأتي بعدهم
تاريخا من الخيبات
وسينشرون المفسدة
سيراق دم غزير
وتقطع الأنساب
سيكون أن نضحي سبايا
ويهدم ما استقر!!

….
إنه يهجر
والوقت يأفل
والمدائن تستجير !!
°°°
الرؤية ونص: فائض الوقت

  هذا النص هو نص التجرد من الأنا الواقعية واللوذ الي الأنا ذات المقام.
الشاعر هنا يحاول أن يرسم ملامح إنسانيته من تجردها المادي رغبة في الزهد المقيم؛ لينشأ حوارا داخليا بين الأنا في ضميرها المتكلم وبين الأنا المهمومة التي تراود آلامها مع استحالة المعايشة مع المتسببين ومع هذا الواقع الذي أربك المشهد حتي يصل حد الإفاقة ويواصل قضاء حوائجه قبل نفاذ الوقت واستحالة التنفيذ.
الشاعر هنا يقيم حوارا مع نفسه، عنوانه التجرد من أنسنة مصطنعة ماديتها طغت علي الإنسان فغطت أوكار الألم وتجاوزت حدود الوقت لتبقي في واقع المشهد العام.
وكانت الأفعال المذمومة هي البطل الذي يريد هو قهره في ذاته الأخري التي تريد المعايشة مع هذا الواقع الذي تجرد من إنسانيته ليحلق في أجواء المادة التي بمقتها ولا يحتاج منها غير قضاء حوائجه حتي تستمر الحياة.
باختصار النص هنا محوره العام كان السعي إلي الخلاص من واقع لم يحصل منه علي شيء غير الألم المقيم، وأصبح يريد الخلاص منه.
النص يراوغ حاله، بل أحواله، ويراوغ لغته بين تجرد الذات من الأنا التي تسعي إلي معايشة واقعها وبين الأنا التي ترتقي مقامات التجرد في أبهي صوفيتها.
يقول عبد الحكم العلامي:
هذا أنا خلصت حالي
من مسالك وحدتي
ورضيت أن أبقى بهم
ورضوا المقام :
نهران من لبن
وماء
وهنا الحقيقة
والرواء !
  هنا يمنح الشاعر نفسه مقام التجرد ومقام الزهد والخلاص.لكن تبقي بعض الإشكاليات التي يجب أن يحاول تفكيكها ليصل إلي مبتغاه فيقول:
سأثير بعض متاعبي معهم
وأفضي مااستطعت
سأقول آخر حجتي
خلوا طريقي
فليس لدي وقت
وأنا قليل
واحد
وعلي أن أقضي الحوائج كلها
الوقت ينفد
والمهمة تستحيل !!
   تتعانق شعرية النص هنا مع مستجدات طلوع وترتيب نشوتها التي تقبل الزهد والخلاص إلي مقامات الطلوع نحو مسامات النجاة حتي تتطهر من آلام عانقتها حد الإفاقة، كما أن هذا الطلوع نحو مقام التجرد والزهد والخلاص عليه أن يرتقي به إلى تعريف ماهيته فهو القليل الواحد وعليه التريث حتي يقضي حوائجه كلها قبل نفاد الوقت.
الشعرية في النص تخلص إلي زهو وبريق مسارها وتحقق نتائج تفردها من معايشة أصل المسار قبل تفاصيله،ومن دهشة التفاصيل إلي أوجاع استدعاءات أدواتها من لغة وتناص وأخيلة وبساطة وصور وفلسفة وتشريح نفسي موجع حتي تصل إلي تمام مكوناتها لتتناغم في سيمفونية احتشاد عوالمها في رنة إيقاع غير قابل للنشاز أو السكون أو الرتابة أو التقعر أو كل ما يعكر مناجاة مقامها الرفيع.

النص.. فائض الوقت

لقد أراد أن يقول ما لديه ،
قبل أن يترك هذا المقام
قبل أن يشير إلى علاماته الكبرى
ويمضي !
رجل برائحة الحقيقة
رجل يليق به الكلام
الوقت كان على نفاد
وعليه أن يقضي الحوائج كلها
أغفى قليلا
وهو في حال بين الإفاقة
والسقام !
أغفى قليلا ثم هم إلى الكلام :
قوموا إلى غاياتكم
فهناك يفرق كل أمر
قوموا
واتركوا لي ثلة مني
هم حاجتي
هم من أريد !
الوقت ينفد
لم يبق إلا فسحة
منقوصة ،
وعلي أن أقضي الحوائج كلها
هم حاجتي
هم ما أريد !
سيكون أن أسري بهم
في غبشة الليل البهيم
وأقيم
ولا أقيم !
هذا أنا خلصت حالي
من مسالك وحدتي
ورضيت أن أبقى بهم
ورضوا المقام :
نهران من لبن
وماء
وهنا الحقيقة
والرواء !
سأثير بعض متاعبي معهم
وأفضي مااستطعت
سأقول آخر حجتي
خلوا طريقي
فليس لدي وقت
وأنا قليل
واحد
وعلي أن أقضي الحوائج كلها
الوقت ينفد
والمهمة تستحيل !!

°°°
الرؤية ونص “كلام أحوال”

   تكتب السهل الذي لا يدرك جماله غير من يدرك ويلملم مورقاته وفيضه من نواصي وفضاءات الحروف
   تتأمل أحوال هذا الطفل _ البراءة _ الذي أرهقه الركض حافيا طوال الليل الذي ينام فيه الجميع إلاه باحثا عن هدأة في زحام المواني.
   تتفاعل لغتك مع تأمل ورصد بيانك الشعري في سياقات الأحوال التي تتبني مقامات شعرية تجازف في طلوعها؛ لترتقي مكانها البهي الرفيع في سماوات الشعر حتي تنجذب لها أرواح المدركين للجمال مثل جهاز ينتمي لشبكة رادارية لن يرصدها غير من يملك تقنياتها الفريدة.
    أحس في كتاباتك الأخيرة وكأنك ترصد الطفل الشقي الذي أعيشه بين دلالات حروفك وكأنه كأني، وربما أحس هذا الإحساس مثلي كل من يقرأ لك، يتأمل، يتعايش، فيصير هو ذاك الطفل الذي يبحث عن هدأة في المواني. كلام أحوال
°°°
النص.. كلام أحوال

لم يكن الأمر سهلا
على الإطلاق
كان علينا أن ننهي عملنا
صبيحة هذا اليوم !
غير أن الباعة الجائلين
وعربة الرش
العتيقة
التي تجوب الموقع
وهذا الطفل حافي القدمين
الذي ظل يركض
طوال الليل
باحثا عن هدأة في المواني
تسبب هذا كله
في تعطيل العمل
ليومين أو أكثر !
غير أن الحديث كان يدور
هنا عن أزمة أخرى
تتعلق بذلك الطفل
حافي القدمين
الذي ظل يركض
طوال الليل
باحثا عن هدأة في المواني !
لم يتأخر الباعة الجائلون
عن إطعام هذا الطفل
وإمداده بالماء !
لكن فاتهم أن يدركوا
أن الحقيقة تكمن
في مكان آخر
وبلاد أخرى يمكنها التعامل
مع أمثال هذا الطفل
حافي القدمين
هذه الحقيقة ليست
هنا
كما أن هذه البلاد
ليست لنا !
ومن هنا
سيظل البحث جاريا
عن حلول أخرى
تضمن لهذا الطفل
ألا يظل يركض هكذا حافيا
طوال الليل
باحثا عن هدأة
في المواني
وأن يتم الكلام
عن بلاد أخرى
تضم قدميه المتعبتين
وجسده الذي يعاني !!

°°°
رؤية ونص ” همهمات في الممر “

   الدال والمدلول في لعبة المفارقة؛مشتقان عضويان من جسد واحد في اللغة. لكنهما هنا يرسمان في النص خريطة الواقعية الشعرية في تقنية الكتابة التي تدير شؤونها تأملية المشاهد، والغوص في يقين الأحداث من دون ضجيج لأصوات لا تجد نفسها هنا؛ لتترك المجال للغواص الحكيم أن يشرح جسد الواقعية دون زيف أو خلل إنساني، ينتج عنه الخلل الفني.
الشاعر هنا يمنح للنص وظيفته الحقيقية في الرصد والمتابعة والمعايشة لقضايا الإنسان في _جملته_ المرصودة بدون فرضية التدخلات من ذهنية أو أيديولوجية أو نوازع نفسية؛بل كان الهم العام داخل الشاعر من رصد معايشة دقيقة لواقعية حراك الأفعال التي خرجت من مسارها الحقيقي إلي ضرورات البناء والأخيلة البسيطة والاستراتيجيات الفنية التي أسقطتها واقعية أحوال النص، بريشة فنان ماهر، يملك مجاورة الحرف في أصوات حراك أفعال أحواله في مشاهد الدال والمدلول في سيمفونية جديدة لا نشاز في تعددية مهام القائد العام لأدوات النص ومن ثم خرج لنا النص بألفة جديدة يطارح بها غرام المتلقي والقارئ معا بنتائج جماليات شعرية تختلف كثيرا عن تقليدية نتائج جماليات الشعرية التي تعارفنا عليها.

النص.. همهمات في الممر

كان من المفترض
أن ننجز الكثير
طوال هذا اليوم ،
غير أن هتافات العمال
في وردية الصباح
قد غيرت بوقعها
المسار !!
فأوقف الحشود إشارة
الميدان
ورددوا الشعار :
هذا يوم فصل
فيه يغاث الناس
وفيه يؤجرون !
……
ولكن ما طبيعة الهتاف
في هذه المرحلة ؟!
تساءل الفضول من المارة
يقال إنه يوم للطعام
شعاره :
لكل فم رغيف
ولكل عامل سكن
ودور للرعاية
تمسح الدموع
من عيون المتعببن !!
……
كان من المفترض
أن ننجز الكثير
نعم ،
هو ذا
غير أن ما أثير
حول حوادث الطرق
ومواسم الموت البطيء
في المستشفيات العامة
ومراكز غسيل الكلى
ومعاهد الأورام ،
قد غير المسار !!
…….
توقف الجميع لحظة
ثم خيم السكوت
إلا همهمات في الممر
تراود الحشود
وتعلن النفير !!
…….
أما أنت ،
فلا يمكنك أن ترافقني
هكذا
لا بد أن نفارق
لأننا أغيار
ثمة خلاف بيننا
واليوم يوم فصل :
إما أن تكون معي
أو أن تتخذ لك
سبيلا آخر
فليس ثمة من خيار !
أما أنا
فلي شواغلي
وهتافات العمال
في وردية الصباح
قد غيرت بوقعها
الحقائق
وشكلت طبيعة الشعار :
لكل فم رغيف
ولكل عامل سكن !!
……
لا أدري ،
لماذا أجدني مضطرا
لأن أردد كلاما قلته من قبل :
لا يمكنني الذهاب معك
وليس بإمكاني
أن أتركك وحدك
فليس في الحرية اختيار !!

°°°
رؤية ونص ” تشابه”

    شعرية تحاكي وتبرز مسافة الفعل ونتائج خضوعه وفك شفرات الملامح التي قد تبدو واحدة،لكن التشابه حقق رمزية تجاور الفعلين لمشهد التناقض بين هذا الخيط الرفيع الذي يجمعهما في التشابه والتقارب.
   الشاعر هنا يصارع وجعه الذي نشأ من معايشته لأحوال الفعلين في واقع المادية الذي لم ينجو منه حتي وهو يحمل الرجاء ولا يزال يحمل بين صدره ألم الحنين لإنسانية يأمل ويرجو أن تبعث من جديد.
أدوات الكتابة هنا لم تخرج عن مشتقات أفعال الأحوال التي قامت باستدعاءات اللغة والإيقاع والرمزية والفلسفة والتراث، كما استدعت نقائض وارتباك المشاهد الدفينة في أعماق الشاعر.
   محبة تليق بشاعرية عبد الحكم العلامي وأعتقد إنه من ذلك البوح؛سيعيد للمشهد الإنساني داخله وربما خارجه فيض أنسنته الجمالية التي ارتبكت كثيرا.

النص.. تشابه

قطعا
يوما ما
سيخلو الطريق
من هؤلاء العابرين !
هم على مسير خطوة
ونحن على مسير
وبيننا كوة لا تكاد
تبين !
……
سيستغرق الأمر وقتا
ريثما يقبل من تواروا
على حين غرة
من أول الغسق
إلى بدايات الشجن
الدفين !
……..
سينتهي ما تشابه
من خطاهم
وسيعلق كل واحد منهم
مر على هذي المماشي
بجذع نخلة هرم
وعندها يكون
ما سيكون
هم على حين رجاء
ونحن على حين
و بيننا كوة لا تكاد
تبين !
……
سينشغل الناس ربما
بأمرهم
سيقلبون الأمر
فيما بينهم
لكنهم لا شك
سيخلون الطريق
من العوالق
وسيرحلون !
وعندها
لن يتبقى منهم
إلا خطاياهم
ونزر من كلام
عابر
ونثار من حنين !!.

°°°
رؤية ونص ” قريب من هذا “

    عندما تعتمد شعرية النص علي تنظيم حركية أفعال الأحوال التي تخمرت في اللا شعور وأصبحت افعالا ترتقيها حواس وخوالج الشاعر؛ وحده الذي ينصهر في تفاصيل تفاصيلها، ويستخدم خبرات كتابته الطويلة والممتدة في ترتيب وظائف الأدوات التي اختارتها حركية هذه الأفعال التي جسدت أدوار بطولة تقنية الكتابة، بطريقة السرد الشعري الذي تناغم مع نتائج جماليات النص، فيتم ذلك عبر تون إيقاعي ومثله التون الدلالي، فيحركهما قائد السيمفونية بعبرقية المبدع الذي لا يدخل مقام إبداعه إلاه، ولا تجد من قراءة مجمل معطيات النص الجمالي غير انسكابه في كل حواس ومسامات الجسد العارف المحترف بنواصي الشعرية، لتصل حد التجانس والألفة، وتصبح أنت أوله وأنت أيضا آخره .
عبد الحكم العلامي في نصوصه الشعرية الأخيرة يبني لنا عوالم نصوصه بصيغة الجائع الذي ضل يأسه واتجه إلي حدائق كادت تنتكس معالمها، لتتشبع من شعريته الحروف، فتبحث عن مريد لها بين منصات المنابر التي أوغل فيها الدمار.
°°°
النص “قريب من هذا”

الأمر الذي لا مفر منه
أنك بإزاء مهمة
ينبغي أن تقوم بها
كما يليق
نعم
هكذا كما يليق !
كما أن المهلة التي بيننا
وبينك
لم تنته بعد .
أما الذين يديرون معاركهم
في أخريات المدار
وهم على عجلة من أمرهم ،
فلست منهم !
أنت في مأمن
من شأنهم هذا
كذلك أنت على بينة
كأثر ضوء الشمس
على مخيلة النهار !
أنت تمتلك الذي يقيك
إذن
والذي يجنبك العثار
إنها محنة قد تزول
غدا
وقد لا تزول
وأنت تمتلك الإرادة
فيما تشير به
ليس عليهم أن يدركوا
ما أنت قائم عليه
وليس عليك أن تهادن
في ملحقات القرار !
في كل مرة سيترصدون
خطاك
وفي كل مرة
سيفرضون عليك
الحصار !
إنها محنة قد لا تزول
غدا
وعليك أن تتدبر الأمر
جيدا
قبل أن يخرجوا عليك
هكذا
لا يملكون سوى مكائدهم
وجل غلوهم
وأنت وحدك
في هذا الطريق
ليس بين يديك
سوى القليل من الورق
وبعض أقلام
ثقال
ووقت يهدد بالرحيل
من المنافذ
والطرق !!

°°°
رؤية ونص “لمثل هذا”

       نص عرفاني باستشهاداته، ومسالكه ومقاماته، وتوغلاته، وترقياته، وصيانته للنفس، ومدلولاته، وطرائق بنيانه وتوازن إيقاعات أفعاله واختيارات مفرداته؛ ليكتمل في نشيد الطالعين إلي سير أسرارهم، ولا أدري لماذا يتعايش صداه في داخلي، يرتقي لصولجان مقامات المجذوبين رغم سكون وهيبة ووقار دلالات ونتائج شعرية النص.
النص أنتج بداخلي رؤي أخري أبحث عنها ولا أملك الحرف الذي يدلني عليها لأمنحها حقها ويقين وجودها هنا في النص.

°°°

النص “لمثل هذا”

لكل شيء وقته
ما من كلام
آخر !
في اللحظة المناسبة
سينال كل ذي حاجة
حاجته
أما أنا ،
فلن أدخر جهدا
في ملاحقة الحجيج
الزائرين
سيكون لي
أن أنتحي جانبا
ريثما يتهيأون !
الأمر كله
بالنسبة لي
لا يعدو كونه
مجرد عبور خاطف
لرجل حالم
خلى الصحارى خلفه
ثم استراح هنيهة
بعدها
جد المسير إلى وصاياه
النبية :
أن هلموا
تدركون من العثار
وتحصنون من الفتن !
……….
تعالى الله
ما أنا إلا قليل
واحد
عرج من هنالك
ثم آب مع الحجيج
الزائرين
هكذا حالي
ولن أحتاج وقتا
آخرا
ألهو به قدامهم
سيكون لي أن أقتفي
أثر الذين تخلصوا
من رقدة الليل
استفاقوا في البكور
يستنهضون مطيهم
أن تستقيم على الطريق
في رحلة رعوية
نحو البراري
والمسالك
والقصي من الحصون !
سيكون أن أحتاط
من وقع الخطى
أخفي عليهم
خط سيري
ويكون لي أن استجير :
أصغي إلى الحادين
في هذا الدجى
وأدير ظهري للخفي
من الظنون !
هذا بلاغ للذين
تهيأوا !
تعالى الله
ما أنا إلا قليل !!

°°°°°
رؤية ونص ” كلام لقل”
………..

يبدو أنهم كانوا
جميعا
على سفر !
هذي رواحلهم
وتلك مطيهم
وهذا نثار من غبار
كلامهم !
….
     لنبدأ بمفتتح القصيدة؛ فهو مفتاح تأويلات مجمل أحوال النص، وسر رمزية سلوكه الفني المغاير حين يرتقي مسارات سردية الأفعال التي تزاحم حضور مفرداتها فتقوم علي تسكينها وفق مداراتها وضروراتها، لتتحكم في وضعية الحرف وايقاعه وطريقه بنائه وتكون القائد الذي يملك باحترافيته أشد أنواع الحضور الذي يجمع صهوة الأحوال في بوتقة مساراته_ الفعل وحركيته _ العادلة.
يبدو أنهم كانوا جميعا علي سفر
هذي رواحلهم
وتلك مطيهم
وهذا نثار من غبار كلامهم

     بدأ الشاعر بتعريف الأحوال العامة للنص في سردية المضامين الشعرية ذات التأمل الذي يستطلع الدلالات المنتجة للنتائج باستدعاء ما توافق وما تناسق من أدوات واستدعاءات لتحفيز المدلولات المؤدية إلي تقنية البناء العام في جوهره الفني الذي تحقق من خبرات الكتابة.
ثم يترك لمخزونه النفسي ودورات التنفس داخل شرايين الأدوات تضفير إنتاجية الدال في مسارات المدلول ليمنحنا نتائج جمالية
وكأنها _ اسطنبة _ مصنع؛ امتلك أحدث تقنياته وحداثته.
يقول عبد الحكم العلامي:

هل يذكرون مرابعا
كانت لنا ؟!
كنا نلاحق ما استثير
من الحنين
ونهم نستبق الخطى
نرتاد وقتا
آخرا
نلقى به من أسرفوا في النأي
هم من تواروا
خلسة
غير أن حديثهم
ما زال ينتظر الندامى
العالقين بأخريات
الليل !
……
     ثم يأتي بعد ذلك الدور علي تفاصيل الأحوال لتمنحنا حارات الطرق التي لا تتداخل بزحام الحرف وفوضوية نتائجه،بل تركت مجريات مياهها تسير وفق معطيات حركية الأفعال التي تقوم بدور القائد العام الذي يتحكم في المسارات وتنظيماتها وفي النتائج.
     يدخل الشاعر عمق بطن مدارات النص ويحلق في شدوه، حتي نهاية ما أفاضت به بواطن وأسرار وأدوات وتقنية ونتائج النص، حتي يصل إلينا في سموه الذي يطالع سماوات مقابلة له في سمو التلقي والمعايشة.وهذه بقية النص الذي فاق بروعة حضوره مسالك النابهين.

للقلب أحوال
تنتابه على حين الشرود
هو مايزال على هوى
يحلو له
هو لم يزل رهن
العهود !
…..
خل الطريق
ولا عليك :
أن تستجيب لمغريات
المرجفين !
خل الطريق لحاجة
أخرى
تهدي خطاك
إلى هذي السياج
تشتم رائحة القوافل
في السرى
هي حاجة أخرى
إذن
تسائل ريحهم
هل تحمل البشرى
وهل في الرحال
ما يستدل به
عليه ؟!
….
هو مايزال على قدر
هو لم يزل قيد الإقامة
والسفر !!

النص
كلام أقل
………

يبدو أنهم كانوا
جميعا
على سفر !
هذي رواحلهم
وتلك مطيهم
وهذا نثار من غبار
كلامهم !
…..
هل يذكرون مرابعا
كانت لنا ؟!
كنا نلاحق ما استثير
من الحنين
ونهم نستبق الخطى
نرتاد وقتا
آخرا
نلقى به من أسرفوا في النأي
هم من تواروا
خلسة
غير أن حديثهم
ما زال ينتظر الندامى
العالقين بأخريات
الليل !
……
للقلب أحوال
تنتابه على حين الشرود
هو مايزال على هوى
يحلو له
هو لم يزل رهن
العهود !
…..
خل الطريق
ولا عليك :
أن تستجيب لمغريات
المرجفين !
خل الطريق لحاجة
أخرى
تهدي خطاك
إلى هذي السياج
تشتم رائحة القوافل
في السرى
هي حاجة أخرى
إذن
تسائل ريحهم
هل تحمل البشرى
وهل في الرحال
ما يستدل به
عليه ؟!
…..
هو مايزال على قدر
هو لم يزل قيد الإقامة
والسفر !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى