ضلالة هداية (٣)
رضا راشد | الأزهر الشريف
(اسم على غير مسمى)
من فقه هذه اللغة الشريفة، لغة القرآن الكريم، أن هناك ارتباطا وتناسبا بين الاسم والمسمى، أو بين اللفظ والمعنى، وألا يكون الاسم من مسماه بمنزلة الأجنبي المحض الذي الذي لا تعلق له بها، فللاسم-كما يقول ابن القيم – رحمه الله – تأثير في مسماه، وللمسمى تأثر بالاسم، وكما قيل:
وقَلَّ إن أبصرت عيناك ذا لقب
إلا ومعناه إن أبصرت في لقبه
[انظر: زاد المعاد لابن القيم ٥/٢ المكتية العلمية ببيروت]
ومن هنا عمدت العرب إلى تحري أسماء أبنائها؛ تحقيقًا لمعاني هذه الأسماء في شخصيات الأبناء، فها هو ذا عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم يسميه محمدا، فلما سئل عن سر إيثار هذا الاسم على أسماء آبائه قال: ليحمده من في السماء ومن في الأرض.
وربما خولفت هذه القاعدة – بتسمية الشيء بما هو ضد معناه-: تفاؤلا؛ كتسمية اللديغ سليما أو هجاءً، بتسمية الشيء الحسن باسم قبيح، كما كان من تسمية قريش نبينا صلى الله عليه وسلم مذمما في قولهم :
مُذَمّمًا عَصَيْنا
ودِينَه قَلَيْنا
وأمرَه أَبَيْنَا
فكان في صنيعهم هذا صرفٌ للأذى عن اسم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد سبوا مذمما وهو محمد !! أومخادعة وتمويها؛ بتسمية القبيح بأحسن الأسماء: كتسمية الرشوة هديةً، والربا فائدةً، والفساد صلاحًا:《وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون》 [البقرة:١١] وكما كان من تسمية الشيعة أول مدرسة أسسوها في سريلانكا باسم “منبع الهدى”، وإنما هي منبع الضلالة وتسميتهم المتشيع مستبصرا، وإنما هو أعمى البصر والبصيرة.
ويكأنه من هذا الباب سمي مذمم ضلالة أو غواية: محمد هداية، فلم يكن له من اسمه أي نصيب. وكيف؟! وهو يروم بما يقول هدم الإسلام كله بإنكار كل ما لا يتوافق مع فهمه السقيم ونظره الكليل، وهذه ليست دعوى فارغة، بل هذا ما تراءى لي، وسنتابع في المقالات التالية إن شاء الله إقامة الدليل على ذلك .
وحتى لانتهم بظلمنا للمدعو محمد هداية، وأننا لم نحسن فهم فكره،أوأننا فهمناه على طريقة لا تقربوا الصلاة=فقد كان واجبا عينياعليَّ أن أتتبع مسيرته منذ عرف حتى الآن، بمشاهدة ما تيسر لى من برامجه ومقاطع فيديوهاته؛ ليتيسنى لي الخلوص إلى نظرة كلية تطل على فكره من عل، جامعة لأشتاته، رابطة لشوارده.
سقوط متدرج
ولقد تبين لى من تتبع مسيرة “محمد هداية” الفكرية أنه لم يسقط فجأة ولم يتهاوَ مرة، بل كان سقوطه متدرجا وتهاويه على مرات، من خلال أطوار ومراحل.بل نستطيع أن نقول إنه صعد إلى الهاوية،حين لمع نجمه فجأة، وسطع نوره بغتة، ثم كان في هذا البزوغ وذلك السطوع انطفاؤه وإظلامه، وكأنه كان يرتقى إلى مكان زلق زلت منه قدمه، فكأنما خر من السماء، فهوت به رجله في مكان سحيق من التخلف والجهل والهوى.
منبع ضلالة هداية
ومنبع الضلالة والغواية في فكر المدعو محمد هداية – فيما أرى – هو اعتداده بنفسه، وفقر قراءته لتراث السابقين من العلماء الأجلاء الأثبات.
فلقد عرفت محمد هداية أول ما عرفته منذ أكثر من عشرين سنة؛ متحدثا في برنامج تلفزيونى أسبوعي على إحدى قنوات التلفزيون المصري مع الشيخ محمد جبريل، بصحبة المذيع علاء بسيوني، فراعني منه أنه يعتمد فيما يقول على اجتهاده الشخصي هو ونظره الفردي هو، لا يعزو شيئا لغيره، ولا يؤسس كلامه على كلام من سبقه.حتى إننى كنت أحيانا أستشعر أنه قد يلقي بالفكرة قد ولدت في عقله للحظتها، فما لبث أن استحسنها فمرت من عقله إلى لسانه سريعا دون تحقيق أو تثبت، فربما استحسنها المذيع ومن معه -وهما لا يُعَوَّل على استحسانهما في شيء-،فتاه بنفسه واستعظم فكره، وفي ذلك من المهالك ما فيه، وحسبك بالمرء يجتمع فيه اثنان من المهلكات: هوى متبع، وإعجاب برأيه. ومن هنا كان سيره في طريق الضلال المخوف نهايته، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
وإنما العلم شجرة تستمد ساقها وأغصانها وأوراقها وثمارها كلها غذاءها من الجذر، فإذا قطع الجذر ماتت الساق والأغصان والأوراق والثمار؛ فلا شجرة بلا جذر، ولا عالم بلا سلف.
هكذا كان في بداية أمره، ثم كأنه تمادى في أمره، وسدر في غيه، فكثرت مخالفاته لجمهور العلماء في مسائل مجمع عليه، ولكنها كانت ربما لا تؤثر في عقيدة المرء تأثيرا كبيرا، كإنكاره جمع أبي بكر للقرآن؛ استدلالا خاطئا بقوله تعالى:《إن علينا جمعه وقرآنه○ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه》 [القيامة:١٨،١٧]
ثم انتهى به أمره إلى ما انتهى إليه من التهاون بمخالفة الجمهور فيما هو مجمع عليه، غير مبالٍ بما يترتب على ذلك من وخيم العواقب، يغريه بذلك أن تلقفته الجهات المشبوهة، وأفسحت له المجال فسيحا: فندوة في نادٍ هنا، ومحاضرة هناك، وحلقة في برنامج على فضائية هنالك، وفي كلٍّ تكال له ألقاب التنوير والتحديث والتجديد ومقاومة الظلاميين أصحاب الفكر المتخلف ..إلخ، وتحوطه آهات الإعجاب بفكره المستنير، فإذا نظرت في أدلته التى اعتمد عليها في مخالفة المجمع عليه من الأمة: (سلفا وخلفا)، وجدته فيها كالجبل تمخض فولد فأرا ..وهذا ما سنفصل القول في مقالات لاحقة إن شاء الله .
يتبع