الآلة الشعبية في مواجهة التحديات السياسية

د. طارق محمد حامد | أكاديمي مصري

المتابع للعملية الانتخابية في مصر منذ مطلع التسعينيات مع مشاركة تيار الإسلام السياسي في الانتخابات التشريعية بعد فترة مقاطعة دامت لعشر سنوات منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تصيبه الحيرة لصعوبة استكشاف نفسية الناخبين ودوافعهم وأهدافهم للتصويت لتيار الإسلام السياسي والتقلبات المزاجية للناخبين حيث صوتوا في استحقاقين انتخابيين لصالح الإسلام السياسي وخاصة بعد إقرار قانون الإشراف القضائي الكامل علي العملية الإنتخابية وذلك في عام 2000م حيث حصل التيار الإسلامي السياسي متمثلا في الإخوان المسلمين علي 16مقعدا من مجموع مقاعد المجلس النيابي الأساسي وهو مجلس النواب وفي عام 2005م حيث حصل علي 88مقعدا من المقاعد بينما حصل علي نسبة تكاد تصل ل75 % من مقاعد غرفتي مجلس النواب (الشعب والشوري) أبان ثورة يناير 2011 وكان التيار الإسلام السياسي هنا متمثلا في حزب الحرية والعدالة وحزب النور أو الإخوان والسلفيين علي الترتيب في الوقت الذي تخلي فيه معظم الشعب عنهم في أحداث ما يعرف برابعة والنهضة و يرجع هذا – من وجهة النظر الشخصية البحتة – لعدة أسباب:
أولا: أسباب تتعلق بالنظام الحاكم.
ثانيا: أسباب تتعلق بسيكلوجية تيار الإسلام السياسي.
ثالثا: أسباب تتعلق بمجموع الناخبين.

أولا: أسباب تتعلق بالنظام الحاكم
و تتلخص هذه الأسباب في عدم فهم اتجاه الجماهير نفسيا ومدي السخط الذي انتابهم لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتعليم والصحة وكذلك السلطوية المفرطة والاستبداد السياسي في العقد الثالث من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك مما أدي إلى التصويت العقابي من قبل الجماهير من أجل التغيير وإتاحة الفرصة لنظام حكم جديد قريب من الناس من ناحية الأنشطة الخدمية من خلال لجان الإغاثة الإنسانية التي كانت بجانب الناس أثناء زلزال 1992م وفياضانات الصعيد وغيرها والتي تخلت عنها الحكومة لصالح تيار الإسلام السياسي آنذاك فسمحت للتقارب الإجتماعي والسياسي ما بين الشعب وهذا التيار الأكثر احترافية من الحكومة نفسها كذلك حدث هذا التقارب في القطاعات الخيرية من المستوصفات الخيرية والجمعيات الأهلية غير الربحية و التي كانت تقدم للفقراء الغذاء والدواء كذلك في النقابات المهنية في حين كان هناك قصورا حادا من قبل الدولة تجاه هذه الملفات فخسر النظام بذلك هذا القطاع العريض من الشعب في الوقت الذي كان يعتقد أنه في مأمن من حسم الانتخابات في هذه الحقبة مثل السابق وغفل عن قانون الإشراف القضائي الكامل الذي أقره تحت ضغط القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني فكانت النتيجة صادمة للنظام في المراحل الأولي للانتخابات في عام 2005م وتدارك النظام هذه الكارثة و عالجها بنفس الأسلوب القديم بتزوير المرحلتين الثانية والثالثة وحصد التيار الإسلام السياسي 88% من المقاعد في المرحلتين الأولى و الثانية قبل أن ينتبه النظام و هذا يعزي إلي قصور في فهم النظام لطبيعة الجماهير واتجاههم نحو التصويت العقابي ضدهم وضد سياساتهم الخاطئة.

ثانيا : أسباب تتعلق بسيكلوجية تيار الإسلام السياسي
حينما كان الإسلام السياسي مضطهدا ومستضعفا ويقع تحت آلة البطش من قبل النظام اعتقالا وملاحقات أمنية وتهميشا وإقصاء من شغل الوظائف السيادية في الدولة والكوادر الجامعية إلا من فلت من تحت أعين الأمن الجامعي في هذه الحالة انحاز التيار الإسلامي للشعب وتحصن به وكان معه في الملمات وحفظ الشعب له هذا الجميل ومن ثم صوت لصالحه في هذه الاستحقاقات الانتخابية.
لكن بعد وصول التيار الإسلام السياسي لسدة الحكم وإحكام هيمنته علي مفاصل الحياة السياسية في مصر بعد ثورة يناير ظهرت نبرة التعالي علي الشعب واعتلي النظام الحاكم آنذاك قمة برج عاجي لم يستمع فيه لأصوات الناصحين بالانحياز للشعب بدلا من الانحياز للسلطة وفي الوقت الذي جهل العقل الجمعي للتيار الإسلامي فهم سيكلوجية الجماهير والناخبين وفي السابق كان قد نجح في تكوين الظهير الانتخابي الذي صوت لصالحه وتغافل عن تكوين الظهير الشعبي وليس الانتخابي مع شيطنة الدولة العميقة المتمثلة في المؤسسات الأمنية والقضائية لتيار الإسلام السياسي أبان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي والمناكفات الاجتماعية والاقتصادية من المراهنة علي صبر الجماهير علي نقص البنزين وانقطاع المياه والكهرباء والعجز في الغاز ونجحت المؤسسات الأمنية والمخابراتية في هذا الملف أيما نجاح وأزعم أنهم كانوا أكثر فهما من النظام الحاكم السابق وتيار الإسلام السياسي لسيكلوجية الجماهير.

ثالثا: أسباب تتعلق بالناخبين وسيكلوجية الجماهير :
ويبدو لي أنهم الحلقة الأكثر ذكاء حيث يفهمون اتجاه الحالة السياسية إلي أين ويتماهون معها بالتصويت العقابي ضد الحزب الحاكم ولصالح التيار الإسلامي لرغبتهم في التغيير نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما قلنا في السابق ودائما ما ينحاز الشعب للأمن بكل أشكاله: الأمن المجتمعي والأمن الغذائي والأمن في السكن وهي أدني الاحتياجات الإنسانية الأساسية التي يسعي لها أي إنسان علي ظهر البسيطة ولكن لما لم يجدوا استجابة من تيار الإسلام السياسي حينما وصل لسدة الحكم- حتي ولو ظاهريا مع سيطرة الدولة العميقة علي مفاصل الدولة- لتلبية هذه الاحتياجات الأساسية ورفع مستوى المعيشة و تحسن الاقتصاد ارتفاعا وتحسنا محسوسا وحتي الفشل في الإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي وتداول السلطة، فانفض الشعب من حولهم وتحولوا عنهم في أول أزمة سياسية بعد أحداث الثالث من يوليو عام 2013م ولم يصبر الشعب علي هذه التجربة التي راهن عليها وانتظرها ما يقرب من 60 عاما منذ انقلاب الثالث والعشرين من يوليو 1952م بسبب عدم تحقيق طموحات الشعب في هذه الاستحقاقات بعد ثورة يناير ولكن يجب أن نقف علي تقييم حقيقي وموضوعي لهذه التجربة حتي لا نحكم عليها حكما جائرا تبعا للهوى و المرجعيات الأيدولوجبة المغرضة.
والخلاصة:

بعد عرض هذه الأسباب الثلاثة نستنتج بأن الشعب كان أكثر ذكاء وأكثر فهما لسيكلوجية الأنظمة الحاكمة وجماعات الإسلام السياسي وتوجهاتهم والتعاطي معها وكيفية التعامل مع كل بحسب هذا الفهم أكثر منهم له ومعهم وهذا يشي بأمر مهم للغاية ألا وهو الوعي السياسي لهذا الشعب والفهم الفطري لنفسية من يتعامل معهم من الأنظمة والجماعات ويثبت نظرية القصور الذاتي لدى هؤلاء في التعلم والدراسة المتخصصة لفهم سيكلوجية من يقودونهم وهذه بلا شك تنفي عنهم الصفات القيادية وبذلك لا يصلحوا أن يكونوا قادة للأمة لأنهم فشلوا كل على حدة في إقناع الجماهير وقيادتهم نحو الأهداف التي يسعون لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى