قراءة في رواية اليافعين “أنا من الديار المقدسة”
بقلم: الدكتور عز الدين أبو ميزر
صدرت عام 2020 رواية اليافعين “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي طالب الدويك ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 62 صفحة من الحجم المتوسط.
أجزم أنه لا يختلف أحد معي من قراء كتابات جميل السلحوت بأن من يبدأ بقراءة أول صفحة يتملكه شعور الرغبة، وتأسر نظره الكلمات التي على السطور بجمالها الأخاذ، فتدفعه بجاذب يصعب تفسيره الى إتمام ما بدأ بقراءته حتى النهاية دفعة واحدة، إلا إن كان عدد الصفحات كبيرا فيتعب البعض ولا يمل، ولا يجذب القارىء بديع اللغة ولا بلاغتها ولا الاستعارات ولا التفنن في صياغة الجمل، فاللغة بليغة هي ببساطتها ومباشرتها في إيصال ما يريده الكاتب بيسر وجلاء ووضوح دون إبهام أو غموض يجعلك في حيرة أو تخمين، والتشويق ظاهر في الأسلوب السهل الممتنع والذي هو هبة من الله هُذب وصُقل بكثرة القراءة والاطلاع حتى عاد شرابا زلالا مستساغا لكل شارب.
والأجمل من كل ذلك ما يظهره كاتبنا من سعة معرفية، فلا يذكر عالما إلا ويعطينا نبذة عنه، ولا معلما من المعالم التاريخية أو الوقائع الأثرية إلا ويتحفنا بمعلومات صحيحة عنه، تثبت شيئا وتدحض آخر، مستهدفا أن يضع النقاط على الحروف في صدق المعلومة قدر الاستطاعة ويبقى فوق كل ذي علم عليم.
الرواية للفتيان وبدأها بسؤال عادي يُسأل كل يوم آلاف المرّات وعند كل تعارف في أنحاء المعمورة، ولا يسبب مشكلة ولا حرجا. ولكن شيخنا جعل عقدة الرواية في السؤال وجعل من الجواب معضلة، جعل منهما رواية جميلة رائعة تستحق القراءة والإشادة بها لغة وأسلوبا وسردا يستمتع به القارىء أيّما استمتاع. لأن السؤال بمكان معين ودولة معينة والجواب يخص أقواما آخرين لعبت السياسة والقوة والجبروت والاستهانة والتخاذل والخيانات في تشويه صورة الحقيقة الناصعة، فبدت على غير ما هي حقيقة عليه، وكانت سببا في ظهور هذه الرواية التي نتحدث عنها.
الرواية رواية وطنية سياسية تاريخية فلسطينية بالخصوص، تثقيفية توجيهية تصحيحية لمفاهيم مغلوطة، والغلط فيها متعمد ومقصود في التعمية وقلب الحقائق والادعاء الكاذب، يدعم كل ذاك ماكنة رهيبة من الإعلام المغرض والقوة الغاشمة في إثبات ما يدحضه التاريخ والجغرافيا، وتثبت عكسه الوقائع الثابتة التي لا يمكن العبث بها ولا تزويرها بأي حال من الأحوال بالعموم.
أعتبر من وجهة نظري فوق ذلك أن هذا النوع من الكتابة هو جهاد ونضال وصمود ومقاومة وإثبات ذات، كثيرون يحاولون طمسها وتذويبها وحتى محوها من الوجود لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا بشتى الطرق والأساليب المشروعة، وحتى غير المشروعة والمحرمة دوليا وإنسانيا وعرفا وقانونا. ولن يكون لهم ما يريدون، ما دام هناك مخلصون وأحرار مؤمنون بأن الحق حق والباطل باطل مهما دار الزمن وتداولت الأيام.
كعادتي أعطي وجهة نظري في العمل الذي أقرأه كقارىء وليس كناقد متخصص، وبصورة عامة ولا أهتم إلا بالتفاصيل التي تستوجب الالتفات إليها لأجملها في وجهة نظري في العمل. فالتفاصيل أغلبها يراها المشاهدون على شاشات التلفاز وفي الصحف، ولكن المهم هي وجهة نظر المشاهد أو القارىء عما يرى ويقرأ، ولذلك أيضا كانت هذه الرواية.
شهادتي في كاتبنا ربما تكون مجروحة بعض الشيء؛ لأني من محبيه ومحبي قراءة ما يكتب أدبيا وسياسيا ومعلوماتيا ومقالا، وإن كنت أختلف معه أحيانا والاختلاف لا يفسد في الود قضية.
وختاما فإنني أرى كاتبنا في هذه الرواية الرائعة والجميلة فارسا مغوارا ومقاتلا شرسا مع صدق في التوجه وأمانة في تسجيل الأهداف دون مراوغة أو تضليل.