في تأريخ الأحداث
د. خضر محجز | فلسطين
يُكتب التاريخ من خلال أربعة مصادر: المشاهدة، والرواية الشفهية، والوثائق الرسمية المحفوظة، والآثار والحفريات.
وكل فرع من هذه الفروع الأربعة يعتوره الكثير من الشكوك: فالمشاهدة مصبوغة بهوى المشاهد، ومحدودة بما يرى، والزمن الذي يرى فيه. أما النقل الشفهي عن الرواة، فعرضة للنسيان والهوى. وأما الوثائق الرسمية، فيخطها المنتصرون. وأما الآثار فكثير منها ضائع، وأغلبها لم يُكتشف.
لكن اللافت أن بعض المهتمين العرب بكتابة التاريخ، يظنون أن القرآن لا يصلح مصدراً لكتابة التاريخ، مقتدين في ذلك بمؤرخين غربيين رأوا التوراة كتاباً متناقضاً غير عقلاني، ففصلوا بين ما يقول، وبين ما وقع بالفعل؛ فأُغرم المؤرخون العرب بجعل هذا منطبقاً على القرآن. وفي مثل ذلك يقول الدكتور طه حسين:
“للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً؛ ولكن ورود هذين الاسمين، في التوراة والقرآن، لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي” (في الشعر الجاهلي. مجلة القاهرة. ع149. 31).
ولكن الفرق بين صحة ما قاله القرآن، وما نقلته التوراة كبير وواضح: من حيث أن تدوين أولهما كان في حياة التنزيل، فيما كان تدوين الثاني من الذاكرة بعد قرون.
والحق أن كل ذلك الديني يستحق أن يتم تمحيصه ونقده وعرضه على العقل:
فأما القرآن فقد محصناه بحثاً فوجدناه وثيقة لا يمكن الشك بأي حرف فيها، من حيث الثبوت عن المصدر.
وأما التوراة فشأنها شأن الوثائق المدونة منذ القدم، إن لم تكن أشد وثوقاً، لاعتناء كاتبيها أكثر من غيرهم بما كتبوا.
وأما الرواية الشفهية، فنطبق عليها قوانين ضوابط الروايات الشفهية، قبل تدوينها، ثم طبقنا عليها قوانين فحص صدقية ما ورد في المدونات، بعد أن وصلت إلينا الآن مدونة. لكن دعونا نتذكر بأن الرواية الشفوية ـ في حالة الأحاديث النبوية ـ قد حظيت بسند متين صحيح، ونقد متمعن، أديا إلى الحكم عليها، بعد الامتحان العسير. وكل ذلك حدث قبل وبعد تدوينها في الكتب.
ولعمري أن لو أراد كاتب تاريخ أن يقتصر على المشاهدة والوثائق الرسمية والآثار، لما كتب شيئا يُذكر، ولضاع منه الكثير، مع أنه سيعتمد على مصادر ليست أكثر موثوقية من الكتب الدينية والأحاديث النبوية.