النصف الفارغ.. ملامح الزمان في شعر حسن فتح الباب

د. جمال فودة | عضو الاتحاد العالمي للغة العربية – كاتب وناقد مصري

يرتبط الزمن في العمل الشعري بدلالة النص حيث يبلور الشاعر من خلاله لحظة خاصة تضرب بجذورها في أعماقه، ومن ثم يكتسب الزمن مغزاه من خلال ارتباطه بالخبرة الإنسانية، أي بصفته معنى داخلياً وصيغة للتأمل.

رغم ضراوة الواقع يعيش الشاعر زمنه مواجهاً تحدياته، مرتبطاً بقضايا أمته، لهذا اتسمت مشاعره تجاه زمنه بالحزن والسخط النابع من مآسي الفرد والمجتمع، إن الزمن يمثل حضوراً قوياً في لغة الشاعر وتجربته، لكنه حضور منبوذ يدينهـ غالباً ـ الشاعر، ويحرّض على التخلص من أغلاله، فلا سبيل له أن يتصالح مع هذا الزمن:
” البخيل ” (1) ” الكئيب ” (2) ” المستحيل ” (3)” القاسي “(4)” العقيم “(5)” الغرور”(6)” الموبوء” (7) ” القتيل ” (8) ” الخؤون ” (9) ” الضرير” (10) إنه زمن غريب وعجيب هذا الزمن ” زمن الزيف ” (11) ” زمان الفجور”(12) ” زمن النار” (13)”زمن القروح” (14) ” زمن المرتزقة ” (15) ” زمن الطاغوت ” (16)” زمن المارقين “(17) ” زمان الكلاب السمان ” (18) ” زمن الإفك ” (19) ” زمان غاشم” (20).

إذن كيف يعيش الإنسان في زمن يحمل كل هذه المثالب ؟!، الكل في هذا الزمان يرتدى القناع، فلا تعرف الجبان من الشجاع!

تعانقت الأوجه الكالحات
وجاء زمان الكلاب السمان
فشمر للموج باغ جبان
وبدل من جلده الأفعوان (21)

في هذا الزمان ينعم المخاتل الشقيّ، وينطفئ نجم المناضل البهيّ، والويل للوفيّ من لعنة الخائن والجبان والدعيّ، إنه زمن الغش والمداورة،الفوز فيه لمن يجيد المناورة !!

في زمن الطاغوت
يستنسر النعام
يزور التراث
يصيح أبناء الخنا : يا إفك
المجد والبهاء لك(22)

إنه زمن ” المرتزقة ” الذي اختلطت فيه الأمور، حيث اعتلى العبيد واللصوص والكهان الأرائك المتوجة، وراحت الغربان تغرد في حدائق الشيطان فضلّ الحداة والركبان!

في زمن المرتزقه
يؤكل لحم الشهداء تزدهى الإماء و الخصيان
في أريكة السلطان
تغرد الغربان في حديقة الشيطان
تستأسد الثعالب
تشامخ الطحالب (23)

وفي هذا الزمن ” زمن المرتزقة، كل شيء إلى زوال، ولا سبيل إلى مقاومة عصابة الفجار، ففي زمن الأشقاء الأعداء والعبيدالأمراء والأمواتالأحياء:

لا أيك لا شجى ولا دجى ولا نداء
شوق على أرض عراء
عيش هباء
دمُى خواء
كون عماء
حمامة من نيلنا مطوقه
شهيدة في دمها مضرجه
ولا حجار
ترمى بها عصابة الفجار
في زمن المرتزقه (24)

لا قيمة ـ إذن ـ للسعي والكد في هذا الزمن الذي تزاحمت فيه الأضداد، فالكدح بلا نوال،والسؤال بلاجواب،والفجر ضبابوعويل وسراب، وموسم الحصاد هشيم ومأتم للفصول، ولا عجب لأن:

هذا زمان الطفولة المهيضة الجناح
كدح و لانوال
سهد الليال
محتشد السؤال لا جواب
و الفجر غيم من نواح
في غابة النصال و الدموع
حصد الهشيم موسم الذبول مأتم الفصول (25)

والزمن بهذه الملامح القاتمة يعد محوراً أساسياً لدى الشعراء المعاصرين بصفة عامة، وأبرز ما يُلاحظ على هذه النزعة هو أن الشعراء قد صاروا يلحون على إبراز جانب واحد من الحياة هو جانب القتامة، وأنهم يغمضون عيونهم عن جانب البهجة، وليست الحياة جهمة كلها، وإنما تتضمن إلى جانب الجهامة صوراً من الإشراق كذلك، إن نفس الشاعر التي تتسع لاستيعاب كل أشكال الحياة ينبغي أن تهزها الأشكال المشرقة كما تستوقفها الصور الجهمة.

الإحالات
(1) الأعمال الكاملة: المجلد الأول / 123
(2) السابق / 477 (3) السابق / 515 (4) السابق / 638 (5) السابق / 668
(6) الأعمال الكاملة: المجلد الثاني / 38
(7) السابق / 65 (8) السابق / 305 (9) السابق / 625 (10) السابق / 629 (11) السابق / 22
(12) السابق / 41 (13) السابق / 88 (14) السابق / 392 (15) السابق / 444 (16) السابق / 544
(17) السابق / 554 (18) السابق / 591
(19) الخروج إلى الجنوب / 122 (20) السابق / 52
(21) الأعمال الكاملة: المجلد الثاني / 591
(22) السابق / 544 (23) السابق / 655 (24) السابق / 443،444 (25) السابق / 439

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى