قراءة في نص (لو يرجعُ الموتى) للشاعر عبد الرزاق الربيعي

قاسم المشكور |  العراق

قوّة الإحساس بالآخر

الإنسانُ كائنٌ إجتماعي لا يمكنهُ العيشَ بمعزلٍ عن محبيهِ؛ فوصالهُ مع َمنْ يُحب غريزةٌ قبل أنْ تكون حاجةَ؛ اوضرورةَ إجتماعيةَ؛ لإنّ الإنسانَ فيه إستجابةٌ؛ و إستعدادٌ طبيعي لهذا التواصلِ؛ بل أنّ كلَّ شئ في هذه الحياة_ سواء في ذلك الحيوانات؛ و النباتات؛ بل وحتى الجماد_ سائرٌ في طريقِ العشقِ سيراَ إختيارياَ إلى الحياةِ التي تناسبهُ؛ وما من شئ يُفسد هذا العشقَ كما الفقد.
في نصهِ المميز يطلبُ منا الشاعر الربيعي أنْ نرمي ما في أيدينا جانباَ؛ ثم ندعَ جانباَ كلَ ما يشغلنا عن نصهِ؛ ويرجونا أنْ نضعَ أيدينا على كتفهِ ليجولَ فينا في رحلةٍ روحيةٍ شفيفةٍ؛ ونحن بالمقابل لا نملك إلاّ التسليم؛ والإذعان لما يريدُ؛

يقول الشاعر في مطلع القصيدة _

لو يرجعُ الموتى
من الغيب
ليوم واحد
لاغير
يوم واحد
لن يُنقصَ الأموات
مما في سراديب ظلام
الجهة الأخرى
ولن يُفقر بيت العالم السفلي
يوم واحد لاغير
يوم لا يضرُ الليل
يوم
سوف يكفينا
لكي نحكي لهم
ما حلّ بالاشجار
والانهار
بعد غيابهم
لا غير
تكفي بضع ساعات
من العمر..
ولن نسألهم
عما وراء الغيب
لن نسأل..
لا دخل لنا بالجهة الأخرى
ولا دخل لنا بالنار
أو بالورد
لا دخل
ويكفينا حديثٌ عابرٌ
يجمعنا في مطعم
أو ساحة مفتوحة الأفق لهم

إنّ النزوعَ إلى التواصلِ مع الأحبةِ؛ والتماهي معهم إنما هو إنفعالٌ داخلي يسمو بالعاطفةِ؛ ويشذبُ الشعورَ من كلِ سقطاتهِ؛ وهو صورةٌ قلبيةٌ تنبئ عن مقدار ما يحملهُ المرءُ من قوةِ الإحساسِ بالآخر.

إنظر إلى هؤلاء الواقعين صرعى الفقدِ؛ والفراقِ في معركةِ الحياةِ؛ الهائمين في فيافي الوجدِ بحثاً عن أرواحهم؛ ثم سلهم واحداَ واحداَ؛ لماذا هم بهذا القدرِ من العاطفةِ؟ ولماذا لم يعدْ بمقدورهم تحمل ألمَ الفقدِ؟
ستجد الإجابة واحدة؛ وهي انهم كفروا بكل أسباب الفراق.

غربةُ الروحِ التي يخلفها فقد الأحبةِ هي تعبيرٌ دقيقٍ عن التصادمِ بين الإمنياتِ؛ والواقعِ الثقيلِ؛ إنها إستجابةٌ طبيعيةٌ لنداءٍ ينطلقُ من أعماقِ الروحِ؛ وحيثُ تكتملُ ظروف إنبعاثها؛ وظهورها على السطحِ فإنها ستعبّرُ عن ذاتها بطريقةٍ جنائزيةٍ.
ويكمل الشاعر تجوالهُ بنا؛ فيقول_
أو كل منْ يأتي
من الحراس
لو..
لو يرجع الموتى
لنحيا
كي نرى
أرواحنا تمشي
إلينا مرةٌ أخرى
ليومٍ واحدٍ لا غير…

إنّ إنقسامَ النفسِ بين الواقعِ السقيم؛ وبين عالمِ الأحلامِ؛ والإمنياتِ يؤدي لا محالةَ إلى إنقسامٍ مماثلٍ في الطاقةِ الفاعلةِ؛ وفي ظلِ هذا الإنقسامِ النفسي قد توجد؛ بل لا بد أنْ توجدَ حالة إنفعال داخلي تطفو على السطحِ على شكلِ ترنيماتٍ غنائيةٍ؛ أو شهقاتٍ روحيةٍ يتم التعبير عنها بطرقٍ مختلفةٍ.

إنّ المصابَ بالإغترابِ النفسي؛ كما الجندي الذي أضاعَ بوصلةَ توجيه رصاصاته؛ او كما المريض الذي تتملكهُ حالةٌ من الهذيانِ؛ ثم لا يستطيع أنْ يَمنعَ نفسهُ منها.

إنّ إغترابَ الروحِ عجزٌ لا قدرةٌ؛ او هو قدرةٌ وضعتها حالةُ عجزٍ؛ وإنها لم تكن في كل حالاتها إلاّ تعبيراَ عن حالةِ الفقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى