ثرثرة حول السرير
منجد صالح | فلسطين
ربما لا ينتبه ولا يتنبّه معظم الناس والبشر في كُرتنا الأرضيّة بأننا نقضي، على الأقل، ثلث حياتنا نجثو على هذا الإختراع الذي اسمه السرير.
وقطعة الأثاث هذه، السرير، يغوص اختراعها واستخدامها في بحور القِدمِ والعراقة والحضارة، منذ قرون وقرون، منذ الحضارات القديمة: المصرية (الفرعونيّة) واليونانيّة والفارسيّة والآشوريّة وغيرها.
والسرير في أذهاننا وفي “أدبيّاتنا” اليومية والسرمديّة مرتبط ويرتبط بعدة مواضيع وأشياء منها:
النوم والراحة والإستلقاء والإسترخاء و”التمدّد” و”فخفخة” تناول الفطور الصباحي على السرير، كما في بعض الأفلام المصرية، والدفئ والإستدفاء بالسرير ومشاهدة التلفاز في ليالي البرد القارصة، أو متابعة الدراسة والإمتحانات وحلّ الواجبات المدرسية من على صهوة ظهر السرير، من قبل الشابّات والشباب المُتمنطقين بملابس فضفاضة مُريحة.
كما يرتبط بحالة المرض والإعياء والتعب و”كسر الرِجِل” ولفّها بالجبس لمدّة شهرين مُتتاليين، والتمترس القسري على السرير، وقراءة العديد من الروايات البوليسية كروايات أجاتا كريستي أو الرويات العاطفية كروايات احسان عبد القدّوس وروايات نجيب محفوظ (العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل للآداب)، وروايات الكاتب الكولمبي الحائز أيضا على جائزة نوبل للآداب، غابرييل غارسيا ماركيز، عن روايته مئة عام من العُزلة.
ويرتبط السرير في ذهن الخبثاء “والزعران والصعاليك” بما يدور عليه من “عمليّات حربية” بارعة ودّية حُبّية سلميّة طوعيّة مُمتعة، تُخرج مكنونات الروح والجسد في لحظات من النشوة، والسباحة في قطرات من العرق ومن العسل.
وعلى مدى التاريخ البشري صُنعت وصُنّعت ووجدت أنواع مُتعدّدة ومُختلفة و”مُشكّلة” من الأسرّة، ممهورة بمواد وخلطات مختلفة مُتعدّدة: الأسرّة المصنوعة من الخشب، من الحجر، من الحديد ومن مواد أخرى.
والسرير لا يُصبح سريرا كاملا، كما هو مُتعارف عليه، إلا إذا “تمنّطق” بالكسوة التي “تغمره” لتجعله وثيرا جميلا نافعا صالحا لكل ما سبق وغيرها من الطقوس والجلوس والسبوت.
توضع عليه فرشات من الصوف أو القطن أو محشوّة بالزنبركات “الهزّازة الراقصة” أو محشوّة بمواد حديثة مُصنّعة أخرى وحتى بالماء أو بالهواء، وفوقها الأغطية والشراشف والمخدّات.
والأسرّة أنواع منها “المِفرد”، لشخص واحد أو “المجوز” لشخصين، وأسرّة الأطفال. ومن أهمها السرير الملكي أو الملوكي، الذي يُفترض أن يكون من أرحب الأسرّة، مع أن البعض يدّعون أن الملك والملكة كانا “ينحشران” في سرير ليس بهذا الإتساع والضخامة كما يُعتقد.
أمّا من أغرب حكايات الأسرّة الملكية فهي قصة ذلك الملك الذي كان يملك سريرا “مُلوكيّا” فاخرا في إحدى غرف قصره الرحبة الفسيبحة، لكن غرابة السرير من غرابة الملك، فقد كان “ذو مزاج”، وكانت لديه طقوس في استخدام السرير وخاصة “طقوسه الغريبة العجيبة” في مطارحة زوجته، الملكة، الغرام على السرير الشهير.
في إحدى الليالي الصيفية الدافئة “حبكت” مع الملك، وودّ ممارسة الحبّ مع زوجته الملكة على السرير الفسيح المُزيّن بعدد من المساند والمخدّات متعدّدة الأحجام والألوان، على ضوء شمعة واحدة فقط، شمعة طويلة مُضاءة يحملها “خادم الملك الزنجي الأمين” بيديّه وينزوي بها في إحدى زوايا، “قُرن”، الغرفة.
يتسلّق الملك السرير الفسيح أين تنتظره الملكة بكامل زينتها وعطرها وبما خفّ حمله من لباس يكشف أكثر ممّا يستر، “لزوم” المناسبة الحميمة.
ويُعانق الملك مليكته، .. ويستمر .. .ومن وقت لآخر يُراقب خادمه الزنجي في “القرنة” للتحقّق من ما إذا كان يحملها، أي الشمعة، “كما يجب” بصورة صحيحة.
خلال ذلك يسأل الملك مليكته:
“هل أنت سعيدة؟؟”.
فتُجيب:
“هممم. ليس كثيرا”.
فيصرخ الملك على خادمه ويأمُرُه أن يُغيّر الزاوية إلى أخرى وأن “يمسك الشمعة جيّدا”.
ثمّ يستأنف “نشاطه”، ويسأل الملكة مُجدّدنا:
“هل أنت سعيدة؟؟”.
لكن الملكة تلوذ بالصمت كما هو حالها منذ البداية، واجمة تُحمّلق في “سماء” الغرفة شبه المُعتمة.
فيصرخ الملك مرّة أخرى على الخادم ويأمره أن يُغيّر الزاوية إلى ثالثة، وأن يتمسّك بالشمعة بقبضة يديه بقوّة.
امتثل الخادم وفعل.
ثمّ عاد إلى مليكته يسألها:
“كيف تسير الأمور يا حبيبتي، هل أنت سعيدة؟؟”.
فتجيبه بالنفي.
قام الملك وترك السرير الرحب والملكة ما زالت “تجثو” عليه شبه عارية، مُحملقة في سقف الغرفة الرحبة.
صرخ على الخادم، خادمه الأمين، الزنجي ذو العضلات المفتولة، وأخذ منه الشمعة.
أمره أن “يُباشر” الملكة على السرير، وانزوى هو في القرنة الرابعة والشمعة “منتصبة” في يديه.
وما هي إلا لحظات حتى بدأت الملكة تُصدر “أصواتا وحشرجات ومواء كقطّة في “عزّ كانون”.
فاقترب الملك من السرير الفسيح وسأل ملكته وهو “ينضح” سعادة وهناء، سألها همسا:
“هل أنت سعيدة يا حبيبتي؟؟”.
فأجابته بين مواء وتأوّهات:
“نعم .. نعم .. نع .. نع .. نععععم …!!!”
فتوجّه الملك للخادم “المُنتشي” وقال له:
“أرأيت يا “غشيم”، “هكذا تُمسك الشمعة!!!”.