رجاءً لا تقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني!
سهيل كيوان | فلسطين
كل الأنظمة العربية تُعلن بمناسبة وفي غير مناسبة، بأنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله لأجل حقوقه العادلة. البعض يضيف إلى هذا الكليشيه جملة «التي أقرَّتها الشَّرعية الدولية» وفي الوقت الذي يعلن بعضهم وقوفه هذا، يتعاون بشكل أعمق مما سبق مع الدولة التي تنتهك هذه الحقوق، وتبدِّدُها وتمعن في التنكر لها، وبالذات مع أجهزتها الأمنية المعروفة عالميًا كقوة احتلال وقمع، ولا تحترم حقوق الإنسان في المناطق التي تحتلها، وتحاصر ملايين من هذا الشّعب، وتذيقهم الويلات من قتل وسجن وهدم واقتلاع.
كان التنسيق الأمني في الماضي مع دولة الاحتلال سِرّياً وخَفِياً، افتضح في ما بعد، في مذكرات رجال دولة الاحتلال نفسها، إلا أنه تفاقم وبات معلناً ومكشوفاً في العقدين الأخيرين، من دون مواربة ولا أقنعة. باتت الاتفاقيات والتنسيقات علنية، لكنهم لا ينسون كليشيه «الوقوف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني».
مقولة «حقوق الشعب الفلسطيني» فضفاضة جداً، ممكن تفسيرها على مليون وجه.
فلا أحد ينكر حقوق الشعب الفلسطيني، حتى غلاة اليمين والمستوطنين ممكن أن يعلنوا أنهم مع حقوق الشعب الفلسطيني، والمعنى في قلب الشّاعر، فقد يقصدون حقه في الحياة في الضفة الشرقية من نهر الأردن، أو حق الفلسطينيين في الحياة كعبيد يبنون المستوطنات ويوسّعونها للأسياد أبناء الشعب المختار. عندما يتعاونون أمنياً مع دولة الاحتلال، من دون أي شروط، فماذا يقصدون من تصريحات «الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني»!
هذا الوقوف ليس سوى شعار، يُطلق لامتصاص حدَّة معارضة التطبيع والتنسيق، من قِبل أنصار الشعب الفلسطيني الحقيقيين بين ظهراني هذا الشعب العربي، أو ذاك! هذا يعني أن قياداتهم رغم اتفاقاتها الأمنية مع دولة الاحتلال، إلا أنها حريصة على القضية التي تحظى بتعاطفهم! لكن لماذا التنسيق الأمني، وما هي ضرورته! فهو برأيهم «يسهم في استقرار المنطقة». النظام العربي الذي كان ينسِّق سِراً، بات يشعر بحرِّية العمل والشراكة مع الاحتلال ومختلف أذرعه، وحجَّته هي أن الفلسطينيين أنفسهم ينسِّقون، وهذا يعني أن التنسيق حلال.
التنسيق الأمني موجَّه أوّلا ضد الشَّعوب العربية نفسها في هذه الدول المنسِّقة، لأنه يعني استنباط أفضل طرق القمع، وامتصاص الغضب، وتحاشي قيام ثورات أو انقلابات، وإحباطها إذا ما حصلت، وبعد هذا فهو ضد مصلحة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم لأجل انتزاع حقوقه. التنسيق الأمني يمنح شرعية للاحتلال، ويغطِّي على ممارساته وجرائمه. في الدول الحُرّة يحتجّون على مقتل مواطن فلسطيني ويطلبون توضيحات من الاحتلال، بينما الدول العربية المنسِّقة أمنياً لا تجرؤ على طلب مثل هذه التوضيحات. التنسيق الأمني يعني التجسُّس على المناوئين والمعارضين للحفاظ على النظام الحاكم. إبقاء الشعوب العربية تحت سيطرة أنظمة متعفنة هو مصلحة كبيرة للاحتلال، لأن الأنظمة المذعورة ستبقى في حاجة الاحتلال لمساعدتها في حماية نفسها. بعد «الربيع العربي» الذي فاجأ العالم، ازداد اعتماد الأنظمة المذعورة على جهات أجنبية، لتثبيت حكمها ومنع الاهتزازات أو المفاجآت. لا مشكلة بإطلاق كليشيه «الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني». حتى نتنياهو أعلن ذات مؤتمر بأنّه يؤيد حل الدولتين! وكل القيادات الإسرائيلية السابقة أعلنت بأنه من حق الفلسطينيين أن يعيشوا بكرامة إنسانية، وأعلنوا أنهم لا يرغبون في أن يحكموا شعباً آخر! هكذا يكون التضليل أعمق وأشدَّ دهاء من الإنكار المباشر لحقوق الشعب الفلسطيني.
في التنسيقات الأمنية يعلن الطرفان في بيان مشترك عزمهما على محاربة الإرهاب بلا هوادة! وهنا يكمن بيت القصيد، هذا لب الاتفاقات الأمنية، فكلمة إرهاب فضفاضة جداً، حتى أنها تتّسع لتنظيمات تجمع تبرعات لمحتاجين وأيتام ولدعم طلاب جامعيين، وقد توجّه إلى من يطالب بحق أساسي من حقوق الإنسان! أو ضد من يصوِّر مستوطناً يقطع شجرة، أو ينكِّل بطفل، كل من يقاوم الاحتلال هو إرهابي، أما بالنسبة للنظام، فإن كل معارضة خارج المعارضة الشكلية الهادفة إلى تجميل وجه النظام، فهي متّهمة بالإرهاب أو دعمه والتحريض عليه.
أيتها الأنظمة التي نسّقت سِراً منذ عقود، ثم خرجت إلى العلن، إن «وقوفكم إلى جانب شعبنا» ليس سوى غطاء لتنسيقاتكم الأمنية ضد شعوبكم وضد جيرانكم وإخوانكم من العرب وغير العرب. أنتم في جبهة واحدة مع الاحتلال، وشعب فلسطين والشعوب التي تحاولون تضليلها في جبهة واحدة، في مواجهة البطش والقمع والاحتلال.