قراءة نقدية في ” توظيف الرمز في السرد العراقي”  لـ” نغم عدنان النصر الله “

أ.د. مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

 إن القاص علي السباعي – وهو يقدم على فعل الكتابة- إنما يعبر عن موقفه من العالم,وينطلق من رؤى يسعى من خلالها إلى محاورة ذلك العالم, معبرا بذلك عن حلمه في إنشاء عالم مغاير يجسد رؤيته ورؤياه,ويتجسد- قبل كل شيء- في كلماته,وعندما تتعدد أنماط كتاباته,ونصوصه وتتنوع فان تلك الرؤى ووجهات النظر تتوزعها تلك النصوص ,والكتابات بوصفها عالما متكاملا من الأفكار,والأحلام,[1] ولأنها كذلك, فان الباحثة الكاتبة (نغم عدنان) عن تلك الأفكار, والرؤى, والساعية إلى معرفة ذلك العالم لابد لها من إن تقوم بعملية مداخلة بين تلك النصوص القصصية,لتكون-في النتيجة- فضاءات/مواطن التقاطع هي التي تشكل العالم القصصي,وغيرالقصصي للكاتب علي السباعي[2] , والفضاءات التي تتقاطع من خلالها نصوص الكاتب لاتقتصر فقط على الموضوعات والأفكار, والرؤى التي تعبر عن هاجسه, وموقفه من العالم – وان كانت أبرزها – بل تتعداها إلى اللغة ,والشخصيات,وإنشاء الصورة,وبناء النص أيضا, يلجا القاص علي السباعي إلى الطبقات الفقيرة في نصوصه القصصية, لأنه يؤمن أن الأدب هو صوت الفقراء, وهو المرآة التي تعكس همومهم, وأفراحهم, ومآسيهم, وطموحاتهم أما الأدب الذي لا يروى بصوت الفقراء فهو إما أدب دعائي,أو أدب البرج العاجي,الذي يترفع عن الخوض في مآسي الفقراء, وتعني  مدينة الناصرية له :المهد, والحلم,ففيها ولد,وفيها تصاعدت أحلامه,بتغير حياة شخصياته القصصية,وتدور أحداث اغلب قصصه في أجوائها,ولم تبتعد جغرافيتها ما عدا بعض قصصه التي تدور أحداثها في بغداد,وأما روايتاه المخطوطتان فتدور أحداثهما في مدينة الناصرية, ونستطيع القول إن علي السباعي لجأ إلى تدعيم نصوصه القصصية,والروائية بتراثنا الثر,محافظا على تراثنا ألشفاهي من الاندثار,أو النسيان, فهو يعتمد على الثالوث القصصي  الطبقات الفقيرة / المدينة/ التراث , العنوان هو العتبة المقدسة نصيا , فبه يتكثف المتن ومنه يأخذ هذا المتن شحنته التي تبقيه صالحا- وباستمرار- للقراءة بكل أشكالها المواجهة والفاحصة والمنتجة انه النص وعن طريق ضبطه نتمكن من إيصال طرود الانطباع والتأويل بسلامة تلق فاعل , على اعتبار أن العنوان هو الموجه الأساس الذي تسترشد به القراءة عن أخبار النص الأدبي والغاية التي يريدها [3], فهو أداة توجيه مهمة جدا بين الاداوات الأخرى انه تسمية النص , وجنسه وانتماؤه , يعد العنوان أول المعايير التي يقاس في ضوئها – نصيا- مدى الاهتمام بالقارئ, ومدى الاشتغال على إغوائه عن طريق هذه العارضة الاشهارية – العنوان- أي الاهتمام بالقارئ المقصود, المخصوص بالخطاب , الذي – كما يرى وولف- يمثل فكرة النص المركزية التي تشكلت في ذهن الكاتب [4], فالاهتمام بالقارئ يعني الاهتمام بالنص نفسه , لان القارئ هو المتكفل بإعادة أنتاج النص وتشكيله على الدوام , فقد أصبح القارئ مشاركا ومتابعا ومفسرا لكل شفرات النص ودلالاته وفك شفراته انه مبدع ثان للنص [5], اختلف العنوان في كتاب (توظيف الرمز في السرد العراقي) فهو تارة في تجربة علي السباعي القصصية , وتارة أخرى توظيف الرمز في تجربة علي السباعي القصصية دراسة نقدية , وهو في الأصل رسالة ماجستير نوقشت بكلية الآداب , ونحن نرى بان العنوان المناسب من الناحية العلمية هو الرمز في سرديات علي السباعي , وقد تتطابق عنوان الكتاب مع مضمونه , لأن الكاتب علي السباعي إنما ينتج نصا واحدا جنينا مهما تعددت نصوصه ,و أن هذا النص الواحد ليس هو النص الأول الذي يكتبه,وإنما هو خلاصة النصوص التي كتبها,انه كامن في أعماق ذهنه,وتتوالد عنه النصوص عندما يراد لها أن تولد ,وليس النص الأول نفسه إلا منبثقا عن ذلك الجنين القابع هناك داخل الذهن,ولذلك كان لابد من معرفة هذا النص الذي كتبه علي السباعي المتشكل من مجموعة نصوصه الإبداعية, من خلال استكشاف المحاور التي تمفصلت هي ذاتها,ثم تمفصلت من حولها ,ومن خلالها نصوص الكاتب,وكذلك تأطير الشخصية التي جسدت رؤاه,واللغة التي عبرت بها تلك الشخصية عن تلك الرؤى, من خلال البناء النصي الذي احتوى كل ذلك وصيره عالما متكاملا أساسه الكلمة,[6] نقول إننا من خلال استنطاق النصوص القصصية قد سلطنا الضوء على قاص من جيل التسعينيات,لكنه وليد ثلاث حروب شرسة,وحصار قاس,واحتلال ,ولم يعرف على الساحة الأدبية سابقا , وهو اليوم من رواد القصة وأعلامها في العراق , والوطن العربي 0

إن اللوحة في كتاب توظيف الرمز في السرد العراقي   – بنوعيها لوحة الغلاف , واللوحة الداخلية- هي الإيقونة الأبرز في أولى العتبات , فهي علامة دالة تستقبل ضمن انساق تتفاعل فيها اللغة , واللون , والحركة  والقصد العام لهذه العلامة , أي اللوحة ,وتمثل هذه العتبة الإيقونة الأولى, والأكثر وضوحا في شريط العلامات السيميائية التي يتشكل من مجموعها, أي مجموع إيقونات هذا الشريط , معرض النص [7], فاللوحة تمثيل للمكتوب ونقل له إلى صورة/ لوحة, وهذه الصورة / اللوحة هي اجتهاد مستمر لاختزال مقول النص الذي تتبناه هذه اللوحة سواء أكانت لوحة غلاف لعمل كامل , أم لوحة داخلية لنص محدد , فاللوحة الداخلية تمثل فعلا مساعد يستمد مقاصده من الفعل الرئيس – لوحة الغلاف – ويجتهد من اجل فتح مديات أوسع أمام المحفل النصي [8],وفي ضوء هذا الوصف نجد أننا أمام تقسيم بائن لهذه العتبة , يتوزع على نوعين ثابتين وقارَين للوحة في العمل القصصي هما : لوحة الغلاف , واللوحة الداخلية , وهذا التقسيم يبين أن لهذه العتبة سلطة استقصائية  للمعنى الأدبي منطلقة وراءه بدء من الغلاف , الذي تتمركز فيه لوحة الغلاف , مرورا بحيثيات المتن الأدبي الذي تقدمه – داخليا – اللوحة الداخلية , وصولا إلى المعنى الدال والمراد منها – أي من اللوحة- تمثيله ونقله مبصورا إلى المتلقي [9], وعتبة لوحة الغلاف هي الشكل الخارجي الأكبر لهذه العتبة / اللوحة, إذ تبين – داخل متنها – أشكالا صغرى لتكون بذلك شبكة سيميائية تستطيع الإحاطة – تمثيلا- بالمنجز الذي تغلفه ,ففي كتاب (توظيف الرمز في السرد العراقي) تناولت الكاتبة هذه العتبة المهمة في الفصل الثالث مما أوقعها في خطأ منهجي فادح , ولأننا تعودنا  في تحلينا الاعتماد على أمات الكتب النقدية التي تبدأ بعتبة العنونة واللوحة والإهداء والتصدير وغيرها من العتبات النصية المتبعة في الدراسات النقدية والرسائل والاطاريح الجامعية ,إن التحديد الأوسع لعتبة الإهداء أنها تقدير من الكاتب للأخر وهذا التقدير ينطوي على اعتبارات كثيرة منها ما هو واقعي / عاطفي ( للام / للأب/ للولد ) وهذا الإهداء يفيدنا في تكهن ما عليه النص من تمجيد واعتزاز , أو رثاء للأب أو إلام أو الولد أو رثاء لأحدهم وما إلى ذلك , ومنها ما هو توصيفي / فني يستهدف القارئ بشكل أكثر تعقيدا ويقدم له أدوات تساعده في مشغله القرائي في استكشاف النص واستبيان إبعاده[10] , والإهداء المخصوص الذي يعين مهدى إليه ويختص به دون أن ينفتح من خلاله على الآخر , وهذا الإهداء موجود بصنعة ودراية في كتاب (توظيف الرمز في السرد العراقي) للكاتبة نغم عدنان  فنراها تقول ( إلى أساطير البياض تلك التي منحت ما بي رمزا أبديا ومضت إلى نوافذ الأمل )[11] وهو بهذا الكتاب  إهداء مخصوص, وهذا ما يدل على الأولوية التي يحتلها المهدى إليه.

إن الكتاب من الكتب النقدية المهمة التي تناولت شخصية قصصية من شخصيات مدينة الناصرية في رسالة علمية , ويعد إضافة نوعية للمكتبة النقدية العربية والعراقية , تميز أسلوب الكاتبة بالرصانة والفخامة والجمالية في الطرح ومناقشة الآراء النقدية  والدقة في نقل الأحداث وتوظيف الرموز التراثية عند المبدع الرائع القاص علي السباعي 0

المراجع:

[1] دلالات النص الآخر في علم جبرا إبراهيم جبرا الروائي: ولات محمد:75 .

[2] ينظر المصدر نفسه:75 .

[3] سيمياء العتبة الشعرية : د. حمد محمود الدوخي :297 .

[4] ينظر السياق والنص الشعري من البنية إلى القراءة : علي ايت :106 .

[5] ينظر  كسر أفق توقع القارئ عند شعراء المعلقات : رمضان احمد عامر : 304 .

[6] ينظر دلالات النص الآخر:76 .

[7] تخطيط النص الشعري : د. حمد محمود الدوخي : 25 .

[8] أدوات التنظيم الشعري : حمد محمود الدوخي : 171 .

[9] ينظر تخطيط النص الشعري : 26 .

[10] تخطيط النص الشعري :103 .

[11] توظيف الرمز في السرد العراقي: نغم عدنان النصر الله : 7 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى